Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل حقا فاز الغرب على روسيا في انتخابات مولدافيا الرئاسية؟

 راقبت موسكو عن كثب نتائج الاقتراع باهتمام كبير

مايا ساندو الفائزة بالانتخابات الرئاسية في مولدافيا (أ ف ب)

تمكنت مايا ساندو رئيسة الوزراء السابقة المؤيدة لأوروبا، من الفوز في انتخابات مولدافيا الرئاسية قبل أيام، بعدما حصلت على 57 في المئة من الأصوات، مقابل 43 في المئة للرئيس المنتهية ولايته إيغور دودون الموالي لروسيا.

حدث ذلك في بلد سوفياتي سابق، زراعي فقير، يقع بين رومانيا العضو في الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا، ويعيش منذ سنوات بين الطموحات الأوروبية والتقارب مع موسكو. 

اتجهت الأنظار نحو انتخابات مولدافيا الرئاسية، وكانت محط اهتمام إقليمي ودولي واسع، لا سيما أنها تأتي بعد الاهتزاز السياسي في بيلاروس على خلفية نتائج انتخاباتها الرئاسية، وسبقها أيضاً فوضى سياسية وانقلاب بعد انتخابات برلمانية في قيرغيزستان، وأهمية هذه الانتخابات كونها أقرب إلى استفتاء ينظر إليه أنه للاختيار بين: طريق تكامل أوروبي أو الإبقاء على النظام الحالي المرتبط بالكرملين.

وكان لهذه الانتخابات مغزى مهم في تقرير وجهة مولدافيا في المستقبل، فمن أهم القضايا المتعلقة بهذه الانتخابات مسألة علاقات مولدافيا مع الاتحاد الأوروبي وروسيا، وكذلك مصير منطقة "ترانس دنيستر" بريدنيستروفيه الانفصالية. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويتولى إيغور دودون (45 سنة) الرئاسة منذ 2016، والذي وعد بمواصلة التعاون مع موسكو وتعليم اللغة الروسية الإلزامي في المدارس في بلد يشكل الناطقون باللغة الرومانية غالبية فيه، وقد عبر نظيره الروسي فلاديمير بوتين عن دعمه الواضح له، مشيداً بـ"الجهود التي يبذلها" لتحسين العلاقات مع روسيا.

أما الفائزة في الانتخابات، منافسته الرئيسية مايا ساندو (48 سنة)، مرشحة اليمين الوسط المعارض، فقد شغلت لفترة قصيرة منصب رئيس الحكومة في 2019، ووعدت بتحقيق تقارب بين مولدافيا والاتحاد الأوروبي وإحداث وظائف لوقف نزيف هجرة السكان إلى الخارج، ويعتبر إقبال الناخبين النشط على مراكز الاقتراع في الخارج، أحد العوامل المهمة لفوز ساندو، إذا أخذنا في الاعتبار حجم العمالة المولدافية المهاجرة. 

في سياق متصل، أجريت الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، في سيناريو مشابه لما حدث قبل أربع سنوات، حيث المتأهلين للدور النهائي في السباق الانتخابي مايا ساندو وإيغور دودون، ولكن هذه المرة قام الفائز وصاحب المركز الثاني بتبديل مكانهما، بوصول زعيم ينظر إليه باستمرار، على أنه سياسي مؤيد لأوروبا، وما سيكون لذلك من انعكاس على السياسة الخارجية لمولدافيا، وحصلت ساندو على دعم بوخارست، التي تربطها علاقات تاريخية قوية بمولدافيا، ودعمت موسكو علناً دودون عبر اتهامها الغرب بالتدخل والتخطيط لـ"سيناريو ثوري" في مولدافيا.

ومع بدء إعلان نتائج الانتخابات في مولدافيا على وكالات الأنباء العالمية، ظهرت عناوين كثيرة، حول تحول هذا البلد من روسيا إلى الغرب، و"خسارة موسكو التالية" لحليف و"تقلص النفوذ الروسي" في الفضاء السوفياتي السابق.

لم تكن انتخابات مولدافيا الرئاسية، مجرد انتخابات أو استحقاق عادي، على الصعيدين الداخلي الذي ينقسم بين توجهين، والصعيد الخارجي الذي بات بشكل تقليدي في الآونة الأخيرة ينظر لأي حدث في الدول السوفياتية السابقة على أنه صراع مستمر بين روسيا والغرب، بروكسل وواشنطن، ولطالما سلطت روسيا، في حوارها مع مولدافيا، الضوء على الحفاظ على حياد كيشيناو وعدم عضويتها في الناتو.

راقبت روسيا التي واجهت هذا العام احتجاجات استهدفت حلفاءها في قيرغيزستان وبيلاروسيا، عن كثب نتائج الاقتراع باهتمام كبير، وقبل الانتخابات، طرح الخبراء احتمال "سيناريو" شبيه بما حدث في بيلاروسيا، حيث أثارت إعادة انتخاب الرئيس ألكسندر لوكاشينكو المدعوم من موسكو في أغسطس (آب) الماضي حركة احتجاج تاريخية.

وبينما تهز أزمة سياسية جمهورية قيرغيزستان السوفياتية السابقة في آسيا الوسطى، اتهم رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية سيرغي ناريشكين واشنطن، قبل الانتخابات الرئاسية في مولدافيا، بتدبير "سيناريو ثوري" في هذا البلد.

وقد يكون الأكثر أهمية في المشهد السياسي للبلاد، أنه تم تصميم نظام السلطة في مولدافيا بطريقة تجعل الرئيس لا يستطيع التأثير كثيراً في عمل الحكومة، هكذا كان تحت حكم دودون المنتهية ولايته، وهكذا سيكون في فترة ساندو الرئيسة الجديدة.

لم يكن لدى الرئيس حكومة، يمكن أن نسميها حكومته، واتبعت الحكومة سياستها الخارجية الخاصة، المنفصلة عن رئيس الدولة، ولم تكن موالية لروسيا على الإطلاق، لا سيما في المسارات الأكثر حساسية بالنسبة إلى موسكو (إقليم ترانسنيستريا، العلاقات المولدافية- الأوكرانية، العلاقات بين مولدافيا وبروكسل مع واشنطن).

وما زال حزب رئيس مولدافيا الحالي يحتفظ بكثير من المقاعد في البرلمان، وله تأثيره في العملية السياسية، وهناك توزيع للصلاحيات بين الرئيس والبرلمان، لصالح البرلمان، وإذا أرادت مولدافيا الوقوف في المنتصف بين موسكو وبروكسل مع واشنطن، لا بد من بذل الكثير من الجهود لإيجاد توازن داخلي بين الرئيس والبرلمان.

وكان هناك في فترة سابقة برلمان موال للغرب ورئيس موال لروسيا، وتناوبت القوى المؤيدة للتقارب مع روسيا وأنصار التكامل مع الاتحاد الأوروبي على السلطة، لكن من دون أن يتمتع أي منهما بغالبية واضحة.

وفي 2014 وقعت كيشيناو اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي، أثارت غضب موسكو، ورداً على ذلك، فرض الكرملين حظراً على صادرات المنتجات الزراعية المولدافية، ما شكل ضربة قاسية للاقتصاد المحلي، وبعد ست سنوات وعلى الرغم من رفع تدريجي لهذه العقوبات، تفوق الاتحاد الأوروبي على روسيا وأصبح الشريك التجاري الأول لمولدافيا.

وتواجه مولدافيا الناطقة بالرومانية، وإحدى أفقر دول أوروبا، منذ استقلالها عن الاتحاد السوفياتي عام 1991 أزمات سياسية متكررة، وكانت هناك عملية احتيال مصرفي واسعة في عام 2015 تتعلق بنحو مليار دولار، أي ما يعادل 15 في المئة من إجمالي الناتج الداخلي للبلاد.

وهددت في السنوات الأخيرة فضائح فساد كبرى للنخب في مولدافيا المساعدات المالية الغربية الحيوية، يضاف لذلك إدارة النزاع المجمّد في ترانسنيستريا، المنطقة الانفصالية الموالية لروسيا والخارجة عن سيطرة الدولة شرق البلاد على الحدود مع أوكرانيا، وهو النزاع الذي يذكّر بتجربة أوسيتيا الجنوبية.

وكانت روسيا أرسلت قواتها إلى ترانسنيستريا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في 1991، لإنهاء القتال في المنطقة الناطقة باللغة الروسية، ووقع اتفاق سلام في 1992 بين روسيا ومولدافيا، أنهى نزاعاً مسلحاً بين كيشيناو وترانسنستريا، أسفر عن سقوط آلاف القتلى، وتعد المنطقة حالياً واحدة من "النزاعات المجمدة" في فضاء الاتحاد السوفياتي السابق.

وتُناقش قضية مولدافيا ومنطقة ترانسنيستريا منذ سنوات في إطار ما يُسمى صيغة 5 + 2، بمشاركة مولدافيا وترانسنستريا، مع الاتحاد الأوروبي وروسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، من دون إحراز تقدم، وأجرت ترانسنيستريا قبل سنوات استفتاءً شعبياً، طُلب من السكان فيه الاختيار بين مستقبل داخل مولدافيا أو الاستقلال، يليه الانضمام إلى الاتحاد الروسي، وأكثر من 97 في المئة من الأصوات، مع إقبال كبير، تم الإدلاء بها لصالح الانضمام إلى روسيا.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل