Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"أسرار مقبرة سقارة" الفرعونية يخطف جمهور"نتفليكس"

الفيلم الوثائقي الذي نفذ في ثلاثة أشهر يقدم الاكتشاف الأثري في إطار تشويقي

فريق عمل فيلم " اسرار مقبرة سقارة" أثناء التصوير (اندبندنت عربية)

كان يمكن أن تصبح قصة الاستكشاف الأثري الفرعوني في منطقة "سقارة" مادة توثيقية ومعلوماتية جافة تقدم بسهولة من دون عناء الدخول إلى لعبة الدراما والتشويق، كما جرت العادة مع تلك النوعية من المواد.

لكن الفيلم الوثائقي "أسرار مقبرة سقارة" (Secrets of the Saqqara Tomb) الذي انطلق عرضه على "نتفليكس"، ضمن لهذا الحدث المكوث في الذاكرة طويلاً، والوصول إلى قطاع عريض من الجمهور يقدر بالملايين، ولا يقارن أبداً بأعداد من يتابعون تلك الأخبار عادة، حيث عرض في 190 دولة وترجم إلى 30 لغة.

الأبطال الحقيقيون للكشف الأثري

الدراما سيدة الموقف هنا، فعلى الرغم من أن التصوير كان في المكان الطبيعي للأحداث، لكن سحر التوليف بين السيناريو المكتوب والتعليقات وأحاديث العمال ورؤساء الموقع وحتى المسؤولين في مؤسسات الآثار الحكومية، كان يليق تماماً بطبيعة اكتشاف أثري لحضارة لا تزال أسرارها غامضة حتى اليوم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 وأكثر ما لامس مشاعر المتابعين، أن النجوم الحقيقيين للفيلم هم أعضاء البعثة، من مشرفين ومفتشي آثار وعمال، والذين حرص صناع العمل الفني على أن يتصدروا المشهد بعيداً من الخطابات المنمقة للمسؤولين.

ويحكي الفيلم، الذي صور قبل عامين وأخرجه جيمس توفيل وتصدر "تريند" منصة "نتفليكس" لأيام في مصر وعدد من دول العالم، ونال عبر وسائل التواصل الاجتماعي آلاف المنشورات، كشفاً أثرياً كان له صدى كبير في منطقة سقارة، الواقعة على بعد 35 كيلومتراً جنوب غرب مدينة الجيزة، ويتضمن مقبرة بملحقاتها تعود إلى أكثر من 4500 عام، للكاهن "واح تي" الذي عاش المشاهدون على مدار ساعتين مع حكايته ومحاولة فك غموضها، وذهبوا في رحلة مع استنتاجات المتخصصين، كما عاشوا مع أفراد البعثة لحظات القلق والصعود والهبوط والأمل واليأس.

سرّ "واح تي"

الاقتراب من حياة أفراد مشاركين في هذا النوع من الاكتشافات بجميع أطيافهم، كان له أثر كبير في رفع مستوى الفيلم، فهم من يزيحون التراب عن التماثيل والمومياوات في مقبرة "واح تي" برفق وحنان، وكأنهم يتعاملون مع فراشات رقيقة يخافون عليها من مجرد اللمس، وهو حرص ما كان يمكن للمشاهد أن يلمسه لو قدم العمل في قالب آخر.

عاش المشاهدون لحظات التوجس والترقب، وقصص الفرح من حكايا العمال والمنقبين، الذين ينزلون أمتاراً طويلة تحت الأرض في ظروف صعبة وخطرة من أجل الاقتراب أكثر من أسرار مقبرة صنعت لـ "واح تي"، المشرف على القصور الملكية في الأسرة الفرعونية الخامسة، والرجل الغامض الذي دفن مع زوجته وأطفاله الأربعة ووالدته.

وبعد أن أمضى المنقبون أشهراً للوصول إلى ما دلت عليه العبارات المكتوبة بالهيروغليفية على جدران المقبرة، كانت المفاجآت على قدر هذا التعب، فقد كان هناك تداخل ذكي بين الحياة في المقبرة وواقع المشاركين في الكشف، ومنهم أحد أبرز أعضاء البعثة الأثرية في منطقة جبانة الحيوانات بسقارة الأستاذ أحمد زكري، الذي ظهر في بعض اللقطات مع ابنته الصغرى روضة ليبرز مدى تشابه حياة الأجداد مع ورثتهم الحقيقيين.

ويقول زكري إن "الاتفاق مع "نتفليكس" جاء بعد الإعلان المبدئي عن الاكتشاف، إذ تقدمت الشبكة العالمية بطلب تصوير لمدة ثلاثة أشهر لوزارة السياحة والآثار، وتمت الموافقة عليه".

يضيف، "من أبرز ما حصل على مدار الأشهر الثلاثة هو اكتشاف مقبرة ضخمة تضم مومياوات لقطط، مع شبل أسد محنط قد يكون الأقدم في التاريخ، وحوالى 60 تمثالاً و3 آلاف قطعة أثرية، وعلبة خشبية تحوي تماثيل تشبه الشطرنج بحال جيدة جداً"، لافتاً إلى أنه كانت هناك محاولات مضنية لتفسير سر وفاة عائلة "واح تي" في توقيت متقارب في تلك المقبرة، "وكأن هناك من قام بقتلهم إثر مؤامرة مرعبة، وتدريجياً تتكشف الحقيقة التي ربما تقود إلى تغيير بعض المعلومات المتعلقة بتاريخ الأمراض، حيث يعتقد الباحثون أن وفاة الأب وزوجته وهما في الثلاثينيات مع أطفالهما الأربعة ووالدة الأب ربما نتج عن مرض الملاريا. وإذا صح الافتراض، فسيكون هذا أقدم توثيق لحالة ملاريا في التاريخ".

كثيرون عبر منصات التواصل الاجتماعي طالبوا بتكريم أفراد البعثة التي تعايشوا معها في الفيلم، تقديراً لجهودهم وتفانيهم. لكن زكري يشير إلى أن هذا التكريم لم يحدث بصفة رسمية حتى الآن، فيما لا تزال أصداء الكشف تتواصل، خصوصاً بعدما أعلن عن اكتشاف البعثة خبيئة توابيت أثرية ضخمة في المنطقة نفسها خلال الأسابيع الماضية. وهو حدث نال اهتماماً عالمياً واسعاً أيضاً، حيث قدمت البعثة ستة اكتشافات أثرية في الموقع على مدار ثلاث سنوات.

تواصل مستمر

ويرى زكري أن الفيلم هو بمثابة دعاية هائلة للسياحة، متمنياً أن تكرر مثل تلك الأعمال وسط تسهيلات أكبر للمنصات العالمية، مشيراً إلى أنه يحتفظ مع فريق العمل بعلاقات طيبة مع طاقم تصوير الفيلم حتى الآن، قائلاً إن أعضاء الفريق الأجنبي كانوا منبهرين بما شاهدوه على مدى ثلاثة أشهر. ويضيف، "الفريق الأجنبي بعد الاقتراب من الحضارة الفرعونية بهذا القدر أصيب بالدهشة، وكان منبهراً بطريقة العمل ومستوى المهارات اليدوية في البعثة على الرغم من صعوبة ظروف العمل. وحتى الآن، توجد علاقات ومراسلات بين فريق التصوير وبيننا وبين العمال، إذ يعبرون دوماً عن رغبتهم في العودة إلى مصر بعد انتهاء أزمة فيروس كورونا".

ما بين خروج العظام والتوابيت والتماثيل التي تحافظ على ألوانها الزاهية وكأنها صنعت بالأمس فقط، ومحاولة تلمس المومياوات، يعيش المشاهدون طوال الفيلم لحظات ترقب غير اعتيادي، ويزيدها تميزاً الرابط الإنساني الخفي بين العاملين في الموقع، وبين القصص التي يبحثون عنها بين رفات المقبرة، التي لم تمس من قبل أبداً، ووصفها الفيلم بالمذهلة والرائعة كأكبر مقبرة عثر عليها كاملة في هذه الجبانة الملكية، كما صنف الاكتشاف باعتباره أبرز اكتشاف أثري في مصر منذ نصف قرن. وهو كشف تم على وقع غناء العمال السعداء، وفي الخلفية كان يصدح الأذان من المناطق القريبة التي جاء منها العاملون، ونقشت على جدرانها تفاصيل حياة المصري القديم وتصوره للحياة الأخرى، حيث كان يعيش طوال حياته ليجهز رحلته إلى العالم الآخر.

المزيد من منوعات