Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل عززت أزمة كورونا ثقافة الادخار في العالم؟

"البنوك مقصرة وحان الوقت لإنشاء صناديق وشبكات أمان اجتماعية اقتصادية"

في الولايات المتحدة اتجه مزيد من الأميركيين إلى الادخار أكثر من أي وقت مضى (أ ب)

أدى إغلاق عديد من الشركات في العالم بسبب تفشي جائحة كوفيد-19 جنباً إلى جنب مع انخفاض المداخيل بسبب فقدان الوظائف إلى "الادخار القسري"، فيما شكل بقاء الناس في منازلهم وتجنبهم السفر واعتمادهم العمل عن بُعد وما ترتب على ذلك من خفض للنفقات التي تشمل المواصلات والغذاء والملابس الخ، محفزاً آخر للادخار. وأسهمت تدابير حكومات العالم  للحد من انتشار الوباء في التأثير بشكل كبير على أنماط الإنفاق الاستهلاكي وفي تنامي معدلات الادخار.

في هذ السياق توقع محللون استطلعت "اندبندنت عربية" آراءهم في شأن مستقبل الادخار بعد زوال جائحة كورونا، عودة الإنفاق إلى مستويات ما قبل أزمة كورونا، وأن تنتهي موجة الادخار مع انتهاء الوباء. واتفقوا على أن التحدي القائم يكمن في كيفية استثمار الادخار الحاصل اليوم بفعل أزمة كورونا لتعزيز ثقافة المجتمع بأهميته، وتوجيهه نحو تأسيس شبكات أمان اجتماعي اقتصادي للأسر. كذلك اتفقوا على غياب دور البنوك في المنطقة للتشجيع على الادخار الآمن. ودعوا إلى إنشاء صناديق أوسع لهذا الغرض، تشمل المواطنين والمغتربين في الوطن العربي والاستثمار في تلك الصناديق.

ويقول وضاح الطه، المحلل المالي، عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد تشارترد للأوراق المالية والاستثمار، إن "الإغلاقين الجزئي والكلي في العالم للحد من تفشي فيروس كورونا قد عززا الادخار القسري"، ويرى الطه أن "الطبيعة الاستهلاكية للبشر لا تزال موجودة، متوقعاً أن تعود إلى طبيعتها بمجرد زوال الجائحة". ويدعو إلى "ضرورة تحول سلوك الادخار الطوعي والمستدام إلى ثقافة في المجتمعات وتنميتها في مراحل الطفولة المبكرة من أجل خلق حالة من استدامة الاستقرار الأسري".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف الطه "لقد شهدنا ارتفاع مستويات الادخار في اقتصادات العالم، وبشكل خاص في الاقتصادات المتقدمة، وهي حالة استثنائية، إذ ارتفعت معدلاته في الربعين الأول والثاني من العام في الولايات المتحدة وأوروبا، فعلى سبيل المثال شهد نمواً في الولايات المتحدة وبريطانيا، ووفقاً للمركزي الأميركي والمصادر الحكومية الرسمية فإن النسبة هي ما بين 33 و36 في المئة، وهي عالية". ويتوقع أن يتراجع الادخار في الربعين الثالث والرابع من العام الحالي  بمزيد من الانخفاض، مع إيجاد لقاح لفيروس كورونا.

ويقول الطه إن "النمو في الاقتصادات المتقدمة يعتمد بشكل أساس على الإنفاق، بالتالي يشكل الإنفاق جزءاً أساساً من نمو الناتج المحلي الإجمالي للدول، لذلك نرى أن هناك توجهاً عاماً للتحفيز على الإنفاق من أجل رفع معدلات الاستهلاك وزيادة الإنتاج، ما يسرع دوران هذه العجلة التي ستقود بطبيعة الحال إلى النمو الاقتصادي".

ويدعو الطه الأسر إلى ضرورة الموازنة بين عملية الادخار (المدخرات التي تُترك جانباً ولا تلمس على المدى الطويل)، من أجل أمان اجتماعي اقتصادي للأسر وبين عمليات الإنفاق والاستثمار، وهي أجزاء أساسية ومهمة ينبغي التفكير فيها على مستوى الفرد والأسرة.

غياب ثقافة الادخار في العالم العربي

ويتحدث المحلل المالي، عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد تشارترد للأوراق المالية والاستثمار، عن غياب ثقافة الادخار في العالم العربي، قائلاً إن "معدل الادخار في العالم العربي منخفض جداً". ويشير إلى أنه "لم يتجاوز 5 في المئة قبل تفشي جائحة كورونا، وهي نسبة منخفضة مقارنة مع المعدلات العالمية". ويدعو الطه إلى "ضرورة تعزيز ثقافة الادخار في عالمنا العربي"، لافتاً إلى أن "تلك الثقافة كانت موجودة منذ عقود طويلة، لكنها غائبة اليوم في ظل الغفلة أو التغافل الحاصل اليوم". ويدعو حكومات المنطقة إلى تعزيزها كإستراتيجية وطنية. ويحث البنوك على لعب دور أساس في هذا الجانب منتقداً غياب دور البنوك في التشجيع عليها، إذ يجب أن تلعب البنوك دور مؤسسات وطنية اقتصادية تدعم اقتصادات المنطقة بالادخار، وأن لا يقتصر دورها على أن تكون مؤسسات باحثة عن الربحية فحسب، بل يجب أن يكون لها دور تنموي وتوعوي داعم لتلك الثقافة.

خلق شبكات أمان اجتماعي

ويدعو الطه إلى تشجيع الأسر على فتح حسابات ادخار لأبنائها، قائلاً "في السبعينيات كان هناك بنوك توزع حصالات صغيرة على الأطفال لتشجيعهم على ذلك، واليوم لم يعد هذا الأمر موجوداً، ونحن في أمس الحاجة إلى سلوك الادخار والابتعاد عن الاستهلاك الفوضوي السائد اليوم".

التخلف عن سداد بطاقات الائتمان

 كانت دراسة لمعهد الدراسات المالية البريطاني، "آي إف أس"، عن الادخار القسري في بريطانيا نشرت في أكتوبر (تشرين الأول)، قد أشارت إلى أن خفض الإنفاق على السلع والخدمات كان أكبر في الأسر ذات الدخل المرتفع. ووجدت أن الفئات ذات الدخل المرتفع قد جمعت مدخرات أكثر مما كانت عليه في السنوات السابقة خلال الأزمة، مع انخفاض الإنفاق الناجم من الادخار القسري بشكل يفوق الدخل. في المقابل، شهد الخُمس الأفقر انخفاضاً متوسطه 170 جنيهاً إسترلينياً شهرياً (224 دولاراً أميركياً) في أرصدتهم المصرفية بين مارس (آذار) وسبتمبر (أيلول)، أي بإجمالي 1.220 جنيه إسترليني (1.61 دولار أميركي) وما يعادل 14 في المئة من دخل ما قبل الأزمة مقارنة مع ما نتوقعه في الأوقات العادية.

وفي الولايات المتحدة اتجه مزيد من الأميركيين إلى الادخار أكثر من أي وقت مضى، على الرغم من الفوضى الاقتصادية. والدليل وصول حالات التخلف عن سداد بطاقات الائتمان إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2017. في حين بلغ معدل الادخار الشخصي في الولايات المتحدة لشهر سبتمبر 14.3 في المئة انخفاضاً من 33 في المئة في أبريل (نيسان)، لكنه تضاعف تقريباً على أساس سنوي. علاوة على ذلك، تشهد الأسواق ارتفاعات تاريخية تعود بالفائدة على حسابات التقاعد بحسب موقع توداي الأميركي.

أسواق المال والادخار

من جانبه، يقول المحلل في أسواق المال عميد كنعان، "في ظل انخفاض معدلات الفائدة الموزعة على الادخار القسري أو الادخار الخامل، لا أعتقد أن الادخار سيستمر إلى ما لا نهاية، خصوصاً في ظل وجود عوامل ومسببات أدت إلى تزايد القلق والمخاوف، ما دفع البعض إلى الاتجاه نحو الودائع، فيما اتجه البعض الآخر إلى الاستثمار في الذهب، في ظل التطورات الحاصلة خلال الأشهر الستة الماضية.

ويعتقد كنعان أن "من اتجه إلى أسواق المال وركب هذه الموجة على الرغم من عامل المخاطرة القائم حقق عوائد مضاعفة عن نسب الفوائد التي تقدمها البنوك للمدخرين سنوياً، وهناك بعض الاستثمارات والادخارات في سوق الأسهم وصلت إلى ما بين 20 و40 في المئة. وهذا رقم لم يسجل من قبل". ويتوقع المحلل في أسواق المال أن تتراجع موجة الادخار في ظل تحرك أسواق المال وفي ظل الأخبار الإيجابية عن إيجاد لقاحات لفيروس كورونا. ويضيف أن "الوضع الطبيعي وعجلة الاقتصاد تتحرك عبر التخفيض من الودائع والتوجه إلى الاستثمار المباشر عبر القنوات الاستثمارية المتعددة مثل الشركات عبر أسواق المال أو من خلال تأسيس المشاريع أو استئناف بناء المشاريع التي توقعت خلال الأزمة".

البنوك وتعزيز الادخار

ويرى كنعان أن تعزيز ثقافة الادخار منوط بالمؤسسات الحكومية وشبه الحكومية، قائلاً إن "الحكومات هي القادرة على قيادة تعزيز ثقافة الادخار في المجتمعات". ويدعو البنوك إلى تخصيص منتجات ضمن الاستثمار الآمن كالمعمول به في الغرب، ومثال على ذلك صناديق الادخار وصناديق التقاعد والاستثمارات الحكومية.

ويقول إن الحكومات العربية ومنها حكومة الإمارات تقوم بجهود لخلق استقرار مجتمعي سواء على صعيد المواطنين أو الوافدين الأجانب، وتكتمل الدائرة بتأسيس صناديق ادخار وتقاعد ومعاشات. ويضيف، "صناديق المعاشات موجوة وتقتصر على المواطنين في دول المنطقة، وربما الوقت قد حان لتوسيع هذه الصناديق لتشمل الوافدين، ففي ظل النكبات في العالم العربي أصبح كل شخص مستقراً حيث يعمل وذلك لسنوات طويلة مقبلة، ولا يعود لموطنه الأصلي في المستقبل القريب، فلم يعد نهج الماضي قائماً أي أن يعمل المغترب لسنوات معينة ثم يعود بمدخراته إلى موطنه، فاليوم نتعامل مع الغربة وكأنها وطن".

ويختم بالقول إن "موجة الادخار التي أوجدتها أزمة كورونا لن تستمر وستختفي باختفاء الوباء، والوقت قد حان لتأسيس صناديق ادخار تصب في تأسيس شبكات أمان اقتصادية للمواطنين والمغتربين على حد سواء".

المزيد من اقتصاد