اكتشفت وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" أن "أوروبا" Europa، أحد أقمار كوكب المشتري Jupiter، يتوهج في الليل والنهار على حد سواء، ويغير الألوان المنبعثة منه.
ويرى فريق من العلماء في الوكالة أن الإشعاع الذي يصل من المشتري إلى القمر "أوروبا" يغمره بإلكترونات، وغيرها من جزيئات. ومن ثم، تتفاعل المركبات المالحة الموجودة على سطح القمر مع هذا الإشعاع وينبعث منها ضوء أخضر اللون أو أزرق أو أبيض.
واستخدم "مختبر الدفع النفاث" Jet Propulsion lab التابع لـ"ناسا" مطيافاً، وهو أداة قياس يمكنها فصل الضوء إلى الألوان الأساسية المكونة له، بغية تحليل الانعكاسات على السطح الجليدي للقمر.
ومن طريق العملية عينها جمع العلماء معلومات حول كويكب تقدر قيمته بـ10 كوينتيليون دولار (أي 10 آلاف تريليون، أو مليون مليون) يطفو في حزام الكويكبات الكبير بين المريخ والمشتري، بالإضافة إلى العثور على قمر يحتمل أنه التوأم المفقود منذ زمن طويل لكوكب الأرض.
"كنا قادرين على التنبؤ بأن هذا التوهج الجليدي في الجزء الليلي من القمر قد يوفر معلومات إضافية عن تركيبة سطح (أوروبا). الكيفية التي تتباين بها تلك التركيبة ربما تعطينا أدلة على ما إذا كان (أوروبا) ينطوي على ظروف مناسبة للحياة"، قال مورثي غوديباتي من "مختبر الدفع النفاث". ومعلوم أن سطح "أوروبا" يتكون من مزيج جليد وأملاح شائعة، من بينها كبريتات المغنسيوم (يسمى عادة ملح إبسوم أو الملح الإنجليزي)، وكلوريد الصوديوم (معروف بملح الطعام).
ويعد توهج الملح نتيجة اختراق الإلكترونات لسطح القمر أمراً شائعاً، بيد أن العلماء لم يتوقعوا أن تركيبات جليدية جديدة ستغير الطريقة التي يتوهج بها الجليد، ما يعني أن كل نوع من الجليد يتميز بطيف مختلف. وبغية اختبار تلك الفرضية، صممت "ناسا" أداة فريدة من نوعها أطلقت عليها اسم "غرفة الجليد لاختبار الإلكترون العالي الطاقة والبيئة الإشعاعية الخاصين بـ"أوروبا" (اختصاراً آيس - هارت ICE-HEART).
في المرحلة التالية، أخذ العلماء الجهاز إلى منشأة ذات إشعاع إلكتروني عالي الطاقة من أجل تفحص (عبر عملية محاكاة) الطريقة التي ستتفاعل بها المواد العضوية الموجودة تحت جليد "أوروبا" مع الإشعاع القادم من المشتري.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"كانت رؤية محلول كلورايد الصوديوم في مستوى متدنٍ كثيراً من التوهج لحظة تجلٍ غيرت مسار البحث"، قال فريد بيتمان، الباحث المشارك في الورقة البحثية التي نشرت في مجلة "نيتشر" Nature. وعبر تحليل سطح القمر "أوروبا"، سيكون في مقدور العلماء أن يعرفوا المزيد عن المحيط الموجود تحته، الذي يغطي القمر برمته. وقال غوديباتي "لو أن (أوروبا) لا يتعرض لهذا الإشعاع، لكان قد ظهر على النحو نفسه كما يبدو لنا القمر التابع لكوكب الأرض، أي مظلماً على الجانب المغطى بالظلال، ولكن نتيجة تعرضه للإشعاع القادم من المشتري، فإنه يضيء في الظلام".
ومن المقرر أن تطلق "ناسا" بعثتها التالية إلى "أوروبا"، المعروفة باسم "بعثة أوروبا كليبر" Europa Clipper mission، في العقد الحالي. ويؤمل في أن تسهم المعلومات التي جمعتها المهمة في مساعدة العلماء على معرفة ما إذا كان القمر ينطوي على المقومات اللازمة لدعم أشكال حية.
وتفترض دراسات سابقة أن "أوروبا" يحتوي ربما على كمية من المياه تساوي ثلاثة أضعاف المياه التي تحتضنها الأرض، وأن عمق محيطه يصل حتى 62 ميلاً (نحو مئة كيلومتر)، أي نحو عشرة أضعاف النقطة الأعمق على كوكبنا. ويستخدم العلماء المشاركون في المهمة تلك النتائج الجديدة كي يعرفوا ما إذا كان في الإمكان اكتشاف التوهج بواسطة الأدوات التي تشتمل عليها المركبات الفضائية، إذ من الجائز التعرف إلى المكونات المالحة، ولكن "ليس من المعتاد أن تكون في المختبر وتقول: ربما سنجد هذا عندما نصل إلى هناك"، يقول غوديباتي، مضيفاً "عادة، يكون الأمر معكوساً - تذهب إلى هناك وتجد شيئاً ثم تحاول شرحه في المختبر، لكن تنبؤاتنا تعزى إلى ملاحظة بسيطة، وهذا ما يدور العلم حوله".
© The Independent