Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إنذار إلى جو بايدن بأن الوسطية لم تعد مأمونة في السياسة

ينبغي عليه تقديم "برنامج جديد" للأميركيين وإلا فسيواجه خطر الخسارة أمام موجة ترمبية مقبلة قد تكون تجربة أشد قتامة

استفادت حملة جو بايدن الرئاسية من الوسطية في السياسة، لكن الرئاسة قد تكون شأناً آخر (رويترز)

"الأشياء تتهاوى والمركز لن يقوى على الصمود". كتب الشاعر الإيرلندي ويليام باتلر ييتس تلك الكلمات قبل قرن من الزمن في قصيدته "المجيء الثاني" التي مثّلت رؤيته السوداوية عن يوم الدينونة الوشيك. يحب جو بايدن الشعر الإيرلندي، وسيكون من الجيد حين يعود إلى الجناح الغربي (في البيت الأبيض)، في يناير (كانون الثاني) المقبل، أن يتبّنى ذلك الإنذار ويعتبره شعاراً تنبيهياً. إذ مستقبل الديمقراطية الليبرالية برمته اليوم ربما يعتمد على قدرته في الانتباه إلى أن السياسات المبتذلة للوسطية لن تمر هذه المرة. إذ اعتُبِر الوسط في أوقات ماضية الموضع الاستراتيجي الذي يجري حوله نزاع ضارٍ بغية الفوز في الانتخابات.

واليوم، مع نسبة الاقتراع الشعبية الأعلى في تاريخ الولايات المتّحدة، قد يميل بايدن إلى الاعتقاد بأن الحكمة التقليدية ما زالت نافعة. بيد أن الهامش الصغير الذي فاز به، في الحقيقة، يمثّل عقاباً لهذا التفكير. إذ يتمثّل الشيء الذي يلحّ قوله في ذلك الشأن بأن هذه الإدارة الديمقراطية عليها تقديم "برنامج جديد" جذري للأميركيين من "المتروكين" و"المُتخلّى عنهم"، وإلّا ستواجه خطر الخسارة في 2024، أمام "مجيء ثانٍ" للترمبيّة، أو ربّما حتى موجة أشد قتامة وأكثر إثارة للقلق.

لن تقدّم السياسات الوسطيّة الآمنة التغيير الملموس لحياة الناس العاديين. لا بل أن التاريخ، في الواقع، سينظر إلى البريكست (انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) ودونالد ترمب باعتبارهما من أعراض وعلامات مظاهر اللامساواة البنيوية المتأصلة التي أنتجها فشل الوسطية السابق في الوقوف في وجه النخبة الثرية من أصحاب الشركات.

لقد وعد بايدن بالعمل على قلب مسار سياسات ترمب في الإعفاءات والتخفيضات الضريبية، وفي كبح "كوفيد-19"، وإنعاش الاقتصاد، والحد من استهلاك الوقود الأحفوري. وفي المقابل، تبقى الصعوبات أمامه كثيرة، وتتجسّد في مجلس شيوخ خاضع لسيطرة الجمهوريين وكونغرس منقسم [يتألف الكونغرس من مجلسي النواب والشيوخ]. كذلك قد تقترن تلك الطريق الحافلة بالعوائق بطبيعة الرجل [بايدن] وطبعه التوفيقيين، فتُطيح خطة العمل الجذريّة التي تمسّ حاجة أميركا إليها اليوم.

في بريطانيا، يملك كير ستارمر [زعيم حزب العمال] وقتاً أطول ومجالاً أكبر للمناورة قبل أن يقرر الموضع الذي سينصب فيه خيمته ضمن المشهد السياسي الجديد. واليوم مع عمل الجائحة لغاية الآن على نقل مركز الجاذبية السياسي إلى اليسار، راح ريتشي سوناك (من حزب المحافظين) يبدو كأنه تشي جيفارا، وبات من الواضح أن هذا المشهد السياسي الجديد المرتبك سيأخذ بعض الوقت كي يرسو ويتبلور. في المقابل، يؤدي ستارمر حتى الآن جميع الخطوات الصحيحة، من خلال عدم استعجاله، وحرصه على إظهار بُعدٍ من الكفاءة الاحترافية في شخصيته؛ فيما ترنّح الحكومة في طريقها وسط الأزمة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من جهة أخرى، مع إقالة ربيكا لونغ- بايلي (من حزب العمال)، وتعليق عضوية جيرمي كوربن (من حزب العمال أيضاً)، أظهر ستارمر أيضاً قدرته على اتخاذ القرارات المحسوبة على نحو دقيق وتكتيكيّ. وسيكون عليه عمّا قريب اتخاذ موقف وإعلان رؤية استراتيجية شجاعة تُظهر كيف يمكن لحكومة من حزب العمال تبديل حظوظ الناس العاديين في الحياة والعيش. ويشبه ما يواجهه ستارمر في الوقت الراهن كثيراً ما واجهه [رئيس الوزراء البريطاني السابق] كليمنت آتلي في 1945، ويعني ذلك أن الراديكالية على الأرجح ستكون أكثر الطرق أماناً نحو السلطة. ويعني أيضاً أن الوسط لم يعد الملجأ الآمن الذي يمكن منه ممارسة لعبة النِسب والأرقام، إذ إن المحافظين في كل الأحوال سيكونون سلفاً هناك، متخذين من ذلك الموقع نقطة انطلاق قبل تقويض خطة الدعم في ظلّ حالة الطوارئ التي أجبروا على وضعها. وكذلك يتطابق ذلك الموقع المرتبك والمساوِم إيديولوجيّاً [للمحافظين حاضراً، مع الموقف الذي وجد المحافظون فيه أنفسهم تحت قيادة [رئيس الوزراء السابق ونستون] تشرتشل، فيما هم ينظرون بذهول إلى خسارتهم الانتخابات بعد الحرب العالمية الثانية في 1945.

وحاضراً، يقف ستارمر في موقع مشابه لآتلي وعلى طرف نقيض من جيرمي كوربن، متمتعاً بتلك الميزة الطبيعية التي يحتاجها كل من وُسِمَ بالراديكاليّة التي تتطلبها المرحلة. إذ تكمن ميزته في إنه لا يبدو راديكالياً. واستطراداً، إنه في موقع مثالي كي يفرض شروط المعركة في السجال المقبل الذي سيلي الجائحة. إذ تتفرد عملية إعادة توزيع حقيقية للثروة، وسياسة ضريبية عادلة للدخل تؤدي بالشركات إلى تسديد حصتها المناسبة، بأنها تقدر على إعادة التوازن إلى المجتمع ومعالجة واقع اللامساواة الذي أدى إلى نهوض الشعبوية الخطرة في كلا جانبي الأطلسي. وإن جنح الديمقراطيون في هذا السياق الى التعامل مع فوز بايدن باعتباره انتصاراً للاعتيادي الشائع والاتجاه السائد، فإنهم يتجاهلون الواقع السياسي الجديد الذي أدى إلى جرف سياسيي "الطريق الوسط" بواسطة تيّارين آتيين من كلا الاتجاهين في تلك الطريق.

ومن سخرية القدر أن يكون فيروساً قاتلاً قد أمدّ الديمقراطية الليبرالية بحبل نجاتها الرفيع. أنها فرصة لا يمكنهم تبديدها. وتماماً مثلما أسهم إرث كليمنت آتلي، المتمثل بهيئة "الخدمات الصحية الوطنية" ونظام الرعاية الاجتماعية، في إنقاذنا من الاضطراب الاجتماعي عقب الحرب العالمية الثانية، فإنّه لا شيء سوى برنامج جذري يرفع مستويات العيش، عبر انتشال المواطنين من هوة الانكماش الغارقين فيها، من شأنه إنقاذ السياسات الليبرالية التوافقية من موجة ثانية من الشعبوية الديماغوجية.

كخلاصة، تُنذِر قصيدة ويليام باتلر ييتس "المجيء الثاني" بأنه عندما يتهاوى المركز "تعمّ الفوضى في العالم" وذاك حين يبدأ شيء لعين فعلاً في "التمدّد" نحو مركز القرار.

© The Independent

المزيد من آراء