Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تحولات الشرق الأوسط ومتغيرات بايدن

"ما تطلبه إيران لا يريد ولا يستطيع أي رئيس أميركي تلبيته"

صورة من الأرشيف لجو بايدن يزور قاعدة أميركية في بغداد عندما كان نائباً للرئيس السابق باراك أوباما (أ ف ب)

الشرق الأوسط صار، منذ أربعينيات القرن الماضي، واحداً من أكثر الأقاليم في العالم تأثراً بالسياسة الأميركية. وهذا من حسن الحظ بالنسبة إلى بعض بلدانه ومن سوء الحظ بالنسبة إلى بعضها الآخر. لكن الدولاب يدور مع تبدل السياسات في واشنطن والأوضاع في الإقليم، بحيث تتغير الحظوظ وتتبادل البلدان المواقع. ولا شيء يتقدم هذه الأيام على سؤال هو هاجس بالنسبة الى أنظمة وأمل بالنسبة إلى أخرى: ما الذي سيفعله الرئيس المنتخب جو بايدن في الشرق الأوسط وبه وله؟ ما الذي يريد تغييره من سياسات الرئيس دونالد ترامب، وما الذي لا يستطيع أو لا يريد تغييره؟ وما هي قراءته وقراءات المنطقة في الثوابت والمتغيرات الأميركية، وبالطبع في كوابح التقليد وديناميات التحول الشرق أوسطية؟

مهما يكن الجواب، فإن السؤال الذي يتقدم عليه هو: ما الذي نفعله نحن لأنفسنا ومنطقتنا؟ كيف نبني أوضاعاً قوية يصعب على القوى الكبرى تجاوزها؟ وكيف نواجه كعرب خطورة أدوار إقليمية على المسرح العربي؟ بايدن كتب بوضوح في مقال عن سياسته الخارجية نشرته "فورين أفيرز"، أن القوات الأميركية "ستبقى الأقوى في العالم وسأستخدمها لحماية الشعب الأميركي عند الضرورة، وسأُعيد أكثرية قواتنا من الشرق الأوسط وأفغانستان، مع توجه لدعم شركائنا المحليين بنشر مئات من القوات الخاصة ضد عدو مشترك". وهو يعرف الشرق الأوسط جيداً. زار معظم بلدانه والتقى قادة وشخصيات وأنشأ نوعاً من "الصداقات"، سواء كرئيس للجنة العلاقات الخارجية مدة 17 عاماً في مجلس الشيوخ أو كنائب للرئيس باراك أوباما ثماني سنوات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن الشرق الأوسط اليوم يختلف عما كان عليه أيام الحرب الباردة بين الجبارين، حيث كانت أميركا تختصر مصالحها واهتماماتها فيه بثلاثة: إسرائيل، النفط، والشيوعية. اليوم تُشرف أميركا على تحول جيوسياسي في العلاقات العربية - الإسرائيلية. والبقية من الصراع العربي - الإسرائيلي التي شغلت المنطقة والعالم عقوداً طويلة هي نزاع فلسطيني - إسرائيلي يحتاج إلى تسوية بالعودة إلى "حل الدولتين" بعدما رحل "اتفاق السلام" مع ترامب وصهره كوشنر. حماية منابع النفط وطرق إمداده مضمونة، والحاجة الأميركية إليه تقلّصت بعد "النفط الصخري". والشيوعية لم تعد تخيف حتى اليمين المتشدد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. أما القضايا التي تفرض نفسها، فأبرزها اثنتان: تنامي النفوذ الإيراني في العراق وسوريا ولبنان وغزة واليمن وتهديد الدور الإيراني للاستقرار في الخليج. والتدخل العسكري التركي في سوريا والعراق وليبيا وشرق المتوسط، وجنون العظمة لدى الرئيس رجب طيب أردوغان الذي يستعير ثياب السلطان محمد الفاتح وتراث السلاجقة والعثمانيين، ويستخدم "الإخوان المسلمين" في تحقيق أحلامه "العثمانية الجديدة" وأوهامهم في استعادة "الخلافة". القضية الأولى التي هي جزء من مشروع "ولاية الفقيه" حاربها ترمب بسياسة "الضغط الأقصى". والقضية الثانية ساندها ترمب، بحيث سحب القوات الأميركية من أجزاء من شرق الفرات لفتح الطريق أمام الغزو التركي، ووقف مكتوف اليدين حيال تدخل أنقرة في حرب ليبيا وغاز شرق المتوسط.

بايدن تحدث عن "تغيير المسار" مع إيران. لكن ما يطلبه من شروط ترفضها طهران لأنها تنزع معظم أوراق القوة في يدها. وما تطلبه إيران لا يريد ولا يستطيع أي رئيس أميركي تلبيته. وهو بالتأكيد، لن يتسامح مع أردوغان الذي أرخى يده ترمب كما دلل أمثاله من السلطويين الشعبويين. لا في التنمر على العرب ولا في الاستيلاء على أرض عربية. ولا في التمرد على حلف الناتو ومغازلة روسيا. والكل يتذكر أن بايدن كان له مشروع لمستقبل العراق بعد الغزو الأميركي: تقسيمه إلى ثلاث دول، كردية في الشمال، سنية في الوسط، وشيعية في الجنوب، أو أقله إقامة فيديرالية شاملة أو كونفيديرالية. لكن من الصعب أن يتمسك به حالياً، حيث تبدلت ظروف العراق في التوجه نحو الاستقلالية وتنامي النفوذ الإيراني ضمن الطموح إلى التحكم به كله، لا بدولة شيعية في جنوبه. ولن يترك سوريا للروس والإيرانيين والأتراك، كما فعل ترمب، خصوصاً أنه يرى في الرئيس فلاديمير بوتين "خصماً استراتيجياً". أما لبنان، فقد أعلن بايدن "الحرص على أن يكون مستقبله خالياً من الفساد وشاملاً لكل أبنائه، وعلى دعم الجيش الذي هو الدعامة الأساسية لاستقرار البلاد".

ولا أحد يتوقع من بايدن أو أي رئيس أميركي ألا يتصرف على أساس ما رواه بايدن عن قول والده له: "المرء ليس في حاجة لأن يكون يهودياً لكي يكون صهيونياً". ولا شيء يفيدنا كعرب إن لم نقف نحن مع أنفسنا بقوة.

المزيد من آراء