Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جزائر فبراير... ثورة بيضاء أسقطت رئيساً بسلميتها

فقد الجزائريون كل أشكال التواصل مع مؤسسات دولتهم المشكّلة للسلطات الثلاث

22 فبراير (شباط) عند الجزائريين لن يكون يوماً كسائر أيّام السنة، فقد شهد ميلاد حراك شعبي لم يكن في الحسبان وتحول إلى "ثورة بيضاء" أسقطت رئيس العشرين عاماً، بينما يبحث قادتها عن طرد منظومة حكم بأكملها.

قبل هذا التاريخ، فقد الجزائريون كل أشكال التواصل مع مؤسسات دولتهم المشكّلة للسلطات الثلاث، التنفيذية (رئاسة الجمهورية والحكومة)، والتشريعية (البرلمان) والقضائية (العدالة).

نظام الحكم أصبح مبنياً على الولاءات وتصنيفات المصالح الشخصية (أنت معي والآخر ضدي). سقطت الكفاءات ومعايير الشفافية في شباك الفساد والرشوة وداس "المتزلفون" على القوانين والدستور المغتصب بتعديلات على المقاس.

وضع صعب عايشه الجزائريون من دون أن يلتفت النظام إلى صرخاتهم وأوجاعهم المكتومة، لسبب وحيد هو أنهم كانوا يتخوفون من تكرار تجربة دموية أحرقت الأخضر واليابس، لأنهم قرروا الخروج إلى الشارع بدافع التغيير في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) من العام 1988، فكانت آثار الصدمة وارتداداتها طويلة.

الربيع العربي... ليس الآن  

مواليد تسعينيات القرن الماضي، وهم الذين لم يعرفوا رئيساً غير بوتفليقة، حفظوا درس أبائهم جيداً، وتجنبوا الوقوع في فخ النظام، على الرغم من مشاعر الإحباط التي اكتنفتهم، وهم يرون بلادهم يحكمها رئيس عاجز عن الحكم رشحه محيطه لولاية رابعة.

وقتها، فضل الجزائريون التريث، أمام رياح الربيع العربي التي هبت من دون سابق إنذار على البلدان العربية، فمرّت برداً وسلاماً على شعوب وأغرقت أخرى في دوامة العنف والتدمير. الأحداث في دول الجوار مثل ليبيا لم تكن محفّزة إطلاقاً على رفع مطلب التغيير وكذلك في تونس التي كانت تسير بخطوات متثاقلة نحو مرحلة انتقالية.

مرت 5 سنوات من الصبر مع بصيص أمل في تنظيم انتخابات شفافة تُخرج البلاد إلى الأمان. ولأن هذا المخرج ظل معطلاً بتشبث بوتفليقة بعهدة خامسة حدث ما لم يكن في الحسبان.

شباب فبراير

كل شيء تغيّر في فبراير، حين استفزاز الموالين لبوتفليقة الجزائريين بترشيحه لعهدة خامسة يوم التاسع من فبراير من القاعة البيضاوية بالعاصمة، ورفع محيطه صورة وضعت في إطار، في شكل دمّر كبرياء الجزائريين.

شرارة الحراك انطلقت يوم الخميس 15 فبراير بخروج شباب وصفوا بالشجعان، في منطقة بوعريريج (300 كلم شرق العاصمة) للمناداة بأعلى صوتهم "مكاش (لا وجود) الخامسة يا بوتفليقة". مقاطع الفيديو الملتقطة لهم انتشرت كالنار في الهشيم. ومن هول الصدمة، أقدمت السلطات الجزائرية على اعتقال المدوّن إبراهيم لعلامي لتقديمه نداء للجزائريين وأهل منطقته بوعريريج عبر مقطع فيديو، للمطالبة بوقف العهدة الخامسة لبوتفليقة، ليطلق سراحه في ما بعد، تحت الضغط الشعبي.

الصورة تسقط أرضاً

لعلامي تحدى الجميع، بقوله إنه لن يرتاح "حتى تتوقف مهزلة" الولاية الجديدة للرئيس بوتفليقة، وهو ما زرع الثقة في نفوس الجزائريين، لتشهد محافظات عدة سلسلة من الاحتجاجات ضد استمرار بوتفليقة، كوهران وعنابة وبوعريريج، بطريقة سلمية. وكسرت مسيرة 16 فبراير من خراطة، المدينة التي تقع على بعد 60 كلم شرق بجاية، وذات الرمزية التاريخية، حاجز الخوف بخروج مئات الجزائريين إلى الشارع ليقولوا "لا لعهدة خامسة لبوتفليقة".

مدينة خنشلة شرق البلاد، تشجّع سكانها بخروج الآلاف من المواطنين للاحتجاج أمام مقرّ البلدية، للرد على استفزاز رئيسها الذي أراد منع تجمع لهم لاستقبال رشيد نكاز الذي كان يجمع التوقيعات للترشح للرئاسيات لينتهي الأمر بتمزيق صورة كبيرة لبوتفليقة كانت معلقة على واجهة البلدية.

22 فبراير... عهد جديد

محيط الرئيس ظلّ يدفع بترشيح بوتفليقة، بينما ترتفع حالة الاحتقان في أوساط الجزائريين، واشتد النقاش على مواقع التواصل الاجتماعي في شكل انتهى بحصول اتفاق جماعي للخروج يوم 22 فبراير، من دون أن يتبنى أحد هذه الخطوة، فظلت تلك النداءات مجهولة باستحداث صفحات عدة يقودها شباب من قبيل "لا للعهدة الخامسة"، "الكلمة للشعب"، وهي التي تحوّلت إلى شعارات ترفع مع كل مسيرة.

22 فبراير... يوم انتظره الجزائريون بفارغ الصبر من دون أن يعرفوا بأنه سيغير مجرى تاريخهم. في تلك الليلة بدأ الحشد والتعبئة، فكانت الاستجابة فوق التوقعات بخروج ملايين الجزائريين في مسيرات جابت أكثر من ثلاثين ولاية للتعبير عن معارضتهم العهدة الخامسة.

المفاجأة حصلت في الجزائر العاصمة، بكسر حاجز الخوف ورفع الحظر المرفوع عليهم طيلة 18 عاماً. نجاح المسيرة الأولى، حمّس بقية الجزائريين باتخاذ قرار بالنزول إلى الشوارع في الجمعة المقبلة التي صادفت 1 مارس (آذار) تحت شعار "التأكيد".

كرة الثلج

توالت التظاهرات منذ ذلك الحين في شكل شبه يومي، لتبلغ أوجها كل يوم جمعة، بكل سلمية وبشعارات رمزية ودرجة عالية من الوعي أبهر العالم، توقفت دول عدة للإشادة بها، ما أسقط "أكذوبة" النظام بأن الشعب الجزائري غير مهيأ للتظاهر.

كرة الثلج بدأت تكبر وتكبر، باحتضان الحراك لكل فاعلي المجتمع من طلاب وأساتذة وصحافيين ومحامين وقضاة وعمال وموظفي الإدارات العامة والمهمشين من المجتمع، واجتمعوا على كلمة سواء رفضاً لبقاء بوتفليقة في السلطة ولرحيل النظام برمته.

استفزازات

حافظ الحراك على زخمه ورفع من عزيمة المحتجين استفزازات أحزاب السلطة التي أمعنت في ذلك، بإطلاق تحذيرات من الفوضى وتوجه رئيس الوزراء أحمد أويحيي لاستحضار السيناريو السوري وقوله إن الثورة عندهم بدأت بالورود وانتهت بالدماء، وإيداع مدير حملة بوتفليقة بتاريخ 3 مارس ملف ترشحه للمجلس الدستوري، وهو غائب عن الوطن.

التعهدات التي قرأت باسم بوتفليقة، بعدم إكمال ولايته الخامسة من الحكم من خلال انتخابات مبكرة لم تشفع له، فخرج الملايين إلى الشارع في ثالث جمعة على التوالي.

الجيش على الخط

شعار "جيش شعب خاوة خاوة" أجبر قائد الأركان أحمد قايد صالح، المعروف بولائه لبوتفليقة، الدخول على الخط لتحمل مسؤولياته، فحصل أن أسقط قايد صالح من خطاباته كلمة بوتفليقة كخطوة أولى واستحضاره المتكرر للرابطة العضوية بين الجيش الجزائري مع شعبه، بعدما وصف المحتجين في أول خطاب تزامن مع انطلاق الحراك بـ"المغرر بهم".

تأجيل الانتخابات... سابقة

مع تسارع الأحداث وفي غمرة تنامي الثورة الشعبية السلمية، أعلن بوتفليقة، يوم 11 مارس، إلغاء الانتخابات الرئاسية، وعقد ندوة وطنية، مع تعديل الدستور وإجراء انتخابات رئاسية، وهي المقترحات التي رفضها الجزائريون، الذين خرجوا إلى الشوارع يومي 15 و22 مارس، في تظاهرات حاشدة للمطالبة برحيل الرئيس والنظام، ورفضاً لتمديد العهدة الرابعة التي تنته يوم 28 أبريل (نيسان).

الانقلاب

وفي شكل درامي، تخلّت جبهة التحرير الوطني، الحزب الحاكم، وغريمه التقليدي، التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، بالإضافة للمركزية النقابية وهي أكبر تنظيم نقابي في البلاد، عن بوتفليقة في ما سمي الانقلاب، مما عزل بوتفليقة في شكل كبير.

جمعة الحسم

وعقب الجمعة الخامسة، بالتحديد في يوم 26 مارس، دعا قايد صالح إلى تنحية بوتفليقة من الحكم من طريق تطبيق المادة 102 من الدستور، وهو ما شكل منعرجاً حاسماً في مسار الحراك الشعبي، غير أن صمت المجلس الدستوري، والرئاسة، أثار كثيراً من الجدل. ما اضطر قيادة الجيش إلى عقد اجتماع عسكري، خلص إلى إصدار بيان ناري، تحدّث عن مناورات للتهرب من عدم تطبيق المادة 102 من الدستور، وانعقاد "اجتماع مشبوه" ضمّ كلاً من مدير المخابرات سابقاً الجنرال المتقاعد محمد مدين المعروف باسم التوفيق، والرئيس السابق ليمين زروال، بطلب من السعيد بوتفليقة، غير أن قايد صالح كشف عما سماه مؤامرة لضرب الجيش، داعياً إلى تطبيق المواد 7 و8 و102 من الدستور المنصوصة على أن إعلان شغور منصب الرئيس والشعب أساس كل السلطات.

حرب ربح الوقت

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تساءل الجميع عن فحوى الاجتماع "السرّي والمشبوه"، في ظلّ حرب إعلامية تقودها بعض الأذرع، تحدثت عن حضور عناصر من المخابرات الفرنسية اللقاء وهو ما سارع الجنرال توفيق إلى نفيه، بينما خرج الرئيس السابق ليمين زروال، عن صمته بكشف تلقيه عرضاً لقيادة مرحلة انتقالية ورفضه له.

وفي شكل متسارع ووجيز، صدر أمر قضائي بمنع رجال أعمال من السفر وسحب جوازات سفرهم، واستيقظ الجزائريون على خبر اعتقال أحد رجال الأعمال المقربين من محيط بوتفليقة ومموّل حملاته الانتخابية، علي حداد، وهو فارٌ عبر الحدود التونسية. ويجري حالياً التحقيق معه. بينما واجه شقيق الرئيس بوتفليقة المدعو السعيد، اتهامات بالسطو على ختم الرئاسة للاستمرار في تسيير البلاد بطريقة غير دستورية.

45 يوماً

وانتظر الجميع أن تعصف الرئاسة بقائد أركان الجيش، عقب خطابه العسكري الحربي، لكنه احتفظ بمنصبه في شكل غذّى التساؤلات، ليصدر بيان رئاسي ثانٍ، يعلن استقاله بوتفليقة قبل نهاية عهدته المحددة بيوم 28 أبريل من دون ضبط تاريخ معين، مع اتخاذه قرارات مهمة، الأمر الذي لم يعجب الفريق قايد صالح، الذي عقد اجتماعاً ثانياً في مقر قيادة أركان الجيش، وُصف بالناري لتطرقه إلى من وصفهم بالعصابة والقوى غير الدستورية التي نهبت أموال الجزائريين واتخاذ قرارات تنسب إليه. لتنزل استقالة بوتفليقة إلى المجلس الدستوري خلال ساعة تقريباً.

وبعد 45 يوماً من الحراك الذي أسقط بوتفليقة، يجد الجزائريون أنفسهم من دون الرئيس الذي قضى معهم 20 عاماً، ليدعوهم في نهاية حقبته إلى مسامحته والصفح عنه، في رسالة الوداع. ويدخل الجزائريون بداية من الجمعة السابعة التي تصادف يوم الخامس أبريل المرحلة الثانية من نضالهم السلمي التي يرفعون فيها شعارات لرحيل رموز النظام، تحسباً لفتح صفحة جديدة.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي