Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الكركرات" فخ الاستعمار الإسباني أم شقاق العرب المتجدد؟

مواقف خليجية وعربية تدعم الموقف المغربي وتندد باختراق "البوليساريو"

المغرب أعلنت إنهاء مهمة تأمين المعبر، و"البوليساريو" لم تعد ملتزمة بوقف اطلاق النار السائد منذ 1991م. (ماب)

في غفلة من جهات عربية وأجنبية عدة، اندلعت شرارة الصراع في الملف الصحراوي بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو مجدداً، على خلفية النزاع التاريخي بينهما، في وقت أرادت فيه الجبهة فرض الأمر الواقع باحتلال منفذ "الكركرات" الحدودي بين المغرب وموريتانيا، ومن ثم أفريقيا قاطبة.

ومع أن أزمة ملف الصحراء، وفرعه الذي تمثله "الكركرات" ليس جديداً، إلا أن تململ الجانبين من مراوحة القضية مكانها منذ عقود، أوحى منذ حين بأن القوة ستعود من جديد لقول كلمتها في النزاع الممتد، على الرغم من وجود القوات الأممية "المينورسو" في محيط المركز الحدودي الذي يقع ضمن الخط العازل الذي كلفت الأمم المتحدة قوتها مراقبة وقف إطلاق النار فيه، منذ 1991م، لكن تداخل مصالح الدول الإقليمية والعظمى في المنطقة حال دون الوصول إلى حل نهائي للصراع حتى الآن، على الرغم من تقديم ملك المغرب الحالي محمد السادس ما يقول المغاربة إنه تنازل بإعطاء أقاليم الصحراء "حكماً ذاتياً"، في مبادرة تراها قوى عربية ودولية واقعية، إلا أنها لا تُرضي جبهة البوليساريو، التي تطمح إلى إقامة دولة على كل أراضي "الصحراء"، حتى مع رفض جامعة الدول العربية الاعتراف بها منذ حين، وسحب أكثر الدول في الاتحاد الأفريقي اعترافها السابق بالجمهورية التي تسميها الرباط "الكيان الوهمي".

"المعبر الحيوي" خط أحمر

هذا ما دفع دولاً عربية، مثل السعودية، والإمارات، والأردن، والبحرين، وقطر، وسلطنة عمان، إلى تأييد المغرب في موقفه في إعادة تأمين منفذ الكركرات، أي السيطرة عليه والسماح بتدفق السلع والركاب منه نحو المغرب وإلى جارتها موريتانيا وبقية دول أفريقيا؛ إذ أعربت الخارجية السعودية عن تأييدها "الإجراءات التي اتخذتها المملكة المغربية الشقيقة لإرساء حرية التنقل المدني والتجاري في المنطقة العازلة للكركرات في الصحراء المغربية". وجددت السعودية استنكارها "أي ممارسات تهدد حركة المرور في هذا المعبر الحيوي الرابط بين المغرب وموريتانيا"، داعية إلى "ضبط النفس، وعدم التصعيد، امتثالاً لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة"، بينما ندد البيان الرسمي الأردني بـ"التوغل غير الشرعي" داخل المنطقة، معتبراً خطوة جبهة البوليساريو تشكل "خرقاً للاتفاقيات الموقعة ويدفع باتجاه تهديد الأمن والاستقرار"، مشددة على موقفها في دعم "الوحدة الترابية للمغرب وسيادته على أراضيه كافة، ودعم جهود التوصل لحل سياسي لمشكلة الصحراء المغربية وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة الحكم الذاتي التي أطلقتها المملكة المغربية".

حتى موريتانيا المحايدة، وكذلك الجزائر التي يلومها المغرب على احتواء ودعم الجبهة سياسياً وعسكرياً إلى جانب القذافي قبل سقوط حكمه، دعت إلى التهدئة وضبط النفس وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل التوتر الجديد، ما يعني أن العملية المغربية ستكون محدودة، ما دام طرف النزاع الآخر الذي تمثله البوليساريو لم يلقَ خطاً أخضر من حلفائه لاستئناف الصراع المسلح، في وقت عرف فيه المغرب بتفضيل النهج الدبلوماسي، مستفيداً من علاقاته الدولية وقدراته اللوجستية التي مكنته من تحقيق تنمية لأقاليمه الصحراوية، ويقول إنها "تبرز صدقية دعواته بقية المناطق التي تمثل 20 في المئة فحسب تحت حكم البوليساريو في (تندوف) للانضمام إلى مقاربته، وعدم إضاعة الوقت".

هل هي الحرب أم عملية عابرة؟

كانت القوات المسلحة المغربية قد ذكرت في بيانها الأخير أن التدخل العسكري الذي أعلنته لتأمين "الكركرات" آتى أكله، وعاد المعبر إلى حركته الطبيعية. بيد أن الجانب الآخر في تندوف، لا تزال بياناته تتسم بالحدة والتعبئة، وتتظاهر بما تسميه إنجازات عسكرية. وقال وزير إعلامها حمادة سلمي "الحرب التي فرضها علينا الاحتلال المغربي بدأت، ولن تعود الأمور إلى ما كانت عليه دون أن يتم ردع النظام المغربي، المسؤول طيلة هذه الفترة على عرقلة الحل السلمي في المنطقة".

ومع أن الأمم المتحدة ومجلس الأمن، هي المانع الأكبر للمغرب من حسم الموقف عسكرياً نظير إمكاناته العسكرية الضخمة مقارنة بمقاتلي الجبهة، فإن سلمي اتهم الأمم المتحدة هي السبب، وأنها "عاجزة عن ردع مثل هذا التصرفات، التي شجعت النظام المغربي على خرق اتفاق وقف إطلاق النار، دون أي اعتبار للأمم المتحدة"، على حد وصفه، مؤكداً بذلك إعلان زعيم الجبهة إبراهيم غالي رسمياً "نهاية الالتزام بوقف إطلاق النار المبرم مع المغرب" قبل ثلاثة عقود.
 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لماذا التصعيد الحالي؟

يعتقد مراقبون للملف المغربي أن إعاقة الجبهة لحرية الحركة في المنفذ، هو بمثابة رد مبطن على التحرك المغربي دبلوماسياً لتقليص فرص الجبهة في فرض طموحها بالانفصال، إذ عمدت الرباط من جانب واحد على استضافة 14 قنصلية معظمها أفريقية على أقاليمها الجنوبية في العيون والداخلة، لتثبيت موقفها وإقناع العالم بأن يسند رؤيتها. إلا أن البوليساريو رجحت أن الخطوة المغربية تعني تصفية مطالباتها بالكلية، فهي بعد أن خسرت 80 في المئة من الأراضي التي تطالب بها منذ عقود، لم يبقَ لها إلا الجانب السياسي، خصوصاً بعد أن تردد أن أميركا أعطت الضوء الأخضر للتحرك المغربي، حتى قيل إن واشنطن هي الأخرى مهتمة بفتح قنصلية لها في الجنوب المغربي، على الرغم من نفي مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد شنكر في تصريحات صحافية أخيراً ما تم تداوله بأن المغرب ساوم البيت الأبيض على صفقة القرن، بجعل تأييدها مرهوناً بفتح واشنطن قنصلية في الصحراء أو اعتراف بمغربيتها. وذكر شنكر في حينه أن "الرواية يتم تداولها بشكل كبير، لكنها في واقع الأمر ليست على الطاولة".

ومنذ المسيرة الخضراء 1975م التي قاد فيها ملك المغرب الراحل الحسن الثاني تظاهرة شعبية حاشدة من 350 ألف مغربي إلى الصحراء بعد خروج المحتل الإسباني من المنطقة، والدول العربية، خصوصاً الملكية منها، تساند الموقف المغربي في وحدته الترابية. وحتى الاتحاد الأفريقي الذي خرج منه المغرب قبل عقدين بعد اعترافه بدولة "البوليساريو" التي تسمي نفسها "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية"، عاد إليه المغرب منذ 2018، وجعل يضيق على الجبهة فرصها الدبلوماسية، وأقنع عدداً من الدول الأفريقية نزع اعترافها، ولم يبقَ من يساندها بقوة في الاتحاد غير الجزائر وجنوب أفريقيا.

هل لفوز بايدن علاقة بالأمر؟

أخيراً، أعلنت الإمارات العربية المتحدة في هذا السياق فتح قنصليتها في مدينة العيون (جنوب المغرب) بعد قيام دول أفريقية بالأمر نفسه، وقالت مصادر مغربية إن الأردن هو الآخر سيحذو الخطوات نفسها، إلا أن تغير الحكم في البيت الأبيض من الجمهوريين إلى الديمقراطيين ربما أضاف إلى الملف مزيداً من التعقيد؛ إذ تثير قضايا الاستقلال والأقليات حساسية لدى صقور الحزب الديمقراطي، إلا أن المغاربة يراهنون على علاقاتهم الدبلوماسية القوية مع الداخل الأميركي، ليس مع الكونغرس ومجلس الشيوخ وحسب، ولكن أيضاً مع اللوبي اليهودي الذي ينشط فيه أشخاص من أصول مغربية لا تزال أقليتهم تحظى باحترام بالغ ومكانة مرموقة في الرباط على الرغم من هجرة معظمهم إلى إسرائيل، وترؤس المغرب لجنة القدس المدافعة عن فلسطين.

أما الجانب الخفي من الملف الصحراوي، الذي لا يجري الحديث عنه إلا نادراً؛ فهو خيوط العلاقة الخاصة لبعض ساكني الصحراء المؤيدين للبوليساريو بالمستعمر السابق إسبانيا، خصوصاً إقليم "جزر الكناري" التي لا تفصلها سوى أميال بحرية قليلة عن الضفة الأخرى على ضفاف الأطلسي الشرقية، ناحية مدينة "الداخلة" المغربية؛ إذ إنه على الرغم من رحيل المستعمر منذ 1975م، والعلاقات الجيدة بين مدريد والرباط، فإن مؤيدي الجبهة الذين يحتفظ كثير منهم بالجنسية الإسبانية مكنتهم من الاتكاء إلى العلاقة القديمة للحصول على دعم لوجستي ونشاط خفي في اللوبيات الأوروبية، خصوصاً مع أحزاب اليسار والحركات القومية في مثل "كتالونيا" وهولندا والسويد، وليس الملف الصحراوي فحسب الذي يتأثر بتدخل خفي من المستعمر السابق، وفق تقدير المراقبين، وإنما كذلك ملف الشمال المغربي، الذي تحاول بعض العناصر الإسبانية تأجيجه مرات عدة، لإعطائه بعداً انفصالياً، مع أن مطالبه دائماً ما كانت خدماتية وحقوقية.
 

الجوار المتصدع

ومع تعدد مشارب ملف الجنوب المغربي، فإن الجانب المتعلق بكيد الجوار العربي ليس قصياً هو الآخر، بحسب الباحثين في العلاقات التاريخية والسياسية لدول "المغرب العربي" التي دفع اتحادها المجمد ثمن هذا الخلاف، وصار معلقاً بسبب الشقاق بين المغرب والجزائر، على الرغم من دعوات عدة إلى إحيائه وترك الخلافات المتعلقة بالصحراء جانباً، بعد أن تولت الأمم المتحدة ومجلس الأمن فيها الملف، وعقدت جلسات حوار عدة بين طرفيها الرئيسين المغرب والبوليساريو، وعين الأمين العام للأمم المتحدة باستمرار مبعوثاً له خاصاً بالملف.

ومن المفارقات أن الجزائر التي تصرح بدعمها انفصال الجنوب المغربي، رفضت الأمر نفسه بالنسبة إلى الطوارق شمال مالي الذين انتزعوا إقليمهم من سلطات باماكو في الجنوب 2012، إلا أن قصر المرادية ظل رافضاً إلا صيغة متواضعة للحكم الذاتي لم تطبق بعد، وفقاً لاتفاقية "تمنراست" التي رعتها الجزائر.

وتقول مصادر دولية، إنه على الرغم من رفض المجتمع الدولي حتى الآن حسم المغرب الخلاف التاريخي بينه وبين الجبهة عسكرياً، فإن القناعة بذلك تزداد بين الأروقة الأممية، خصوصاً بعد الخشية من استغلال التنظيمات الإرهابية مناطق سيطرة الجبهة في التمدد في الصحراء مترامية الأطراف على أبواب أوروبا. ويقود تنظيم داعش في شمال أفريقيا حالياً أبو الوليد الصحراوي المنشق عن البوليساريو. ونشرت أخيراً مجلة "النبأ" التابعة للتنظيم حواراً معه، أظهر فيه أن إمارته تخوض حرباً واسعة النطاق في الإقليم لانتزاع المبادرة من القاعدة، والنيل ممن يسميهم قوى "المرتدين"، في إشارة إلى الحكومات الرسمية في دول جنوب وشمال الصحراء.

وكانت صحف أجنبية، مثل "لوموند" الفرنسية، قد تداولت معلومات قالت إنها شبه رسمية، تفيد بأن الموقف الأوروبي مثل الأميركي، لا يرى البوليساريو دولة مقنعة للمجتمع الدولي، وأن مقترح الحكم الذاتي الذي طرحه المغربي، أقصى ما يمكنها أن تحصل عليه، وهذا ما أكده الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز قبل أسابيع من مغادرة منصبه؛ إذ أعلن في تصريحات صحافية حول النزاع الطويل أن "الغرب، والولايات المتحدة وأوروبا لا يريدون قيام دولة تفصل بين موريتانيا والمغرب جغرافيا، وهنا تكمن المعضلة، وكل ما نسمعه خارج هذا الإطار غير صحيح".

حربُ شرعية و"جيوش إلكترونية"

إذا كان الأمر كما يقول ولد عبد العزيز؛ فلماذا لم يتلق المغرب حتى اليوم ضوءاً أخضر بإنهاء الأمر في أيام، وهو الذي يملك قوة عسكرية في مقابل تجهيزات البوليساريو؟ هنا يرى الباحث المغربي عبد الله جداد، أن الأمر لم يحن بعد "لكن تسيير المغرب للأقاليم التي انتزعها من البوليساريو منذ أربعة عقود، تكشف للجميع عن مدى صدقيته كدولة مسؤولة يمكن الثقة بها، في فرض الاستقرار والأمن، ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة في المنطقة الاستراتيجية. كما أن المغرب هو الأحق تاريخياً بالمنطقة، فقبل الاستعمار كان ساكنو الصحراء يدينون بالولاء للحكام العلويين بلا نزاع، وتربطه علاقات وطيدة بالأهالي وبيعة شرعية لا تزال معظم تلك القبائل المكونة للأقاليم تعتز بها وتلتزم".

في غضون ذلك، قال الجانب الصحراوي، إن العاصمة الإسبانية مدريد، شهدت صباح اليوم (السبت) توافد أعداد كبيرة من أفراد الجالية الصحراوية (البوليساريو) وأصدقاء القضية الوطنية، للمشاركة في التظاهرة السنوية المنددة باتفاقية مدريد الثلاثية الموقعة عام 1975م.

وقالت وكالة الجبهة للأنباء، إن "الجالية نددت بالدور المتخاذل لحكومة إسبانيا، وأكدت أحقية الشعب الصحراوي في استعمال كل الطرق لاسترجاع سيادته. وأجمعت على عدم شرعية هذه الاتفاقية، واغتنمت فرصة التظاهرة لتبعث برسالة استعدادها وجاهزيتها لكل ما تعتزم جبهة البوليساريو القيام به، مشجعة مقاتلي جيش التحرير الصحراوي على سرعة الرد لخرق المغرب لوقف إطلاق النار".

وعلى خلفية التحركات الجديدة في "الكركرات" التي لا تمثل غير رأس جبل جليد الأزمة الأكبر بين الطرفين، ومن ثم الدول المغاربية المعنية بالصراع أكثر، تشهد وسائل التواصل الاجتماعي حرباً ضروساً بين المدونين والمعلقين، وتراشق التهم بين "الجيوش الإلكترونية".

وكانت أزمة معبر "الكركرات" قد بدأت منذ 2016، إذ سبق للمغرب في أن قام بتعبيد الطريق التي كان مسلكاً صحراوياً حينها، يصعب على الشاحنات والسيارات أن تقطعه بسهولة، وتدخلت على إثر ذلك عناصر قوات البوليساريو لتوقيف إتمام تعبيد الطريق الذي يبعد نحو 10 كيلو مترات عن الحدود الموريتانية، لتقوم الجبهة هذا الشهر بعرقلته مجدداً، استناداً إلى تأويل الاتفاقية السياسية بينها وبين الرباط، لكن الأخيرة ترفض رهن معبرها الحدودي الوحيد مع أفريقيا للتأويلات.

ويتردد أن المغرب يفكر في تعمير وإعادة الحياة لبلدة "الكويرة" المحسوبة جغرافياً على المغرب، وفعلياً تديرها موريتانيا، ما يعني أن الأزمة قابلة للتجدد والتطور إلى حين تنهي اتفاقية جديدة التطورات الجديدة، التي لم تحط بكل تفاصيلها اتفاقية تسعينيات القرن الماضي.

المزيد من تحقيقات ومطولات