Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مصرف لبنان يرمي كرة "التحقيق الجنائي" في ملعب الحكومة

أثار رفض المركزي طلب الشركة الحصول على مستندات رسمية جدلاً كبيراً على الصعيدين السياسي والإعلامي

أقرّ مجلس الوزراء اللبناني في 30 يونيو (حزيران) الماضي، إجراء تدقيق مالي ومحاسبة مركّزة أي "تدقيق جنائي" في حسابات المصرف المركزي، وقرّر الاستعانة بالشركة العالمية "ألفاريز ومارسال"، إذ أبرم عقداً معها بما يعادل مليوني دولار للتدقيق في خسائر المصرف التي تجاوزت 60 مليار دولار، وفق أرقام "خطة الإنقاذ" التي أعيد تجميدها لاحقاً، بعدما تبيّن أن هناك لغطاً في عملية احتساب الخسائر.

وتزامناً مع وصول وفد الشركة إلى بيروت استعداداً لمباشرة مهمتها، أظهرت سلسلة اللقاءات التي عقدها الوفد، أن ثمة عقبات تحول دون حصوله على المستندات المطلوبة لإتمام مهمته كاملة، ما طرح مجموعة من الأسئلة، لا تقف عند حدود المصرف المركزي، إنما قد توسّع عملية التدقيق في اتجاه عدد من الوزارات ومؤسسات رسمية أخرى عليها شبهات فساد.

وتشير مصادر سياسية معارضة لمضمون العقد الذي أبرمته حكومة حسان دياب المستقيلة مع شركة التدقيق الجنائي، إلى أن هناك نوايا "خبيثة" في مضمونه تهدف إلى الانتقام السياسي، معتبرة أن التحقيق الجنائي يجب أن يبدأ من وزارة المال التي تمرّ عبرها جميع آليات الصرف الرسمية، في حين أن المصرف ينفذ تلك القرارات، ومشددة على أن الدخول في خصوصيات المودعين وحساباتهم، لا يمتّ إلى عملية الإصلاح بصلة.

في المقابل، توضح مصادر دياب أن اتخاذ قرار التحقيق الجنائي هو "وسام يعلّق على صدر رئيسها كونه تجرأ واتخذ قرار كهذا"، مشيرةً إلى أن التحقيق الجنائي فتح عصراً جديداً في مكافحة الفساد ومحاصرة الفاسدين من 30 سنة حتى اليوم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأثار رفض المركزي طلب الشركة الحصول على مستندات رسمية جدلاً كبيراً على الصعيدين السياسي والإعلامي، إذ توضح مصادر مصرفية أن موقّعي العقد في وزارة المالية، وبعض المستشارين لم يكن في نيتهم إجراء تدقيق مالي جنائي بقدر ما كان هدفهم إحراج حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ووضعه أمام خيارين أحلاهما مرّ، معتبرة أن "عملية استهداف الحاكم من خلال خطوة استباقية ترمي إلى التهرب من مسؤولياتهم وارتكاباتهم والتعمية على التجاوزات التي طفت على السطح ورميها على عاتق المصرف المركزي، من خلال اتهامه بالعرقلة او المخالفة".

نصب "فخ" للحاكم

في السياق ذاته، يرى المحامي عماد الخازن أن جميع القوى السياسية غير جدّية بإجراء تحقيق مالي عادي فكيف إذا كان جنائياً؟ وأن مطالباتها في بإجراء هذا التحقيق ليس سوى عراضات إعلامية وسلاح لتقاذف المسؤوليات والتشويش على الرأي العام.

ويضيف أن التحقيق الجنائي غير ممكن في ظل قانون السرية المصرفية، إذ يعرّض من يخترقها لعقوبات جزائية وتعويضات مالية سواء كان الأمر من ناحية المصارف وموظفيها، أو كل من له اطّلاع بحكم صفته أو وظيفته على الحسابات والقيود المصرفية، بما فيهم حاكم مصرف لبنان.

ويوضح الخازن أنه "من دون إلغاء أو تعديل قانون السرية المصرفية، لا يستطيع حاكم المصرف تسليم شركة التدقيق الجنائي "ألفاريز أند مارسال" كل المستندات والحسابات التي يطلبونها وإلا تعرّض للمساءلة من قبل أصحاب العلاقة، مؤكداً أن قانون السرية المصرفية هو "قانون خاص لا يمكن تجاوزه عبر قانون الحق بالوصول إلى المعلومات لإلزام مصرف لبنان بالكشف عن تلك التي تخضع للسرية المصرفية باعتبار أن القوانين الخاصة تسمو على القوانين العامة".

ويقول "من الواضح أن الهدف من إقرار التدقيق الجنائي ليس الكشف عن مصادر الفساد وهدر المال العام، بل إدانة مسبقة لسلامة وتبرئة السلطة السياسية عبر جعله كبش محرقة"، مشيراً إلى أنه إذا سلّم شركة التدقيق الحسابات، سيتعرّض لملاحقات قانونية بجرم إفشاء السرية وإذا لم يسلّمها، سيُتّهم بأنه يعرقل مسار كشف الفساد في لبنان.

ويؤكد الخازن أنه لو كانت السلطة جادة في مكافحة الفساد من خلال التدقيق الجنائي، لكانت تقدمت بمشروع تعديل القانون قبل توقيع العقد، "أما وقد وُقّع، فعلى مجلس الوزراء أن يضع مشروع قانون يرسله إلى مجلس النواب أو على النواب تقديم اقتراح قانون جدّي ومدروس معجّل مكرّر لتعديل قانون السرية المصرفية".

ويردف "إذا كانت هناك جدية للتدقيق والهدف ليس الإيقاع بحاكم المركزي، فعلى الحكومة وكسباً للوقت، التفاوض مع الشركة الأجنبية لتعديل العقد وتحويله إلى الوزارات التي عليها شبهات فساد وهدر أموال، أو إلى صناديق المجالس التي تسببت بهدر هائل للأموال العامة ريثما ينتهي المشرّع من تعديل قانون السرية المصرفية وعندها يحققون في حسابات مصرف لبنان".

محكمة دولية خاصة بلبنان

من ناحيته، يرى الاقتصادي جهاد الحكيم أن شركة التدقيق الجنائي "ألفاريز أند مارسال" التي تعاقدت معها الحكومة المستقيلة ليست متخصصة في التدقيق الجنائي، لافتاً إلى أنه "من غير الواضح كيف اختيرت في البداية وما هو نطاق عملها"، ومشيراً إلى أنه "في العادة، يستغرق نطاق عمل التدقيق الجنائي من 12 إلى 20 شهراً".

ويشرح "لو اعتبرنا أن الشركة لم تواجه العراقيل المزعومة واستمرت بعملها، كان من الممكن ألا تكون الطبقة السياسية الحالية ومن هم مسؤولون عن السياسة الاقتصادية موجودين في السلطة عند صدور التقرير النهائي"، سائلاً "كيف يمكن لمن عليهم شبهات بالفساد أن يعيّنوا الشركة ويحدّدوا نطاق عملها؟ وهل نحن في وضع مشابه للمحكمة الخاصة بلبنان؟".

ويقول "من الواضح أن هناك تداخلاً واضحاً بين السلطة السياسية والمصارف والمسؤولين عن السياسات النقدية والمالية، بالتالي هم مسؤولون بالتكافل والتضامن مما يضع علامات استفهام عن مدى جدية القيام بالتحقيق بحسب الأصول منذ البداية".

 

 

ذريعة "السرية"

في المقابل، تدافع وزيرة المهجرين في حكومة تصريف الأعمال غادة شريم عن عقد التدقيق الجنائي، قائلةً إن "التحقيق الجنائي كان مطلب رئيس الجمهورية منذ البداية وقد تفاجأنا أن مصرف لبنان لم يتجاوب مع طلبات الشركة، متحجّجاً بالسرية المصرفية التي تسري على أموال المودعين وليس على الأموال العامة".

وتلفت إلى أن "السرية المصرفية كانت تهدف إلى جلب الأموال من الخارج وتحقيق الازدهار، لا أن تصبح حبلاً يلتفّ حول أعناقنا، بالتالي إذا كان القانون عقبة في وجه الإصلاح يجب أن يعدّل، فهو ليس منزّلاً".

وتعتبر أن "هيئة الاستشارات كانت واضحة في موقفها أن عقد التدقيق الجنائي قابل للتنفيذ لناحية الكشف عن الأرقام"، متسائلة "لماذا إذاً يتخلّف مصرف لبنان عن إعطاء الأجوبة المطلوبة؟ على مجلس النواب أن يقوم بدوره ويعمل إذا اقتضى الأمر على تعديل قانون السرية المصرفية بما يتناسب مع المصلحة العامة".

وتضيف شريم "مطلوب منّا إصلاحات من قبل صندوق النقد الدولي وشرطهم الأول التدقيق المالي الجنائي، هل نعتذر منهم بحجة قانون نحن وضعناه؟ نعم يتمتع مصرف لبنان باستقلالية خاصة ولكن ليس مؤسسة متفلّتة والأموال التي يتصرف فيها هي أموال الدولة اللبنانية ومن حق اللبنانيين أن يعرفوا أين تبخّرت".

صراع "أركان" العهد

وعكس الخلاف على التدقيق الجنائي، تباينات عميقة بين فريق الرئيس اللبناني ميشال عون في الحكومة والبرلمان، برز بشكل واضح في السجال الذي حصل بين رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان ووزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم التي اعتبرت أن كل من يعرقل التدقيق الجنائي "يرتكب جريمة بحق الشعب اللبناني".

ودعت المجلس النيابي إلى تعديل قانون السرية المصرفية في حال وجود تعارض مع "التدقيق الجنائي" قبل انتهاء مهلة الأشهر الثلاثة الممدّدة لعمل الشركة، بالتالي الوصول إلى حائط مسدود.

إلا أن كنعان وهو عضو في كتلة "لبنان القوي" القريبة من رئيس الجمهورية، لم يتلقّف دعوة نجم، فردّ عليها بعنف واصفاً إياها بـ"وزيرة اللاعدل"، قائلاً في تغريده له عبر تويتر "وزيرة اللاعدل استفاقت على فشلها بعد 9 أشهر من دون إنجاز يتيم، ولم تجد غير التطاول على لجنة المال المشهود على عملها الرقابي المتشدد، خصوصاً على صعيد الموازنات والحسابات المالية، لتحوير الأنظار عن رصيد وزاري يوازي الصفر وأخطاء قانونية عطلّت التدقيق الجنائي".

وأضاف "غريب أن تصبح المطالبة بتعديل قانون للوصول إلى الحقيقة جريمة، بينما تنظيم عقود واستشارات غبّ الطلب وهدر المال العام وتعثر التدقيق الجنائي إنجاز. لي (الذين) استحوا ماتوا!".

ولاحقاً ردّت وزيرة العدل على كنعان في تغريدة، قالت فيها "تحت نظرهم، أقرّت موازنات الدين والهندسات المالية، واختفت ودائع الناس... ويتحجّجون بالسرية المصرفية بوجه التدقيق الجنائي ويعطون دروساً في القانون!"، وأضافت أن "التدقيق الجنائي لا يحتاج إلى تعديل القانون، بس إذا مصرّين مين مانعن يعدّلوا القانون؟".

وتابعت في تغريدة أخرى "لا أنتظر شهادة من رئيس لجنة انهيار المال والموازنة، لِيقُل ما يشاء، والناس حكم".

 

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي