Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مستقبل العلاقات التركية - الأميركية في عهد بايدن

أردوغان وفريقه على مشارف أيام عصيبة لا تُحمد عقباها

وعود بايدن باستمرار دعم الأكراد في سوريا من شأنها أن تزعج تركيا (غيتي)

هذه هي المرة الأولى التي يشهد فيها العالم هذا المستوى المرتفع من التوتر في الانتخابات الأميركية التي أعلن فيها فوز مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن - حتى الآن - ضد الرئيس الحالي دونالد ترمب.

وقد كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وفريقه يراهنون - ولو بشكل غير علني - على فوز ترمب بالرئاسة ويتمنون ذلك. لأنه على الرغم من أن مواقف أنقرة كانت تتعارض في قضايا عدة مع الولايات المتحدة، لكن علاقة الرئيس التركي الشخصية مع ترمب كانت في مستوى مقبول. وسنرى في الأيام المقبلة ما إذا كانت العلاقات بين واشنطن وأنقرة سترتقي إلى مستوى "الشراكة الاستراتيجية"، كما  كانت في السابق.

ونتوقع أن يكون شكل التعامل مختلفاً، كون أسلوب بايدن دبلوماسياً مؤسساتياً مباشراً، بدلاً من الأسلوب المتذبذب الذي كان يستخدمه ترمب من خلال التغريدات المهددة، أو الرسائل الساخرة أو العلاقة الشخصية مع أردوغان.

وسبق أن زار بايدن أنقرة أربع مرات، وله مواقف معلنة تجاه تصرفات أردوغان وسياساته، ولكن مع ذلك لن يكون من السهل التنبؤ بما إذا كان سيقوم بتطبيق عقوبات صارمة على أنقرة بسبب تصرفاتها "المارقة" التي تغاضى عنها ترمب. ولن يتضح لنا ذلك جلياً إلا بعد التعرف إلى تركيبة فريق العمل الذي سيحيط به في العهد الجديد.

ولاحظتُ على زملائي الصحافيين في تركيا تهرّباً متعمداً عن التعليق على مستقبل العلاقات التركية - الأميركية، مما يصعّب التعرف إلى وجهات النظر الدائرة في الكواليس التركية.

قانون خصوم أميركا

ولكن على أية حال، فإنه سيكون من المفيد أن نلقي نظرة واسعة على الملفات التي كانت تشكّل تحدياً أمام العلاقات الثنائية والتي من المتوقع أن يتم تناولها في عهد بايدن.

1 - فلنبدأ من القضية الشائكة وهي ما اشتهرت بقضية "بنك خلق"، إذ كانت المحكمة الفيدرالية لمنطقة نيويورك الجنوبية رفعت دعوى قضائية ضد بنك الشعب التركي لمساعدته في خرق عقوبات أميركية على إيران. وفي إطار ذلك، اعتقل المدير العام للبنك (هاكان آتيلا) أثناء زيارته إلى الولايات المتحدة وأمضى نحو عامين في السجون الأميركية.

وقد وجّهت المحكمة الاتهام إلى هذا البنك الذي اتهم بـأنه على صلة مباشرة بأردوغان، واتهم بالتآمر للاحتيال على الولايات المتحدة، من خلال انتهاك قانون مكافحة خصوم أميركا وتحويل الأموال إلى إيران، والتآمر للاحتيال على النظام المصرفي والمالي في الولايات المتحدة والتآمر لغسل الأموال الخ.

نعم، أجّلت هذه القضية بسبب جهود ترمب الشخصية، ولكن لم يكن من الممكن إلغاؤها. فهذه القضية التي يواجه فيها أردوغان وعائلته اتهامات ستسبب إزعاجاً خطيراً لأنقرة خلال عهد بايدن.

ولم يعُد من الممكن التستّر على هذه القضية التي كشف عنها عبر القضاء أثناء المباشرة الفعلية لجريمة نقل الأموال إلى إيران.
 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

2- وثمة قضية أخرى تؤرق أردوغان أكثر من غيرها، وهي تصريح جو بايدن الذي أدلى به في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي والذي قال فيه: "سنستبدل أردوغان بانتخابات، وليس بانقلاب".

وأضاف: "حان الوقت لدعم المعارضة من أجل الإطاحة بأردوغان عن طريق الانتخابات". وأعتقد أن مسار هذه القضية ستكون منوطة بالعلاقة التي ستتطور بين أردوغان وبايدن في الفترة المقبلة.

 

المطرقة الأميركية والسندان الروسي

3- وأيضاً هناك موضوع شراء أنقرة لصواريخ "S-400" الذي لا يزال قيد المناقشة ولم يتم بتّه.

كما هو معلوم، فإن القانون الذي سنّته الولايات المتحدة في سياق مكافحة خصومها مثل كوريا الشمالية وإيران وروسيا كان ينصّ أيضاً على فرض عقوبات اقتصادية على تركيا بسبب برنامجها لشراء "S-400" ومشاريع التعاون في مجال الطاقة مع روسيا. ولكن ترمب جمّد هذه العقوبات ولم ينفّذها.

وفي عهد بايدن، ستكون مناقشة تطبيق هذه العقوبات على جدول الأعمال. في هذا الصدد، ستكون الخطوات أو التنازلات التركية ذات تأثير في قرار واشنطن. وستكون لها أيضاً انعكاسات على عودة تركيا إلى مشروع الطائرات المقاتلة من طراز "F-35" وبدء الولايات المتحدة ببيع نظام "باتريوت" للدفاع الجوي لأنقرة.

4- ومن المعروف أيضاً أن إحدى أولويات بايدن في السياسة الخارجية هي إعادة تفعيل دور حلف شمال الأطلسي، الذي كان ترمب يقلل من شأنه. وهذا سيؤثر بطبيعة الحال في تركيا التي اشترت صواريخ "S-400" ولكن لم تتمكّن من استخدامها بعد، إذ سيتعيّن عليها اتخاذ موقف واضح حيال هذه المسألة. ولن يكون من السهل على أردوغان أن يتحمّل تبعات مواجهة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إذا توصل إلى حلّ يرضي الإدارة الجديدة للولايات المتحدة.

نعم، هناك عملية صعبة تنتظر حزب العدالة والتنمية الحاكم، الواقع بين المطرقة الأميركية والسندان الروسي.

5- ومن إحدى القضايا التي من شأنها أن تزعج تركيا مسألة الأكراد في سوريا الذين كانوا يتلّقون من الولايات المتحدة دعماً كبيراً في الأسلحة والإمدادات والمعدات في عهد ترمب.

وإذا نظرنا إلى خطاب بايدن ووعوده، نلاحظ أن ذلك لن يتغير، بل إنه سيزيد من هذا الدعم.

6- ومن بين أكثر الأزمات التي نوقشت في الآونة الأخيرة التوتر بين تركيا واليونان بشأن التنقيب عن الغاز الطبيعي في شرق البحر الأبيض المتوسط.

وقد كانت الولايات المتحدة تتّبع في الماضي سياسة التوازن بين أثينا وأنقرة، لكنها بدأت تغيّر هذه السياسة في الأشهر الأخيرة من خلال تطوير علاقاتها مع اليونان في مجالي الدفاع والأمن.

وكان بايدن ينتقد سياسة تركيا تجاه قبرص عندما كان سيناتوراً في مجلس الشيوخ.

أعتقد أن بايدن سيواصل وجهة نظره في الاتجاه المعاكس لأنقرة بشأن قبرص وشرق البحر الأبيض المتوسط.

7- وكان الرئيس المنتخب بايدن قد دعا في السابق إلى أن تعتبر الولايات المتحدة أحداث عام 1915 على أنها "إبادة جماعية للأرمن"، ولا أعتقد أنه سيغيّر نظرته تلك.

أما ترمب، فقد اعتبرها من جانبه "كارثة كبيرة" بدلاً من "إبادة جماعية" ومرَّر القضية من دون أن يثير حفيظة أردوغان.

أيام عصيبة آتية

8- أما في ما يتعلق بالقضية السورية والشأن الليبي، فقد اتَّبعت الولايات المتحدة في عهد دونالد ترمب، استراتيجية هزيلة بل كادت تترك الساحة لروسيا.

بايدن من جانبه، سيحاول الاضطلاع بدور أكثر فعالية في كل من البلدين. وربما سيعيد إلى الطاولة النقاش بشأن الاتفاقات التي أبرمتها أنقرة مع ليبيا.

والوضع في سوريا معقد، فقد بدأت تركيا، التي تقوم بدوريات مشتركة مع روسيا، تدرك للتو أنها وقعت في مستنقع.

نعم، إن بايدن لن يتغاضى عن علاقته مع أنقرة، بموقعها الجيوسياسي وأهميتها الاستراتيجية ومعايير عدة، مثل عضوية حلف شمال الأطلسي. ولكن الأزمات التي تتوالى داخل حزب العدالة والتنمية وعلى رأسها "أزمة الصهر"، وكسب المعارضة مزيداً من القوة والأزمة الاقتصادية التي تجتاح البلاد، وأخيراً وصول بايدن إلى الحكم... هذه كلها تجعلنا نستشرف الأيام العصيبة التي ربما تقصّر من العمر السياسي للحزب.

يبدو أن أردوغان لا يخشى خسارة منصبه فقط، بل يطاله هاجس الوقوع في السجن أيضاً. وهذا الهاجس هو الذي يدفعه إلى تلك تصرفات تبدو متخبطة. على هذا الأساس يبدو أن أردوغان وفريقه على مشارف أيام عصيبة لا تُحمد عقباها.

المزيد من سياسة