Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العقوبات على باسيل تصيب الرئيس اللبناني و"حزب الله" معا

التهمة التي وجهت لصاحب شعار "الإصلاح والتغيير" تؤكد دوره في استشراء الفساد والحريري بين سندان الرضوخ ومطرقة الاعتذار

 

العقوبات الأميركية أتت صادمة في استهدافها رئيس الجمهورية بالمباشر من خلال صهره المصنف ظله في الحكم (أ ف ب)

كالصاعقة، نزلت على الداخل اللبناني، العقوبات الأميركية التي طالت رجل العهد الأقوى، رئيس "التيار الوطني الحر"، جبران باسيل. ولم تكن العقوبات بحد ذاتها مفاجأةً، بقدر ما أتت صادمةً في استهدافها رئيس الجمهورية مباشرة من خلال صهره المصنف ظلَّه في الحكم. والمفارقة أن التهمة التي وجهت لصاحب شعار "الإصلاح والتغيير ومكافحة الفساد"، لها علاقة بدوره في استشراء الفساد الذي ميز حياته المهنية طوال وجوده في الحكومة، كما قال وزير خارجية أميركا، مايك بومبيو، لدى إعلانه القرار، معتبراً أن "باسيل اشتهر بالفساد، وارتبط بشراء النفوذ داخل الدوائر السياسية اللبنانية".

اتهام باسيل، الشخص الأول في الحلقة الأقرب لرئيس الجمهورية، وضع الرئيس عون أمام تحديات جديدة قد لا يكون أقلها تنفيذ ما كان قد وعد به بالصوت والصورة عن استعداده التخلي عن منصبه إذا تبين أن في عائلته فاسداً واحداً، علماً بأن الرئيس طلب من وزير الخارجية متابعة الملف مع الإدارة الأميركية، وطلب الوثائق التي أدين باسيل على أساسها، لتسليمها إلى القضاء اللبناني، لأنه يعتقد وفق مقربين منه، أن الملف خالٍ من أي أدلة.

على أي حال، اختارت الإدارة الأميركية الحليف المسيحي الأقوى لـ"حزب الله" ليكون باكورة قانون "ماغنيتسكي" الخاص بحقوق الإنسان والفساد، فضربت بقرارها معاً العهد والحزب، بعد ضربة سابقة خصت بها الحزب في فرض عقوبات بموجب قانون مكافحة الإرهاب، على الوزيرين علي حسن خليل، ويوسف فنيانوس، اللذين يشكلان صلة الوصل الأساسية بين رئيس مجلس النواب نبيه بري، و"حزب الله" من جهة، ورئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية والحزب من جهة أخرى.

توقيت أميركي بريء؟

عندما صدرت العقوبات على الوزيرين حسن خليل وفنيانوس، كان لبنان في مرحلة تشكيل حكومة جديدة إثر تكليف السفير مصطفى أديب تطبيقاً للمبادرة الفرنسية، تعثرت مهمة أديب، وقيل حينها إن العقوبات الأميركية كانت السبب في تشدد الثنائي الشيعي، وتعطيله التأليف من خلال التمسك بحقيبة المالية، وتسمية وزرائه ورفض المداورة.

العقوبات على باسيل تتزامن أيضاً مع تشكيل حكومة يحاول سعد الحريري تأليفها منذ نحو أسبوعين. فهل من علاقة بين التوقيت والتشكيل؟ وما تأثير العقوبات الجديدة على مهمة الرئيس المكلف؟

ترفض مصادر سياسية رفيعة ربط العقوبات على باسيل مع تشكيل الحكومة انطلاقاً من نوايا أميركية بعرقلة ولادتها، وتكشف عن أن مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر حث خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت من التقاهم من السياسيين على تسهيل ولادة الحكومة. صحيح أن شينكر أبلغ المعنيين بضرورة إبعاد "حزب الله" عن الحكومة التي يجب أن تكون إصلاحية غير حزبية على حد وصفه، إلا أن موقفه كان واضحاً بضرورة الإسراع في التشكيل، لتنفيذ الإصلاحات وإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية والمالية. وتكشف المعلومات عن أن العقوبات على باسيل صدرت بعد اكتمال الملف في الخزانة الأميركية من دون أي احتساب لتوقيت سياسي لبناني محلي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

العقوبات "طيرت" الحكومة؟

عندما سُئل شينكر عن توقيت العقوبات واستهداف باسيل مع تشكيل الحكومة، نفى الأمر، لكنه توقع تأثيراً قوياً للعقوبات على ملف التأليف؟ يعتقد كثيرون أن سيناريوهين اثنين متوقعان لا ثالث لهما، إما التشدد أكثر، وهو الاتجاه المنطقي بعد التطورات الأخيرة، أو الآخر المستبعد؛ أي الحلحلة والنأي بالنفس عبر تشكيل حكومة مستقلة. صحيح أن مسار التأليف قبل صدور العقوبات، كان لا يزال في المربع الأول وسط عقبات وعراقيل متعددة من أكثر من طرف، وفي مقدمتهم التيار الوطني الحر الذي بقي مُصراً على عدالة المعايير في توزيع الحقائب، واختيار الأسماء، وحصة الأسد في الحكومة، إلا أن العقوبات من شأنها، وفق المطلعين على مسار التأليف، أن تزيد الأمور تعقيداً. فمن المتوقع أن يعمد باسيل مدعوماً من الرئيس عون، إلى التشدد بمطالبه أكثر، لا سيما أن سيف العقوبات الذي كان يخافه قد انتهى استخدامه، بالتالي لا نفع من التنازل بعد اليوم طمعاً بإبعاد العقوبات.

باسيل سيعيد طرح كل التمثيل المسيحي مجدداً، وسيُصر على تسمية كل الوزراء المسيحيين، وقد يطالب بإعادة النظر بتمثيل "تيار المردة"، وإدخال حلفائه كـ"الحزب الديمقراطي اللبناني"؛ لعدم حصر التمثيل الدرزي بـ"الحزب الاشتراكي". رئيس "التيار الوطني الحر"، الذي يعتبر أن العقوبات الأميركية قضت على مستقبله السياسي وطموحه في الوصول يوماً إلى سدة الرئاسة، لا بل إلى أي مركز في الدولة اللبنانية، سيلجأ أيضاً إلى الانتقام عبر تثبيت مكاسب سياسية، أولها داخل التركيبة الحكومية. ومن الطبيعي أن يتمسك بالآلية المعتمدة من قبل الرئيس المكلف سعد الحريري مع الثنائي الشيعي، في تثبيت حقيبة المالية ضمن حصتهما، ويطالب باعتمادها للفريق المسيحي الذي يمثله؛ كونه الكتلة النيابية الأكبر.

"حزب الله" سيرد الجميل لباسيل!

فور إعلان العقوبات عليه، سارع رئيس "التيار الوطني الحر" إلى توظيفها في الداخل اللبناني، وتحويلها لمصلحته، مقدماً نفسه ضحية التحالف مع "حزب الله". فبعد تغريدة عبر فيها عن رفضه الوقوف ضد أي لبناني، أعلن في مؤتمر صحافي عقده بعد يومين على إعلان العقوبات، أنه اختار السلام الداخلي على إنقاذ نفسه من العقوبات، وقال "هذا أقل ما أعمله مقابل أناس ضحوا بروحهم وجسدهم...". وكشف عن أن وزير الخارجية الأميركي عندما زاره في لبنان، طلب منه ترك "حزب الله"، ومواجهته، وأن رده كان بأن "ذلك سيؤدي إلى عزل الشيعة وإلى فتنة داخلية". الطلب الأميركي بحسب باسيل، تكرر عبر اتصال أجراه مسؤول أميركي برئيس الجمهورية طالباً منه ضرورة فك ارتباط "التيار الوطني الحر" مع "حزب الله"، إضافة إلى مطالب أخرى، وإلا ستفرض عقوبات أميركية بعد أربعة أيام، وأن جوابه كان بأن الأمور لا تسير معه بهذا الشكل، لأنه قرر أن يكون صديقاً لأميركا، لا عميلاً لها، على حد قوله. كذلك، كشف باسيل عن أن مغريات كثيرة أعطيت له من قبل الأميركيين مقابل فك ارتباطه بالحزب، لكنه رفض.

وهكذا، يكون باسيل قد أطلق كلامه وبعث الرسالة إلى الحزب وجمهوره، الذي سيكون عليه تعويض رئيس التيار عن كل الخسائر السياسية والمغريات الأميركية، وذلك بطبيعة الحال، سيبدأ في الحكومة المتوقع أن يرد الحزب لحليفه من خلالها الجميل، علماً بأن "حزب الله" كان قد أصدر بياناً اعتبر فيه أن "القرار الأميركي يهدف إلى إخضاع فريق سياسي لبناني كبير للشروط والإملاءات الأميركية على لبنان"، ووعد الحزب بالوقوف إلى جانب "التيار الوطني الحر"، ورئيسه، مؤكداً تضامنه الوطني والأخلاقي والإنساني معه في مواجهة هذه القرارات التي وصفها بالظالمة، و"الافتراءات المرفوضة".

الحريري الخاسر الأكبر؟

صحيح أن العقوبات شكلت ضربة موجعة لرئيس الجمهورية، وتياره السياسي، وصحيح أيضاً أنها أصابت الحزب في الصميم، وعطلت حركته التي تعتمد بشكل أساسي على حليفه المسيحي المتمثل بالتيار، إلا أنها تضع كذلك الرئيس المكلف سعد الحريري في وضع حرج غير مريح بعد أن تعهد تأليف حكومة اختصاصيين تحاكي المبادرة الفرنسية، ولا تخضع لإملاءات السياسيين، وفي مقدمتهم جبران باسيل.

والسؤال الآن ماذا سيفعل الحريري؟ هل يرضخ لشروط باسيل الذي سيكون مدعوماً بقوة من "حزب الله"، ويشكل حكومة بعيدة عن تطلعات الشعب اللبناني والمجتمع الدولي، فيخسر الثقة الدولية، ويضع نفسه تحت مجهر العقوبات؟ أم يعتذر وفي الاعتذار أيضاً خسارة له نتيجة خروجه من اللعبة السياسية. باسيل استبق قرار الحريري وخصه في مؤتمره الصحافي بتلميحات لافتة، أوحى من خلالها إلى وجود رابط بين موقف الحريري عندما رفض العودة إلى حكومة يشارك فيها باسيل، والعقوبات الأميركية التي استهدفته، على اعتبار أن وجود باسيل خارج الحكومة يرفع الحصانة عنه تمهيداً للعقوبات، كما قال.

المزيد من متابعات