بعد لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أزيلت الضبابية حول جوانب عدة من تفاصيل العثور على جثة الجندي الإسرائيلي زخاريا باومل، الذي قُتل في معركة السلطان يعقوب بعد أسبوع من بدء الاجتياح الإسرائيلي للبنان العام 1982.
واعتبر الإسرائيليون دور روسيا في هدية يقدمها بوتين لنتنياهو عشية الانتخابات، لكنها لن تكون هدية مجانية وبانتظار نتنياهو وإسرائيل ثمن لدفعه للروس.
البحث ما زال مستمراً
إعلان بوتين عثور جنوده الروس وجنود سوريين على الجثة، حسم النقاش الذي احتدم بعد الإعلان عن نقل الجثة، إذا ما كانت مدفونة في لبنان أو سوريا، ولمح أكثر من مسؤول إسرائيلي إلى أن الجثة وجدت في سوريا والبحث ما زال مستمراً عن جثتي الجنديين الآخرين، اللذين فقدا في المعركة نفسها.
كما جاء شكر نتنياهو بوتين حاسماً في هوية الدولة الثالثة، التي أسهمت في العثور على الجثة، وأكد العلاقة الوثيقة بين موسكو وتل أبيب، التي انعكست خلال السنوات الثلاث في التنسيق بينهما حول النشاطات العسكرية في سوريا.
وقال نتنياهو لبوتين "قبل سنتين توجهت إليك بطلب شخصي لمساعدتنا في العثور على جثث الجنود، وأنت استجبت فوراً، وقمتم بعمل استثنائي، هذه هي نتيجته بعودة جثة الجندي المفقودة منذ العام 82".
ثمن إعادة الجثة
على الرغم مما يمكن أن يُستشف من لقاء بوتين نتنياهو حول الإنجاز الروسي في استعادة جثة الجندي، إلا أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، بمكوناتها المختلفة اختارت وبهدوء، أن تسجل الإنجاز لها.
ولعب رئيس أركان الجيش أفيف كوخافي دور الداعم لهذه الأجهزة وقدراتها معلناً أن الجهود التي بذلتها أجهزة الاستخبارات كانت كبيرة واستمرت سنوات طويلة شاركت فيها الدوائر الاستخباراتية وهيئة البحث عن المفقودين في الجيش.
لا وجبات مجانية
أضاف أن هذه الجهود كثفت خلال الأشهر الأخيرة من دون الإشارة إلى دور روسيا، لكنه أكد أن العملية الاستخبارية السرية التي جرى خلالها نقل الجثة كانت غير سهلة وتطلبت الدقة وملايين الدولارات.
عند الحديث عن الرئيس بوتين، يعلم الإسرائيليون أنه لا توجد لديه هدايا مجانية وهم اليوم على قناعة بأنه، آجلاً أم عاجلاً، سيجبي الدَينَ على المساعدة التي مدت أجهزة الاستخبارات والجيش الروسي اليد فيها لإسرائيل كي تساعد في العثور على جثة زخاريا باومل.
إسرائيل دفعت الثمن
خبراء ومطلعون على بعض التفاصيل يرون أن إسرائيل قد تكون دفعت الثمن قبل وصول الجثة، واستعاد البعض إلى الذاكرة تصريحات الناطق بلسان وزارة الدفاع الروسية في سبتمبر (أيلول) 2018، في أعقاب إسقاط طائرة الاستطلاع الروسية بصاروخ سوري، أطلق في وقت قريب من غارة لسلاح الجو الإسرائيلي على أهداف إيرانية في سوريا، وقد اتهم الناطق الروسي إسرائيل بنكران الجميل، وكشف النقاب عن أن بلاده تساعد في التفتيش عن جثث جنود الجيش الإسرائيلي المفقودين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إسرائيل الرسمية، من مؤسسة سياسية أو أجهزة الاستخبارات ترفض الإدلاء بتفاصيل حول كيفية العثور على جثة باومل كي لا تكشف عن مصادرها الاستخبارية، ولكن، نقل الجثة إلى إسرائيل عبر الطيران، يحسم أن المساعدة روسية، والتقديرات أن الجثة وجدت في سوريا ونقلت بالطيران من هناك إلى دولة ثالثة، بالاتفاق مع روسيا ومن ثم إلى تل أبيب.
37 عاماً من دون نتيجة
وقعت معركة السلطان يعقوب بداية الحرب اللبنانية في العام 1982، وبحسب ما تدون من تفاصيل لهذه العملية، فإن قوة من الجيش وقعت في كمين للقوات السورية، أثناء تقدمها لاحتلال مواقع في القطاع الشرقي في لبنان، قبل الإعلان عن وقف إطلاق النار، وبحسب المعلومات فإن عدداً من الدبابات التي أصيبت أُخذ غنيمة، وجرى نقل أسرى وجثث لجنود إسرائيليين إلى الأراضي السورية.
الدبابات الإسرائيلية التي أُخذت كغنائم عرضت في دمشق، وإحدى الدبابات نقلت إلى موسكو وعرضت هناك بعد سنوات، ومنذ اختفاء آثار الجنود الثلاثة بذلت جهود استخبارية كبيرة للعثور عليهم من دون نتيجة.
وبحسب أمنيين إسرائيليين، فإن الجهود الإسرائيلية تقدمت نحو احتمال إعادة الجثث، بعد الحرب الأهلية في سوريا، خصوصاً بعد دخول روسيا إلى سوريا، في بداية سبتمبر 2015.
قوة مساومة كبيرة
ويقول رجل أمن إسرائيلي، إن الروس الذين أنقذوا نظام الرئيس السوري بشار الأسد بقرار التدخل في الحرب، نشأت لديهم قوة مساومة كبيرة مع النظام وقدرة على العمل في سوريا كما يريدون.
نتنياهو من ناحيته، اهتم بتطوير علاقات ناجعة مع بوتين، لكن التنسيق كان بعيداً من أن يكون مكتملاً، غير أن العلاقة بين نتنياهو وبوتين ساعدت إسرائيل على الدفع قدماً بتفاهمات مهمة بالنسبة إليها، وفي مسألة المفقودين أيضاً.
وقبل بضع سنوات، نقل بوتين إلى إسرائيل الدبابة التي احتجزت في موسكو، وتبين أنها لم تكن إحدى دبابتي المفقودين، بل هي دبابة أخرى أصيبت في المعركة.
"لغز الجنديين الآخرين"
في السنة الأخيرة، وبحسب مسؤول أمني، تبلورت في إسرائيل صورة أكثر صدقية في شأن مكان الدفن المحتمل، وهناك توسعت الجهود الاستخبارية تحت غطاء من السرية في الأيام الأخيرة، ونقلت الدولة الثالثة (المقصود هنا روسيا) جثث ورفات جثث إلى إسرائيل، جرى فحصها في معهد الطب الشرعي في أبو كبير، وهناك تقرر بصورة مؤكدة أن إحدى الجثث هي لباومل.
كذلك، فإن "العثور على جثة باومل يرفع بدرجة ما التفاؤل بأنه سيكون بالإمكان مستقبلاً حل لغز مصير الجنديين الآخرين"، بحسب المسؤول الأمني.
خيبات أمل كثيرة
العقيد احتياط ليئور لوتان الذي شغل في السابق رئيس قسم الأسرى والمفقودين في الاستخبارات العسكرية وبعد ذلك منسقاً للمفاوضات بشأن الأسرى من قبل رئيس الحكومة نتنياهو، قال في تصريحات إعلامية "كانت لنا خيبات أمل كثيرة لكن في أي مرحلة لم تتخلَ إسرائيل عن جهودها في العثور على مفقودي معركة السلطان يعقوب".
أضاف "هذه الجهود استمرت وبالتدريج أيضاً كان يمكن جمع شهادات أكثر من قبل أناس شاركوا في المعركة. وكل واحد يعطي رواية مختلفة، ولكن بالتدريج وُجدت صورة استخبارية أظهرت أنه يمكن التقدم معها".
وبحسب الخبير العسكري الإسرائيلي يوسي ميلمان الذي كان واحداً ممن استعانت به أجهزة الاستخبارات للمساعدة في البحث عن الجثث، فإن فقدان السيطرة من جانب بشار الأسد والحكم المركزي في دمشق على مناطق واسعة في الدولة، والتي سيطرت عليها المعارضة، فتحت أمام الاستخبارات الإسرائيلية فرصاً جديدة، يقول ميلمان "جرى تجنيد بعض منظمات المعارضة، التي قدمت لها الاستخبارات الإسرائيلية مساعدات إنسانية، لمهمة البحث عن مكان جثث الجنود الإسرائيليين وهذه المنظمات سبق وساعدت الموساد، قبل حوالي السنة في الحصول على ساعة إيلي كوهن، جاسوس الاستخبارات الإسرائيلية الذي أعدم في دمشق في 1965" وما زالت إسرائيل تبحث عن جثته.
تدمير المفاعل النووي في العراق وجثة زخاريا أداة انتخابية
الزيارة التي قام بها نتنياهو إلى موسكو، قبل أيام معدودة من الانتخابات واحتدام المعركة الانتخابية في إسرائيل، ليست صدفة ونقل جثة الجندي زخاريا قبل يوم من زيارة نتنياهو، أيضاً ليس صدفة، على أكثر من محور، وفي شكل خاص المحور الانتخابي بالنسبة إلى نتنياهو.
لقد أعادت خطوات نتنياهو إلى الأذهان القرار الذي اتخذه رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق مناحيم بيغن، عشية الانتخابات في حزيران (يونيو) 1981 بتدمير المفاعل النووي في العراق لاعتبارات عملياتية.
في حينه، ساعدت هذه العملية بيغن على إعادة انتخابه. والتوقعات، فإن لقاء بوتين وإعادة جثة زخاريا سيساعدان نتنياهو على إعادة انتخابه في التاسع من هذا الشهر لرئاسة الحكومة.
رسالة إلى كل ناخب إسرائيلي
سفر نتنياهو في هذا الوقت إلى روسيا رسالة إلى كل ناخب إسرائيلي بأنه كان وما زال وسيبقى زعيماً عالمياً يستقبل لدى أكبر زعماء العالم، في ما خصمه الذي تفوق عليه في استطلاعات الرأي بيني غانتس، عاجز عن خطوات كهذه، وبهذا، فإن نتنياهو قادر على تمثيل إسرائيل كدولة مهمة على الصعيد الدولي.
كذلك، فإن إعادة جثة زخاريا توفر لنتنياهو إنجازاً بديلاً، وتثبت للإسرائيليين أن رئيس الحكومة يهتم بمصير المفقودين، وأكثر من ذلك، فإن نتنياهو يمكنه الادعاء بأن تجربته وعلاقاته مكنت إسرائيل من تجنيد الدولة الثالثة لهذا الأمر وإنقاذ جثة الجندي.