من المفارقات أن يرحل الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة من دون أن يحقق حلمه في تدشين ثالث أكبر مسجد في العالم، الذي ضخّ فيه مليارات الدولارات من خزينة الدولة.
في آخر حوار له، حاول عمار سعداني، الأمين العام الأسبق لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، استعطاف الجزائريين المطالبين برحيل بوتفليقة، وهو الذي رشحه إلى ولاية رابعة في العام 2014 وهو على كرسي متحرك، قائلاً إن "ما أطلبه هو أن يعذر الناس هذا الرئيس، اتركوه يكمل شهره (نهاية ولايته الرئاسية في 28 أبريل (نيسان) الحالي) وهذا أمر دينيّ. أُتركوه يدشن مسجداً كان يحلم بتدشينه، ويقف فيه ولو لحظة على كرسيه... هو مجاهد وشيخ كبير ومريض".
مشروع الرئيس
قبل اندلاع موجة الغضب ضد بوتفليقة، في 22 فبراير (شباط) الماضي، كان يُرتقب أن يجري الرئيس المستقيل زيارة ميدانية إلى المسجد الأعظم لتدشينه، بعدما صدرت تعليمات إلى الشركة الصينية، المشرفة على المشروع، برفع وتيرة الأشغال. لكن الزيارة تأجلت بسبب تعرض بوتفليقة لوعكة صحية نقلته إلى العاصمة السويسرية جنيف، في 24 فبراير، مكث بموجبها 15 يوماً.
لطالما وُصف جامع الجزائر الأعظم بأنه "مشروع الرئيس"، الذي روّجت له أحزاب السلطة، وقد اختير له أن يكون في منطقة لافيجري (أحد أساقفة فرنسا الذين سعوا إلى دفع الجزائريين إلى التحوّل للمسيحية)، شرق العاصمة، التي أصبحت تعرف بعد استقلال الجزائر بالمحمدية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فكرة المشروع جاءت بوعد أطلقه الرئيس الجزائري المستقيل في العام 2004، إثر انتخابه فترة رئاسية ثانية. وبعد تأخير دام حوالي ست سنوات لأسباب سياسية وتقنية، جرى إطلاق العمل فيه في العام 2011، تحت إشراف وزارة الشؤون الدينية، قبل أن يحوّل الملف إلى وزارة السكن والعمران الجزائرية.
يصل ارتفاع مئذنته إلى حوالي 300 متر، لتكون بذلك أطول مئذنة في العالم. كما يضمّ تجهيزات تربوية ودينية مختلفة، مثل المكتبات وقاعات المحاضرات والدروس الدينية وتفسير القرآن ومراكز ثقافية وعلمية، بالإضافة إلى قاعة صلاة تتسع لحوالي 120 ألف شخص ومرآب للسيارات وكل المرافق الاجتماعية الضرورية لاستقبال السياح والزوار، سواء كانوا عرباً أم أجانب.
تبذير للأموال
بعد حوالي تسع سنوات من إطلاق مشروع "الجامع الأعظم"، لا يزال محل جدل كبير في البلاد. ويوجّه العديد من الجزائريين أصابع الاتهام إلى بوتفليقة، الذي لم تُتح له الفرصة لزيارته سوى مرة واحدة في العام 2016 بسبب حالته الصحية، لاعتقادهم بأنه كان يرغب في أن يحمل اسمه حتى يخلده التاريخ.
ويرى هؤلاء أن الجزائر ليست في حاجة إلى مسجد بهذا الحجم، استنزف حوالي 3 مليارات دولار من الخزينة العامة، في حين كان يمكن تخصيص هذه الأموال لبناء مساكن تخفيف عبء الأزمة السكنية، التي يعانيها الجزائريون أو خلق فرص عمل جديدة لتقليص البطالة التي تطاول الشباب.
وما ضاعف من غضب الجزائريين هو توجه بوتفليقة إلى مستشفيات أوروبية للعلاج، منذ إصابته بجلطة دماغية في العام 2013، بينما كان يتعين عليه إنجاز مستشفى يضمن الرعاية الصحية له ولمواطنيه.