فيما شعر أعضاء الحزب الديمقراطي بالمرارة ليل الثلاثاء الماضي لدى الإعلان عن مجموعة من النتائج المبكرة للانتخابات جاءت دون مستوى آمالهم وتوقعاتهم، بدا أنهم يميلون، هم والصحافيون الذين يتقصون أخبارهم، إلى الاتفاق على نقطة محددة ومفادها أن استطلاعات الرأي قد أخطأت مرة أخرى.
والحق أن محاولات عدة لاستقراء النتيجة في المجمع الانتخابي على خلفية استطلاعات الرأي أفادت بأن جو بايدن سيتخطى بوضوح علامة الـ270 صوتاً المطلوبة للفوز بالانتخابات. هكذا اعتقدت مجلة "إيكونوميست"، على سبيل المثال، أن بايدن كان يتجه لإحراز 356 صوتاً في المجمع الانتخابي. أما شركة "يو غوف" لاستطلاعات الرأي، فقد توقعت أن تبلغ أصوات بايدن 364 صوتاً، وهو رقم فاق ما أوردته "إيكونوميست". مع ذلك، أشير في هاتين الحالتين أيضاً إلى أن بايدن لم يكن متقدماً على ترمب بما فيه الكفاية كي يكون واثقاً من الفوز.
لا عجب في ذلك، فهذا ما جاء في الرسالة الجماعية الصادرة عن استطلاعات الرأي كلها. بالتأكيد، أعطى متوسط استطلاعات الرأي النهائية للتصويت الشعبي على المستوى الوطني بايدن موقعاً متقدماً على ترمب بسبع نقاط. غير أن الاستطلاعات التي أجريت في كل من الولايات على حدة، أشارت في الوقت ذاته إلى أن هناك ما لا يقل عن 9 ولايات كان الفرق فيها بين المتنافسين الرئيسين يقتصر على نحو نقطتين أو أقل.
ونظراً لمحدودية استطلاعات الرأي، فإن النتيجة المنطقية التي يمكن استخلاصها في هذه الولايات هي أن النتائج متقاربة للغاية وعصية على التوقع. وعلى أي حال فإن السجل التاريخي لاستطلاعات الرأي في الولايات المتحدة يدل أنها قد تكون مختلفة عما يحققه المرشح من أصوات بنسبة قد تصل إلى 3 في المئة، وبالتالي قد تبلغ نسبة الاختلاف هذه في الصدارة ست نقاط. وباعتبار أن الولايات التسع الرئيسة مثلت ما لا يقل عن 159 من أصوات المجمع الانتخابي، فإن فوز بايدن كان على الدوام غير مضمون.
ولو كانت الولايات التسع مقسمة بالتساوي بين المرشحين، لكان من المتوقع أن يفوز المرشح الديمقراطي. وهذا هو سبب كونه المرشح المفضل في الواقع. وبالفعل لو كانت الولايات الرئيسة ستمنح أصواتها لنائب الرئيس السابق، لكانت النتيجة في المجمع الانتخابي "فوزاً كاسحاً" له، وهو احتمال ربما ساعد على تفسير بعض الآمال الكبيرة في صفوف الديمقراطيين.
لكن، في الوقت نفسه، لو كان الرئيس ترمب هو من سيفوز في معظم الولايات التسع، لربما كان ذلك سيكفيه لتأمين ولاية ثانية.
واعتباراً من اليوم، باتت هذه التسع تضم خمساً من الولايات الست التي كانت فيها النتيجة متقاربة. غير أن ترمب فاز بالولايات الأربع المتبقية [من التسع الرئيسة] بما فيها فلوريدا وتكساس بهامش كبير نسبياً.
وهذه النجاحات تعني أن الفرصة لا تزال سانحة أمام فوز الرئيس وفي هذه الولايات- إضافة إلى ضيق هامش فوز بايدن في ميشيغان وويسكونسن- حيث أداء استطلاعات الرأي موضع انتقاد إلى حد ما. ولكنها تمكنت في الوقت ذاته من تحديد الولايات التي ستقرر النتيجة النهائية تحديداً دقيقاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن، طبعاً، التفسير أعلاه لا يشمل مسألة تقدم جو بايدن بسبع نقاط في استطلاعات الرأي على المستوى الوطني. ومن المفترض أن ذلك يجب أن يكون خطأً؟ حسناً، ربما كان هكذا، لكن ليس بالضرورة إلى هذا الحد. أياً كانت درجة الغموض الذي يلف النتيجة النهائية في المجمع الانتخابي، فمن الأكيد عملياً أن بايدن قد فاز بالتصويت الشعبي على المستوى الوطني، تماماً كما فعلت هيلاري كلينتون قبل أربع سنوات حين نالت عدداً أعلى من أصوات الناخبين مما أحرزه منافسها ترمب. غير أن استطلاعات الرأي يجب ألا تتعرض للوم بسبب الطبيعة الغربية للمجمع الانتخابي.
ويرجح أن يستغرق الوصول في نهاية المطاف إلى الحصيلة النهائية للتصويت الإجمالي أياماً عدة. ولن يكون من الممكن بلورة حكم يُعتد به على أداء استطلاعات الرأي الوطنية، قبل الإعلان عن هذه الحصيلة. في وقت كتابة هذا المقال، يتقدم بايدن بنقطتين، وهو رقم قد يرتفع إلى ثلاث أو أربع نقاط لدى احتساب بطاقات الاقتراع كلها.
باختصار، على الأرجح أن أداء الرئيس ترمب كان أفضل بقليل مما أوحت به استطلاعات الرأي، في منافسة يمكن لخطأ صغير في الاستطلاع أن يؤدي إلى فرق كبير. لا شك في أن استطلاعات الرأي ستكون راغبة في استقاء الدروس من هذا السباق الانتخابي الذي يبدو أن نسبة إقبال الناخبين عليه كانت أعلى بكثير من النسبة المألوفة.
بيد أن هناك درساً ينبغي أن يستخلصه الجميع، ومفاده لا تكن واثقاً من توقعاتك للنتيجة أكثر مما تسمح به أدلة الاستطلاعات نفسها.
(جون كورتيس هو بروفيسور في السياسة بجامعة ستراثكلايد ورئيس المجلس البريطاني لاستطلاعات الرأي)
© The Independent