Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

غموض عميق يلف دور بريطانيا في النظام التجاري العالمي بعد بريكست

أُبرِمَتْ اتفاقات الاستمراريّة مع عدد قليل من الدول، لكن استنساخ الترتيبات التي تستفيد منها بريطانيا حالياً سيكون أولوية قصوى خلال الفترة الانتقاليّة، إذا وُجِدَتْ، وبعدها

لا تقتصر متاهة بريكست على علاقات بريطانيا مع أوروبا، بل تطاول مركزها عالمياً (موقع "ذي كونزرفيشن.كوم")

بشكل متزايد تحدد قدرة المملكة المتحدة على إبرام صفقات تجاريّة جديدة ملامح النقاشات الدائرة في مقر الحكومة البريطانية بـ"ويستمنستر"، بشأن بريكست.

وتتمثّل المعضلة الكبرى التي تواجهها حكومة ما تزال غير مستعدة لتوضيح موقفها ونواياها، في السؤال عن إعطاء الأولوية لهذه الاتفاقات على العلاقات الاقتصادية العميقة مع الاتحاد الأوروبي، أو اتخاذ المملكة المتحدة مقاربة شاملة لمسألة شمال إيرلندا.

عوضاً عن ذلك، حاولت الحكومة البريطانية أن تعمل المستحيل عبر صوغها اقتراحاً يمكن المملكة المتحدة في حالة تنفيذه من الاستفادة من اتفاقات تجاريّة جديدة وفي نفس الوقت الاستمرار في التكامل مع الاتحاد الأوروبي في مجال البضائع والصناعات الغذائية. لكن، الاتحاد الأوروبي رفض مثل هذه الأفكار التي تجعل المملكة المتحدة في وضع المنزلة بين المنزلتين الذي يسمح لها من الاستفادة من أفضل ما في العالمين. وبناء عليه، سيكون من الصعب التنبؤ بوضوح أكبر بما ستكون عليه سياسة المملكة المتحدة التجاريّة مع الاتحاد الأوروبي.

حتى الآن، بددت المهمة الهائلة التي تنهض بها وزارة التجارة الدولية الكثير من تركيزها وقدراتها، ذلك أنها لا تعمل فقط على إعادة إرساء المملكة المتحدة كفاعل مستقل في "منظمة التجارة العالميّة" وخلق نظام وسلطة للانتصاف التجاري خاصين بها، والانضمام إلى اتفاق "منظمة التجارة العالمي" المتعلق بعمليات الشراء الحكومي. كذلك تضطلع الوزراة بمهمة إيجاد بدائل عن أربعين اتفاقاً تجارياً تعد المملكة المتحدة طرفاً فيها بحكم عضويتها في الاتحاد الأوروبي.

ومع أنها وقعت اتفاقات الاستمراريّة مع عدد قليل من الدول بما فيها سويسرا وإسرائيل والشيلي، إلا أنه يتوجب عليها فعل المزيد. إذ سبق لاقتصادات كبرى مثل اليابان وكندا، أن أشارت أنها ستتعامل مع أي محاولة بريطانية لاستنساخ الاتفاقات مع الاتحاد الأوروبي على أنها مفاوضات جديدة. وبالنسبة لدول أخرى مثل تركيا، تعتمد قدرة المملكة المتحدة على إجراء استنساخ كامل للاتفاقات الموجودة أصلاً، بصورة كليّة، على طبيعة العلاقة المستقبلية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. وستبقى عملية الاستنساخ هذه هي الأولوية التجاريّة القصوى للمملكة المتحدة خلال الفترة الانتقاليّة وربما بعدها.

ويمكن أيضا للمملكة المتحدة خلال تلك الفترة الانتقاليّة، إن وُجِدَت، أن تبدأ التفاوض حول اتفاقات ممكنة جديدة للتجارة الحرّة مع شركائها التجاريّين. وقد حددت فعلاً نيوزيلاندا وأستراليا والولايات المتحدة كأولوية لها، وأن تتفاوض أيضاً بشأن الانضمام إلى "الاتفاق الشامل المتدرّج للشراكة عبر المحيط الهادئ" (وهو اتفاق تجاري متعدد الأطراف يضم 11 بلداً).

وبينما ستسعد نيوزيلاندا وأستراليا بإطلاق المفاوضات، علماً أن ذلك سيكسبهما حسن النوايا السياسية مع المملكة المتحدة، غير أن شيئاً لن يُبرم حتى تتضح الأمور بشأن مستقبل علاقة المملكة مع الاتحاد الأوروبي، خصوصاً إذا ما كانت المملكة المتحدة ستبقى ضمن اتحاد جمركي مع الاتحاد الأوروبي، وإلى متى.

يتوقع أن تكون المفاوضات مع الولايات المتحدة أصعب. إذ لا يرجح أن تلعب واشنطن دور المراقب غير المهتم، كما أن إبرام اتفاق تجاري شامل مع الولايات المتحدة يقتضي من المملكة المتحدة ليس فقط أن تسيطر على رسومها الجمركية، بل أيضا أن تخلِّص نفسها من المنظومة الرقابيّة الأوروبيّة في مجالات عدة مثل سلامة الأغذية. كما أنه لا يرجح أن تنجح تلك المفاوضات في ظل الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة على الاتحاد الأوروبي للتخلي عن موقفه في قضية "الدجاج المعالج بالكلور".

وهذا ما يجعل المملكة المتحدة في وضع محرج يفرض عليها الاختيار بين التجارة من دون خلافات حول منتجات ذات أصل حيواني مع أهم شركائها التجاريين (مع ما لذلك من تداعيات على إيرلندا الشمالية) أو تقليل الخلاف مع الولايات المتحدة. على كل حال، إذا (ومتى) قررت المملكة المتحدة قبول خلاف إضافي بينها وبين الاتحاد الأوروبي، أو كان من غير الممكن تجنب ذلك بسبب الخطوط الحمراء التي تضعها المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، فقد تقرّر بريطانيا أن الكلفة الهامشية الإضافية لقاء مزيد من الابتعاد عن الاتحاد الأوروبي من أجل الاستجابة للطلبات الأميركية، تُستَحَق أن تُدفَع.

سيظل "الاتفاق الشامل المتدرّج للشراكة عبر المحيط الهادئ" طموحاً طويل الأمد. وبغض النظر عن مزحة ما إذا كانت جُزُر "بيتكيرن" تكفي لتأهيل المملكة المتحدة كقوة في المحيط الهادئ، ما تزال عملية الانضمام إلى ذلك الاتفاق غير واضحة، كما أن هناك مرشحين آخرين لديهم إمكانية أكبر للنجاح في الانضمام مثل تايلاند وكوريا الجنوبية. إضافة إلى ذلك، توجد خلافات في المواقف بين المملكة المتحدة وبعض الأعضاء الحاليين في "الاتفاق..."، حول الهامش الذي ستحتاجه المملكة المتحدة للتفاوض على شروط الاستثناء. ليس الفشل في الانضمام إلى "الاتفاق..." مشكلة في حد ذاته للمملكة المتحدة في الأجل القريب.

إن المكاسب التي ستجنيها المملكة المتحدة من انضمامها إلى "الاتفاق..." هي سياسيّة في معظمها، ذلك أنها ستستنسخ اتفاقاتها مع الاتحاد الأوروبي أو تعيد التفاوض على اتفاقات جديدة مع كبار الفاعلين الاقتصاديين في "الاتفاق..."، بمعنى أن القصد من محاولة الانضمام إليه هو إعطاء إشارة استمرار المملكة المتحدة في التزام النظام الدولي المرتكز إلى القوانين، وهو الأمر الذي أسدل البريكست ظلالاً من الشك عليه، بل أن حتى الوقوف في طابور الانضمام يحقق ذلك جزئياً.

وفي نهاية المطاف، فإن مسألة الدور الذي ستلعبه المملكة المتحدة في النظام التجاري العالمي لن تجد حلها التام ما لم توضح المملكة المتحدة نطاق وعمق علاقتها المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي. وما لم يحدث ذلك، ولحينه أيضاً، ستظل السياسة التجاريّة المستقبلية لبريطانيا غير مترابطة ودورها العالمي غير واضح المعالم.

سام لووي، زميل أبحاث رفيع في المركز الأوروبي للإصلاح.  هذا المقال جزء من تقرير صدر عن مركز "المملكة المتحدة في أوروبا متغيرة" وعنوانه:  "المادة 50 بعد مضي عامين ."

© The Independent

المزيد من اقتصاد