Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تستولي دولة إسلامية "أكثر دهاء" بهدوء على مساحات من سوريا بعد هزيمة داعش

الاستحواذ على جامعة هو آخر عملية استيلاء تقدم عليها الجماعة المتحدرة من تنظيم القاعدة، وهي تنشئ خلافة خاصة بها

علم الدولة الإسلامية معلقة وسط أسلاك كهربائية فوق شارع في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين ، بالقرب من مدينة صيدا الساحلية ، جنوب لبنان ، 19 كانون الثاني / يناير 2016. (رويترز)

أصبحت خلافة داعش في خبر كان. بعد أربع سنوات من استيلاء مقاتليها على مساحات شاسعة من العراق وسوريا وإعلانها عزمها نشر الجهاد في شتى بقاع العالم، لم تعد الجماعة الإرهابية تحكم قبضتها على أية منطقة. لكن بينما تسقط فيه دولة إسلامية متطرفة، يشتد عود دولة أخرى. في السنوات القليلة الماضية، عززت جماعة كانت في السابق جزءًا من تنظيم القاعدة سلطتَها في شمال سوريا وهي تسيطر في الوقت الحالي على حوالي 3 ملايين إنسان.

بعد دحر جماعات الثوار المنافسة لها في إدلب في وقت سابق من هذا العام، بدأت هيئة تحرير الشام تفرض سيطرتها على جميع المؤسسات في المحافظة هذه. وصارت جامعة تضم أكثر من 6000 طالب آخر ميادين القتال في سعيها إلى الهيمنة.

"جاؤوا في منتصف امتحاناتنا الدراسية وقالوا إنهم سيمسكون بمقاليد الجامعة"، يروي أحمد، وهو طالب في "جامعة حلب الحرة" التي أغلقت أبوابها الإدارة التابعة لهيئة تحرير الشام في إدلب الأسبوع الماضي. ويتابع أحمد الذي يفضل ذكر اسمه الأول فقط لخشيته من الانتقام جزاء تحدثه جهاراً " تظاهرنا ضد القرار مراراً... اعتقلوا عدداً كبيراً من الأساتذة المحاضرين ليضغطوا علينا ولحملنا على المغادرة".

عندما قامت المجموعة بإغلاق أبواب الجامعة للمرة الأولى، ألقى المحاضرون فيها دروسهم أمام البوابة الخارجية للمبنى احتجاجاً على ذلك، إلا أن "حكومة الإنقاذ" التابعة لهيئة تحرير الشام أوصدت أبوابها رسمياً الأسبوع الفائت. يضيف أحمد "لم أتفاجأ. ووراء المشكلة طريقة في التفكير. فـكل من هيئة تحرير الشام وداعش تعاون مع الأسد من أجل القضاء على ثورتنا".

الاستيلاء على الجامعة هو أحدث عملية استيلاء في مسيرة المجموعة المتأنية والحثيثة نحو الهيمنة.

شأن داعش، تريد هيئة تحرير الشام إنشاء دولة إسلامية خاصة بها. وبينما أرادت داعش التوسع بسرعة وتسليط الضوء عليها، فإن هيئة تحرير الشام تأنت في التوسع.  وكانت براغماتية، وتعاونت مع جماعات أخرى عندما اقتضى الأمر. لكنها كانت انتهازيةً أيضاً وسحقت منافسيها. لم تنصرف إلى طموحات التوسع في العالم، وكان شاغلها النجاح محلياً. وعليه، سعت وراء ترسيخ قوتها أكثر بكثير من داعش.

"يجمع بين هيئة تحرير الشام وداعش الغاية نفسها، أي بناء دولة قائمة على تفسير متشدد للإسلام السلفي السنّي. لكن طريقتها لتحقيق ذلك أكثر دهاء"، وفقاً لنيكولاس هيراس، باحث في "مركز الأمن الأميركي الجديد" للأبحاث الذي يقول إن إستراتيجيتها مفادها "السماح بوجود جماعات متمردة أخرى، لكن مثل هيئات المافيا النافذة، تتوسل القوة الساحقة والمركزة ضد أي معارضين بمجرد ظهورهم... وسيطرت هيئة تحرير الشام أيضاً على النقاط الحدودية الرئيسة في إدلب، وتحكمت أيضاً بالطرق التي تعتبر الشريان الحيوي في المنطقة"، ويضيف أنها بذلك "صارت صاحبة القرار في إدلب والقوة السائدة بحكم الأمر الواقع هناك".

 كان إغلاق جامعة حلب الحرة عملية استعراض أخرى لهذه القوة. والنتيجة هي إجبار آلاف الطلاب على وقف تعليمهم واحتمال أن يضطر كثيرون إلى النزوح مجدداً.

يقول أحد الأساتذة المحاضرين في الجامعة "أُلقي القبض على بعض الأساتذة والشخصيات الأكاديمية. واعتُقل بعض الطلاب. الأمر في غاية الخطورة بالنسبة إلى العملية التعليمية، وبالنسبة إلى الطلاب... يفكر اليوم عدد كبير من الأساتذة في مغادرة سوريا... آلاف الطلاب كانوا على قاب قوسين من استعادة ما فقدوه منذ سبع أو ثماني سنوات ولكن حيل بينهم وبين إكمال دراستهم... لقد انهارت أحلامهم".

لكن مشكلة هؤلاء الطلاب هي جزء من قضية أكبر لا يبدو أنها في طريقها إلى الحل. فمنذ العام 2017، وصف المبعوث الأميركي السابق لسوريا، بريت ماكغورك، المناطق التي تسيطر عليها الجماعة بأنها "أكبر ملاذ آمن للقاعدة منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول)". منذ ذلك الحين، اشتدت قبضة المجموعة على تلك المحافظة.

تتحدّر هيئة تحرير الشام مباشرة من فرع تنظيم القاعدة في سوريا المسمى "جبهة النصرة". تأسست الجبهة رسمياً على أيدي القيادة المركزية لتنظيم القاعدة وقيادة الدولة الإسلامية في العراق في يناير (كانون الثاني) العام 2012، بعدما أرسلت الأخيرة مقاتلين للانضمام إلى معركة الإطاحة بالأسد وتأسيس الإمارة.

في بدايات الحرب الأهلية السورية، قدمت النصرة نفسها على أنها واحدة من أقوى المجموعات وأكثرها انضباطاً بين العشرات من الفصائل المتمردة. ومكنتها قوتها القتالية من استمالة تأييد كثير من السوريين، على الرغم من أن أيديولوجيتها فاقت معدلات التطرّف الذي يعرفه معظم السوريين.

تغلغلت هيئة تحرير الشام في نسيج إدلب لدرجة أن الطريقة الوحيدة لإنهاء سلطتها هي اقتلاعها من المدينة، الأمر الذي سيؤدي إلى مقتل كثيرين ونزوحهم، يقول نيكولاس هيراس، باحث في مركز الأمن الأميركي الجديد، للدراسات.

 في العام 2013، انقسم هذا التنظيم إلى قسمين. حاول أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم داعش، دمج مجموعته مع النصرة، تحت قيادته. ورفض أبو محمد الجولاني، زعيم النصرة، عملية الدمج وبايع تنظيم القاعدة.

في بادئ الأمر، ركزت "النصرة" على العمل تحت غطاء المعارضة السورية لضمان بقائها. ولكنها بعد وقت من الزمن، قضت على الجماعات المعتدلة وصارت تهيمن على المعارضة.

كافحت الولايات المتحدة النصرة قبل التصدي لداعش، وشنّت غارات جوية ضد قيادة الجماعة في سبتمبر العام 2014. وإثر الدخول الروسي إلى سوريا في العام 2015، سيطرت روسيا على الأجواء في إدلب، وتمكنت إلى جانب الحكومة السورية من محاصرة المحافظة.

وفي يناير العام 2017، شكلت الجماعات المسلحة الإسلامية السنية المناهضة للحكومة تحالفاً سمّته هيئة تحرير الشام. وتولى قيادتها التنظيم الذي كان يُعرف بجبهة النصرة، وهذه تزعم مذ ذاك أنها قطعت صلاتها بتنظيم القاعدة.

حالت الضغوط الدولية دون شن القوات الروسية والقوات الحكومية السورية هجوماً شاملاً على إدلب. لكن هذا السلام هشّ. وتصاعدت وتيرة الاشتباكات بين الجانبين في الأشهر الأخيرة. ولقي المئات حتفهم في الهجمات التي شنتها الحكومة السورية والقوات الروسية على مناطق "التهدئة أو وقف التصعيد" في إدلب خلال الأشهر القليلة الماضية، وغادر حوالي 40 ألف مدني منازلهم هرباً من القتال.

يخشى الكثيرون في إدلب اليوم أن الهجوم الحكومي بات وشيكاً. وفي العام الماضي، جُمدت خطة طال الخوف منها لإعادة السيطرة على المحافظة بعد اتفاق بين روسيا وتركيا، وهي تنشر قوات عسكرية على الأرض هناك، وتدعم عدداً من جماعات الثوار في المنطقة.

تركيا، التي نشرت قوات عسكرية على الأرض في إدلب لردع أي هجوم حكومي شامل، كانت تأمل في أن يمنحها تجميد الهجوم وقتاً للتوصل إلى اتفاق بين دمشق ومعاقل المتمردين الأخيرة. لكن منذ ذلك الحين، زادت هيئة تحرير الشام المتطرّفة سيطرتها على المحافظة، فخبت هذه الآمال.

في يناير، من هذا العام، قالت "هيومن رايتس ووتش" إنها وثقت "عشرات" الاعتقالات التعسفية التي قامت بها المجموعة في منطقة نفوذها، بما في ذلك 11 حالة احتُجز فيها الأشخاص "على ما يبدو بسبب عملهم السلمي في توثيق الانتهاكات أو بسبب الاحتجاج على حكم هذه المجموعة".

تقول لما فقيه، نائبة مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "هيومن رايتس ووتش" "قمع هيئة تحرير الشام لما تتصور أنه معارضة لحكمها، يحاكي بعض الأساليب القمعية التي استخدمتها الحكومة السورية... لا مسوغ قانونياً لإلقاء القبض على المعارضين واحتجازهم تعسفياً وتعذيبهم".

تُتهم المجموعة أيضاً بالوقوف وراء اغتيال العديد من الناشطين المعروفين، بمن فيهم رائد فارس وحمود جنيد، اللذين كانا يديران محطة إذاعية محلية تحدثا على أثيرها ضد المقاتلين.

يرى تشارلز ليستر، باحث رفيع في معهد الشرق الأوسط للدراسات، أن "هيئة تحرير الشام" استخدمت تهديد القوات الحكومية بشن هجوم لتسويغ حملاتها القمعية. ويقول "الأمر الأساس هنا هو وجه استجابة هيئة تحرير الشام للتهديدات الخارجية المتزايدة - بدلاً من التراجع والتهدئة، التزمت الهيئة إستراتيجية مضاعفة قوتها من طريق عمليات الردع العدوانية. للأسف، كان المدنيون ضحية ألاعيب القوة هذه في أغلب الأحيان، عندما ترتكب المجموعة تجاوزات أو تلجأ إلى القمع ببساطة لإظهار سلطتها مجدداً... بالنسبة إلى هيئة تحرير الشام، مدار كل الأمور الحفاظ على توازن دقيق ومعقد- الموازنة بين علاقاتها مع السكان المحليين، ومع الجماعات المعارضة المنافسة لها، مع مبايعي تنظيم القاعدة، ومع تركيا ومع روسيا. ليس في إمكان الهيئة أن تقطع كل الجسور مع السكان المدنيين المحليين، وفي الوقت ذاته لا تستطيع أن تُظهر نقاط ضعف أمام أيّ من الأطراف، بما في ذلك المدنيون. يجب أن تظهر في مظهر المدافع والحاكم في آن معاً، بينما تقوم بردع الأعداء خارج حدودها عن شن هجوم".

 

في مسعاها إلى بلوغ غايتها القاضية بإنشاء دولة إسلامية خاصة بها، أصبحت هيئة تحرير الشام بالنسبة إلى الكثير ممن يعيشون تحت سيطرتها شبيهة بالنظام الذي تأمل في الحلول محله. وعلى الرغم من أن نجاحها في إنشاء خلافة خاصة بها أمر مستبعد، إلا أن سكان إدلب البالغ عددهم ثلاثة ملايين نسمة ما زالوا عالقين بين مطرقة القصف الروسي وسندان سجون هيئة تحرير الشام. وقد يكون هذا بالضبط ما خططت له الجماعة. ويقول نيكولاس هيراس "تغلغلت هيئة تحرير الشام في نسيج إدلب لدرجة أن الطريقة الوحيدة لإنهاء سلطتها هي اقتلاعها من المدينة، الأمر الذي سيؤدي إلى مقتل كثيرين ونزوحهم".

© The Independent

المزيد من الشرق الأوسط