للمرة الأولى داخل البلاد بمدينة غدامس (جنوب)، وبرعاية البعثة الأممية للدعم في ليبيا، بدأت أطراف الأزمة الليبية جولة تفاوضية جديدة في الحوار بالمسار العسكري، بهدف وضع اللمسات الأخيرة على اتفاقها التاريخي لوقف إطلاق النار في جنيف، الذي وقعته قبل أيام قليلة.
ومن المرجح أنها ستكون حاسمة في هذا المسار، الذي أفضى إلى أهم اتفاق (ليبي - ليبي) منذ بداية الصراع، نص على وقف دائم لإطلاق النار في المعارك المستعرة منذ سنوات طويلة شرق ليبيا وغربها.
وفي المقابل، استضافت موسكو لقاءً، وصفته مصادر ليبية بأنه "لا يقل أهمية عن ملتقى غدامس في تأثيره في مسار الأزمة". وجمعت المباحثات السفير الأميركي في ليبيا ريتشارد نورلاند، والمكلف من الرئاسة الروسية بملف أفريقيا والشرق الأوسط سيرغي بوغدانوف، في أول مشاورات مباشرة بين الطرفين حول النزاع.
مسار حاسم في غدامس
وتعليقاً على المفاوضات، قالت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا بالإنابة ستيفاني وليامز، إن "توافقاً كبيراً حصل بين اللجنتين في غدامس، حول آليات تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الدائم، وتشكيل اللجان الفرعية المختصة بتطبيقه"، مؤكدة "أهمية أن تنتقل روح المسؤولية إلى الطبقة السياسية في البلاد، وأن يتحلى السياسيون بالشجاعة نفسها التي أبداها العسكريون".
وكانت مصادر ليبية مطلعة قد أكدت أيضاً أن أجواء إيجابية سادت الحوار، الذي تعطل قليلاً بسبب غياب بعض الأعضاء الممثلة للشرق الليبي بخاصة، من وفد حرس المنشآت النفطية، بعد وفاة آمر القوات الخاصة التابعة للجيش الليبي، قبل انطلاق الحوار بيوم واحد.
تناقض يحير الشارع الليبي
المؤشرات الإيجابية التي يتلقاها الشارع الليبي جعلته في حيرة من أمره، تجاه المسار العام للحوار، وتكوين انطباع عنه، وتوقع مآلاته النهائية، لتناقضها مع موقف القيادات العسكرية لطرفي النزاع، وتصريحاتها التي تفصح عن عمق الهوة وتباين وجهات النظر بينهما.
آخر هذه التصريحات، صدر عن آمر إدارة التوجيه المعنوي بالقيادة العامة للقوات المسلحة اللواء خالد المحجوب، الذي قال "مباحثات اللجنة العسكرية في مدينة غدامس ستنظر في تشكيل لجان خاصة، للعمل على تنفيذ كل النقاط التي جرى الاتفاق عليها في جنيف".
وربط المحجوب بين عودة القوات المسلحة إلى ثكناتها وخروج المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا، مشدداً على أن "تأمين سرت سيكون من قِبل قوات المدينة نفسها".
وتخالف الشروط التي أعلنها الجيش ما تصر حكومة الوفاق على التمسك به، من استثناء تركيا من نصوص اتفاق جنيف، بالتالي بقاؤها في ليبيا، بحسب الاتفاقية الموقعة بين أنقرة وطرابلس، وهو ما أكده رئيس مجلس الدولة خالد المشري ووزير الدفاع في حكومة الوفاق صلاح النمروش، في تصريحات لهما، أثارت كثيراً من الجدل في ليبيا، خلال الأيام الماضية.
كما يناقض شرط الجيش الخاص بتولي قوات من داخل سرت حماية المدينة، مطالب حكومة الوفاق بالانسحاب منها، وإعلانها منطقة معزولة السلاح، وتسليم مهام تأمينها إلى قوة خاصة، تشكّل من الطرفين.
التمسك بخروج القوات الأجنبية من ليبيا والتشديد على كونه نصاً صريحاً في اتفاق جنيف لا يستثني أحداً، وعاملاً أساسياً لإتمامه، أكده الجناح السياسي لمعسكر الشرق الليبي، في تصريح لنائب رئيس مجلس النواب، أحميد حومة، قال فيه "الوقت سيثبت وسيحدّد مدى التزام كل الأطراف المعنية باتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا الموقّع بجنيف"، مشدداً على أن "البرلمان سيراقب عملية خروج كل المقاتلين الأجانب من الأراضي الليبية، في غضون ثلاثة أشهر".
تواصل التصعيد بين القاهرة وأنقرة
التصعيد في المواقف لم يقتصر على الأطراف المحلية فقط، بل شمل أيضاً أبرز الداعمين الدوليين والإقليميين لهما، خصوصاً مصر وتركيا. وبرزت التجاذبات في تصريح لوزير الخارجية المصري سامح شكري، أمس الاثنين، نفى فيه أي نية لبلاده في التعاون مع حكومة الرئيس أردوغان في الملف الليبي، مؤكداً أن "القاهرة لن تتعاون مع أنقرة بشأن التسوية السياسية في ليبيا".
ملمحاً في تصريحات صحافية إلى أن سبب رفض بلاده أي شكل من التعاون مع تركيا هو "سياسات الأخيرة في المنطقة، القائمة على دعم التطرف، ونقل المسلحين الأجانب والإرهابيين من سوريا إلى ليبيا". ولكن تركيا نفت أكثر من مرة إرسالها لجنود أجانب إلى ليبيا.
وكانت أنقرة قد عبرت أخيراً عن رغبتها في فتح باب الحوار مع القاهرة، حول عدد من الملفات الشائكة بين الطرفين، يأتي على رأسها الملف الليبي، الذي وتّر العلاقة بينهما خلال السنوات الماضية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وما ذكره وزير الخارجية المصري تصريحاً، أكده الرئيس عبد الفتاح السيسي تلميحاً، إذ انتقد ضمنياً الممارسات التركية في ليبيا، التي ما زالت تنتهجها حتى اليوم، في اتصال عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، ناقشا فيه الملف الليبي، ضمن عدة قضايا أخرى.
وذكر بيان للرئاسة المصرية أن "السيسي أكد لميركل موقف مصر الاستراتيجي الثابت تجاه القضية الليبية، لا سيما في ما يتعلق بدعم المباحثات الحالية في كل المسارات، وضرورة خروج المقاتلين الأجانب، وتقويض التدخلات الأجنبية غير المشروعة في الشأن الليبي، التي تُسهم في تأجيج الأزمة".
مباحثات روسية - أميركية
بعيداً من التصعيد، وفي خطوة لافتة طال انتظارها، استضافت موسكو أول مباحثات مباشرة بين روسيا والولايات المتحدة حول الأزمة، في لقاء جمع المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ودول أفريقيا ميخائيل بوغدانوف، مع سفير الولايات المتحدة لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، لبحث تسوية النزاع سياسياً، بحضور السفير الأميركي في موسكو جون سوليفان.
وقالت وزارة الخارجية الروسية، في بيان، "بوغدانوف ونورلاند ناقشا في مشاورات مفصلة تطورات الوضع في ليبيا وحولها، مع التركيز على حاجة الأطراف إلى الوفاء باتفاق وقف الأعمال العدائية، وإنجاز التسوية السياسية للأزمة، وفقاً لتوصيات مؤتمر برلين الدولي".
واعتبر الباحث والأكاديمي الليبي مرعي الهرام أن لقاء موسكو "خطوة مهمة ستدعم إنهاء النزاع عبر الحل السياسي". وقال، "في الحقيقة، اللاعبان الأساسيان الأكثر تأثيراً في الصراع هما واشنطن وموسكو، وإن كان ذلك غير ظاهر بوضوح في المشهد، لنيابة الوكلاء الدوليين عنهما في إدارة الأزمة بقيادة من الخلف منهما".
ويعتقد الهرام أن "انخراط موسكو عسكرياً في ليبيا، كان السبب المباشر للتدخل التركي بعد ذلك، بتوجيه من الإدارة الأميركية للجم التمدد الروسي ومواجهته، ومنعها من الانفراد بهذه الساحة الاستراتيجية الخطيرة، على ضفاف المتوسط، واتفاقهما اليوم سيكون الخطوة الأولى لمغادرة أنقرة المشهد، وبعدها كل القوات الأجنبية، ما يُسهم في دعم الحل السلمي للنزاع".