Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السعودية تستعد لـ "زراعة صحراء العراق" وحلفاء إيران مستنفرون

طهران تجفف الروافد وأذرعها تندب "المياه الجوفية"

مزارع عراقي يعمل على أرضه جنوب العراق ( غيتي)

تبدو الجماعات الموالية لإيران مستنفرة في مواجهة إعلان الحكومة العراقية إحراز تقدم غير مسبوق على صعيد التنسيق مع السعودية في مجال استثمار الرياض بمشاريع داخل العراق، بعد تخصيصها أراض ضمن بادية محافظة المثنى جنوب البلاد لاستثمارات المملكة الزراعية، في وقت بلغت فيه التفاهمات الاقتصادية السعودية - العراقية مراحل متقدمة، تمهيداً لاستثمارات واسعة.

ووجه الأمين العام لمجلس الوزراء حميد الغزي بـ "حسم ملف مساحة 150 ألف دونم في محافظة المثنى مع الجهات القطاعية المختلفة، لعرضها على الجانب السعودي خلال الأسبوعين المقبلين، وتقديم دراسة جدوى خاصة بالمشاريع، والمباشرة بتنفيذها".

شخصيات الصف الأول تتولى قيادة الحملة

ليست هذه المرة الأولى التي تواجه فيها محاولات العراق التعاون مع دول أخرى غير إيران بالعرقلة، إلا أن التوتر لدى الأوساط الإيرانية بلغ هذه المرة مستوى قياسياً، إذ لم تكتف أوساط طهران بإطلاق حملات إعلامية من طريق ترسانة الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي التابعة لها، بل قادت شخصيات من "الصف الأول" الموالية لها "حملة تأليب" ضد الاستثمارات السعودية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفيما وصف ائتلاف "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي المشروع بأن له "أهدافاً استعمارية، وأنه يفتح الباب أمام استعمار جديد تحت عنوان الاستثمار"، محذراً من "تداعيات خطيرة على أمن وسيادة البلاد"، وجّه زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي اتهامات للرياض بالتخطيط للاستيلاء على أراض عراقية.

تهديد رئة إيران الاقتصادية

يبدو أن حلفاء إيران في العراق يخشون ظهور مشهد تشجير البادية خصوصاً من شركات سعودية، الأمر الذي قد يفتح الباب أمام مزيد من الحماسة لاستقطاب الشركات الاستثمارية للمملكة.

ويشير رئيس مركز كلواذا للدراسات باسل حسين، إلى أن موقف تلك الجماعات ينطلق من "مساحة التماهي مع المصالح الإيرانية التي ترى في العراق جزيرة معزولة لها"، لافتاً إلى أنه "موقف يبتعد عن المصالح العراقية من خلال الاستماتة في طرد الاستثمارات غير الإيرانية".

ولعل ما يحفز طهران لدفع جماعات موالية لها في شنّ هجوم على الاستثمارات السعودية في العراق، بحسب حسين، هو أن تلك المشاريع السعودية ستكون "بوابة لربط العراق بشبكة مصالح مع دول مؤثرة إقليمياً ودولياً".

ويعتقد حسين أن المحركات الرئيسة لمواقف الجبهات الولائية ترتبط بـ "الخشية من نجاح تجربة الاستثمارات السعودية"، فيما يشير إلى محفز آخر يتعلق بمحاولات الفصائل الولائية "التمدد بالقرب من الحدود السعودية، لتكون طرفاً في الصراع الإيراني - السعودي".

في المقابل، يرى أستاذ العلوم السياسية قحطان الخفاجي، أن عوامل عدة تقف وراء "الهجمة الشرسة" على المشروع الاستثماري السعودي، على رأسها "مخاوف إيران من منافسة نفوذها المالي في العراق، مع عدم استعدادها لخسارة دولار واحد في ظل أزمتها الاقتصادية الخانقة".

ويوضح أن مخاوف طهران لا تقتصر على المشهد الاقتصادي وحسب، بل تشمل احتمال أن تؤدي تلك المشاريع إلى اندفاع العراق تدريجياً نحو عمقه العربي، وهذا ما تعمل إيران على صده طوال السنوات الماضية".

تمويل الميليشيات في مقابل السماح بالاستثمار

في مقابل الحديث عن مخاوف الجماعات الموالية لإيران من دخول السعودية على خط النشاط الاقتصادي في العراق، يرى مراقبون أن هذه الحملات تحمل بين طياتها رغبة في ابتزاز تلك الشركات، وتوجيه رسائل لصناع القرار الاقتصادي السعودي بأن إبرام العقود مع الحكومة العراقية ليس كافياً، بل يجب أن تسبقه اتفاقات مالية مع تلك الجماعات.

وعلى الرغم من وجود شركات أجنبية عاملة في العراق، إلا أنها تعاني بشكل متكرر ضغط جماعات مسلحة وأخرى عشائرية حتى في مشاريع بناء أضرحة دينية، كما يشير تقرير لصحيفة "المونيتور" الأميركية، في 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

ونتيجة التوترات الأمنية وسطوة الجماعات المسلحة، بات العراق أحد أكثر البلدان الطاردة للاستثمارات، نتيجة غياب البيئة الآمنة.

وكانت جماعة "أصحاب الكهف" الموالية لإيران أصدرت بياناً دعت فيه جميع العراقيين إلى الإبلاغ عن أية معلومات في شأن مستثمرين من دول عدة، بينها أميركا وبريطانيا والسعودية والإمارات، في مقابل مكافآت مالية تصل إلى 50 ألف دولار، الأمر الذي عدّه مراقبون إضراراً بالغاً بالبيئة الاستثمارية للبلد.

ويشير تقرير "المونيتور" إلى أن "المستثمرين العراقيين والأجانب يواجهون مطالبات بالتعويض من ميليشيات وعشائر مسلحة في العراق، ويختار معظمهم الانسحاب خوفاً من الانتقام العنيف إذا لم يلبوا المطالب، إذ عُلق أكثر من 6 آلاف مشروع بين عامي 2008 و2019".

ويتابع التقرير أن "شركة بتروناس الماليزية للنفط هددت بمغادرة حقل الغراف النفطي في محافظة ذي قار يوم 18 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في أعقاب توترات ناجمة عن سلوك أفراد القبائل الذين يعيشون بالقرب من الحقل".

ويلفت التقرير إلى أنه على الرغم من عرض هيئة الاستثمار عدداً كبيراً من المشاريع، إلا أن الرغبة في الاستثمار بالعراق باتت متضائلة من قبل الشركات الأجنبية والمحلية، نتيجة الابتزاز الذي تتعرض له من جماعات مسلحة أو عشائر.

وأواخر يوليو (تموز) الماضي، خصصت صحيفة "نيويورك تايمز" تحقيقاً مطولاً ناقش أساليب الفصائل الموالية لإيران في جني أموال الشركات من طريق تهديد المستثمرين وابتزازهم، كما في الحادثة التي أوردها التقرير، حيث تورطت كتائب حزب الله بابتزاز مستثمر لبناني في مطار بغداد، قرّر في نهاية المطاف مغادرة البلاد، وفقاً للتقرير.

في السياق ذاته، توعد قيادي بارز في فصيل النجباء بمواجهة أية محاولة لتجديد عقد إحدى الشركات البريطانية.

وقال نصر الشمري في تصريح مقتضب، "سنواجه وبحزم محاولة تجديد عقد شركة سيركو البريطانية المهيمنة على الأجواء العراقية، ففي البلد كوادر وطنية مدربة وجاهزة للعمل، ولسنا بحاجة للأجنبي. مسألة التجديد تعتبر شرعنة لاحتلال بريطاني طويل الأمد، وهذا ما لن نسمح به".

سردية المياه الجوفية

تعتمد الجماعات الموالية لإيران في مواجهة الاستثمارات السعودية على سردية أنها "تستنزف المياه الجوفية للبلاد"، من خلال ادعائها أن المشاريع مقتصرة على "زراعة الأعلاف خدمة لمصانع الألبان السعودية"، وهي الفكرة التي دأبت منصات متصلة بإيران على ترويجها بين جمهور المناطق المستهدفة بالاستثمار.

ويشير بيان قيس الخزعلي إلى أن "أضراراً اقتصادية ستلحق بمخزون العراق الاستراتيجي من المياه الجوفية التي تحويها هذه الأراضي، بسبب نوعية المزروعات التي يراد استغلال مياه العراق من أجلها".

في حين شدد ائتلاف دولة القانون على ضرورة ايقاف رخصة المشروع، بدعوى أنه "يسهم في الإضرار بمخزون العراق الاستراتيجي من المياه الجوفية". 

وتقصّت "اندبندنت عربية" عن طبيعة المشروع الاستثماري الذي تم الإعلان عنه من خلال التواصل مع وزارة الزراعة العراقية، التي نفت بدورها أن يكون مخصصاً للأعلاف، مؤكدة أنه يشمل زيادة الإنتاج الزراعي والمساحات الخضراء.

ويقول المتحدث باسم الوزارة حميد النايف، إنه "من واجب الوزارة حماية المياه الجوفية باعتبارها مصدراً للأجيال القادمة، وهي تدرك بالتأكيد أخطار زراعة الأعلاف لتأثيرها في التربة، واستهلاكها كميات كبيرة من المياه".

ويؤكد نايف لـ "اندبندنت عربية"، أن "العقد الاستثماري في بادية السماوة يهدف إلى استثمار الأراضي في زيادة الإنتاج الزراعي للمحاصيل المختلفة، وتوسيع المساحات الخضراء، وتشغيل الأيدي العاملة".

وأشار إلى أن العقد "يتضمن المنتجات الزراعية المختلفة كماً ونوعاً، وليس مخصصاً لزراعة الأعلاف"، مشيراً إلى أنه "من البدهي أن تكون نهاية كثير من المحاصيل الزراعية هي الأعلاف، إلا أن المشروع مع السعودية لا يستهدف زراعة الأعلاف" كما في الحملة التي تشنها أوساط عراقية مقربة من إيران.

لماذا الصحراء وليس ضفاف الأنهار؟

لعل ما يرجح الغايات السياسية لتلك الجهات في استهدافها الاستثمار السعودي في العراق، هو عدم إبدائها أي مواقف في شأن شح الموارد المائية في الأنهار المشتركة بين العراق وإيران، نتيجة إنشاء الأخيرة مجموعة كبيرة من المشاريع عليها، في حين تعبّر عن مخاوفها بشكل كبير على "المياه الجوفية".

في المقابل، يصف المستثمر الزراعي العراقي رمضان البدران، تصريحات الجهات القريبة من إيران بأنها "سياسية صرفة وغير علمية"، لافتاً إلى أنها تؤكد بشكل واضح "تمدد الأجندات السياسية والطائفية بشكل خطير لرسم ملامح الاستثمار الوطني".

ويضيف أن "منطقة البادية العراقية مهجورة وغير مستثمرة منذ قرون، وأي استثمار فيها يمثل فرصة لتفعيل مفصل مهم من مفاصل الاقتصاد العراقي"، مردفاً، "لا يمكن لأي مستثمر المجازفة بأمواله للإضرار بالعراق من خلال استنفاذ مخزونات المياه الجوفية المهملة أصلاً".

ويشير البدران إلى أن "مدة وجدوى المشروع تعتمدان على ديمومة وطول مدة توفر المياه، ولهذا فإن المستثمر سيمارس أقصى درجات الترشيد في استعمال المياه". مستدركاً، "هناك مسوحات ودراسات كافية لدى وزارة الموارد والزراعة في تحديد مواقع المياه الجوفية وكمياتها ونوعياتها، فضلاً عن محدودية المساحة المخطط استثمارها والتي لا تتجاوز 150 ألف دونم".

ويلفت المستثمر الزراعي إلى أن "هذه المحاولة ذات أهمية كبيرة، كون السعودية تمتلك خبرة عالية في استزراع المناطق الصحراوية بطرق وتقنيات حديثة، إضافة إلى إعادة نشر النشاط الاقتصادي العراقي، وتوزيع الاستيطان وتقليل الضغط على المناطق الحضرية وتوزيع السكان".

ويتابع، "اقتصادياً العراق بحاجة إلى زيادة فرص التصدير وتقليل الاستيراد، فالمياه التي يتم استقطاعها من حصص العراق الواردة عبر روافد نهري دجلة والفرات والقادمة من تركيا وإيران، لم تتسبب فقط في طمس مساحات واسعة من المناطق الزراعية، بل قوضت مجتمعات كانت تمتهن الزراعة وجعلتها جماعات مستهلكة".

ويلفت البدران إلى أن "ما يدفع السعودية للاستثمار في الصحراء العراقية على الرغم من التكاليف العالية، هو عدم إمكان أن تستثمر شركاتها في الأرياف العراقية المطلة على نهري دجلة والفرات، نتيجة التهديدات المتزايدة للجماعات الموالية لإيران، والتي يمكن ملاحظتها بشكل يومي ضد أي محاولة استثمارية غير إيرانية، أو لا تحظى بتنسيق إيراني أو فصائلي".

ويختم، "في مقابل قطع المياه من قبل تركيا وإيران، يتوسع القطاع الزراعي في البلدين باستثمار حصص العراق المائية، ومن ثم تمتهن وتحتكر السوق العراقية لتصبح امتداداً لأسواقهما المحلية".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي