عانت ليبيا من ثقلِ جارتها الغربية الكبرى الجزائر ومن أزماتها، ففي العهد الاستعماري احتلت فرنسا جنوب ليبيا انطلاقاً من الجزائر المحتلة أثناء الحرب الكبرى الثانية، ولم تخرج من ولاية فزان إلا عقب استقلال ليبيا بأربع سنوات أي في عام 1956، وكذلك انعكست عليها أثار التجارب النووية التي أجرتها فرنسا في الجزء الجزائري من الصحراء الكبرى عام 1958.
وانبثقت توترات حول رسم الحدود على إثر استقلال الجزائر 1962، الذي ساهمت فيه ليبيا بدعم شعبي ورسمي للثورة الجزائرية، توج بأهم خطوة سياسية جزائرية ما عرف باتفاق طرابلس، وقد خيمت هذه التوترات خلال مرحلة سيطرة القذافي على ليبيا خاصة مع ميول القذافي الناصرية وتوجهه لمصر وللمشرق العربي، وفي فترة العشرية السوداء الجزائرية استثمر القذافي الأزمة الجزائرية ولعب على الحبلين لأجل توطيد نفوذه ودعم مصالحه في أفريقيا!
أما أثناء الثورة الليبية في فبراير 2011 وموجة الربيع العربي، فقد انحاز بوتفليقة للقذافي، لدرء أثار ذلك الربيع، ولتعزيز نفوذه في طرابلس خاصة بعد تفاقم الوضع الليبي وتأزمه. وتدهورت العلاقات مع تأزم الجزائر بعد مرض عبد العزيز بوتفليقة، الذي أمسى شبحاً تحكم به الجزائر ما نُعتت على المستوى الشعبي والرسمي بالعصابة بقيادة "سعيد بوتفليقة" أخ الرئيس الشبح، حيث في هذه المرحلة اعتبرت "العصابة" الوضع الليبي كمساحة لتصدير أزمة الجزائر المضطردة بالصراع على السلطة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الآن سقط شبح بوتفليقة بعد انطلاق ربيعها في فبراير 2019، وإن لم تنته الأزمة الجزائرية بحلّ حاسم فإن "العصابة" التي كانت تساهم في الأزمة الليبية بشكل سلبي قد ذهبت أدراج الرياح، ومات بوتفليقة السلطة الغاشمة، السؤال ما تأثير ذلك على ليبيا التي تحشد لمؤتمر "سلامة" الجامع في خيمة "غدامس" بين يومي 14 و16 أبريل (نيسان) 2019؟
هذا المؤتمر، على حسب قول غسان سلامة المبعوث السامي للأمم المتحدة، مؤتمر للتجميع. جمع من فرقاء ليبيين عدة كما تصور سلامة، وفي هذا الحال المقاطعة كما المشاركة ليست في يد أي فريق، فالأمر البيِّن أنه قرار دولي الذي بقدر ما يُمنح من دعم تأتي الرياح بما يشتهي، وكأني بهذا أن الليبيين وجودهم زايد ناقص، أي تحصيل حاصل. فالمؤتمر خارج عن إرادتهم، وأنه فعل في يد الفاعل كما "مؤتمر رونالدينو" في الصخيرات 2015! وأن نتائجه في هكذا حال على الطاولة والتواجد غير الفاعلين لليبيين ينتجان التوقيع لزوم ما يلزم شكلاً، فالموضوع عند غياب الفاعلية الليبية عند الفاعل غسان سلامة الذي يريد القفز من حفرة الصخيرات ووضع بصمته، وعندئذ يكسب الجولة حتى لو لم يكسب حصانه الرهان فقد دخل المضمار وخاض السبق.
والجمع المدعو من فرقاء المشهد السياسي الليبي غير الرسمي والغامض والمرتبك بنيوياً، وعليه فالغرض المبدئي رمزي الدلالة أي من كل مقام نغمة تحوصل اللحن الليبي، مهمة هذا الجمع التوافق على إصدار وثيقة وطنية بمثابة مبادئ عامة توافقية "ماجنا كارت"، ومن ثم برنامج إجرائي لهذه الوثيقة، ما صرح سلامة أنه حصل على الدعم له وسماه مسبقا بـ "التوصيات".
ناتج مؤتمر سلامة طرح ناتج الصخيرات، وجمع الليبيين لإنتاج قوة رمزية من ذاك الطرح وذا الجمع، ما هو بمثابة قوة جديدة لمرحلة انتقالية قصيرة ونافذة تشرع بوثبة إلى المرحلة الختام المسك، هذا تقريباً ما يمكن استخلاصه من مراسيل سلامة، ما هدفه الفوز بضربة قاضية ما الجولات المسبقة جولات تمهيدية لأجلها.
وإنّ الدعم المسكوت عنه لمؤتمر سلامة الانجاز الليبي لإنهاء الحرب التي شعارها مكافحة الإرهاب المدعومة دولياً، والأهم دعم الشعب الليبي ما انتهى من خلافاته الحربية التي يريد موحدا جنّي نتاجها: السلام.
سقوط شبح بوتفليقة الغيمة غير المنتظرة التي تروي أرض المؤتمر العطشى للسلم والأمان، والآملة في الديمقراطية ولو في حدها الأدنى، والمصادفة أن غدامس كمقر لعقد المؤتمر في أقصى الغرب الليبي عند الحدود التونسية الجزائرية، ما يعني أن الانتخابات التونسية المزمع عقدها هذا العام مع الربيع العربي الجزائري سيخيمان على أجواء غدامس، ما ستطاله أيضا بشائر ربيع السودان التي طال أمدها.
مؤتمر غدامس الليبي ليبي! ينعقد في إطار حراك مماثل لثورة فبراير الليبية والربيع العربي، وما أنتجه من حراك شعبي وتغييرات لا مثيل لها في المنطقة، وما لبسه العالم من سترات صفر.
وذا المؤتمر كأنه تكملة للقاء غدامس الأول الذي عقد منذ سنوات خمس، وسمى الأشياء بأسمائها مثل الإرهاب ومن ورائه وشجب ذلك، ودعا للدولة المدنية الديمقراطية التي الساعة زاد دعاتها والعاملون من أجلها وداعموها في الشمال الأفريقي حيث النجاح التونسي وسقوط شبح بوتفليقة.