Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مصائب كورونا فوائد عند المتطرفين والمافيا في إيطاليا

تحذيرات من إمكانية استغلالهما الفوضى السائدة في البلاد جراء تصاعد الفقر وتهاوي التحالفات السياسية

حقق باسكال تيليسي رقماً قياسياً في موسوعة غينيس لتحضيره وخَبْزِه شريحة بيتزا مقمّرة طولها 7.15 متر. وقد سافر في زمن ما قبل الجائحة، ومعه فرنه الجوّال، كي يوصل تقاليد المطبخ النابوليتاني (من مدينة نابولي) إلى جميع أنحاء شبه الجزيرة الإيطالية. ويشتكي "الشيف" تيليسي من حالة هذه الأيام مشيراً إلى أن "الصقور" (أي المتعصّبين) يشترون مطاعم البيتزا المشرفة على الإفلاس، وبالتالي يعرِّضون أعرق فنون المطبخ الإيطالي للخطر.

في إطار متصل، أُعلن مؤخرا عن تدابير جديدة في إيطاليا بهدف احتواء طفرة تفشي الفيروس الطارئة، إذ فُرض، وفقاً لهذه التدابير، على جميع الأعمال والمصالح الإغلاق عند الساعة الـ6 مساء، إضافة إلى المسارح ودور السينما والأندية الرياضية، لمدة شهر. وفي المقابل، فاقمت هذه التدابير المستجدة ورطة أصحاب المصالح والمؤسسات والعاملين فيها، الذين لم يتعافوا بعد من الإغلاق الشامل السابق، الذي يعتبر واحداً من أقسى الإغلاقات التي شهدتها أوروبا.

في هذا السياق، يحذر البعض من أن يترافق تصاعد الفقر وتهاوي التحالفات السياسية، مع استغلال عصابات الجريمة المنظمة وميليشيات الفاشية الجديدة الظرف الراهن بهدف ملء أيّ فراغ مالي أو سياسي يحصل، من شأنه أن يُرخي على إيطاليا في المدى البعيد ظلالاً أكبر من الجائحة نفسها.

في المقابل، تزامناً مع انتشار الاضطرابات العامة في الشوارع الإيطالية اعتراضاً على التدابير الجديدة التي أعلن عنها مؤخرا، حمَّل سياسيون من مختلف ألوان الطيف الحزبي، المسؤولية للحكومة الإيطالية ورئيسها جوسيبي كونتي. وفي السياق نفسه، تعهّد زعيم اليمين الإيطالي ماتيو سالفيني بمواجهة التدابير الجديدة قانونيّاً في المحكمة، فيما وجّه رئيس الوزراء الأسبق والزعيم اليساري ماتيو رينزي دعوة إلى رئيس الوزراء كي يعدّل تلك التدابير، على الرغم من تصويته لمصلحتها، كونه جزءاً من الائتلاف الحاكم. وبالتوازي مع ذلك الاختلاط في المواقف، سخرت الصحف من التقارب السياسي المفاجئ بين اليمين واليسار. فنشرت صحيفة "لا ريبوبليكا" La Repubblica شريط رسومات ساخرة أطلقت فيه على القائد اليساري رينزي اسم "سالفيني من دون أعراض" asymptomatic Salvini.

بيد أن أولئك المستميتين في إنقاذ مصالحهم وأعمالهم من خطر الإفلاس، لم يتحلّوا بذاك المزاج الساخر والضاحك. إذ إن الشيف تيليسي الذي يرأس أيضاً اتحاد "نابولي الصغرى" لمالكي المطاعم، والمساهم في تنظيم التظاهرات المعترضة على التدابير، ذكر أن الإقفال عند الساعة الـ6 مساءً يقضي على خدمات تقديم المقبلات والعشاء، مشيراً إلى أن ذلك يعني دَفع بعض المطاعم إلى خسارة حوالى 90 في المئة من مداخيلها، مقابل بقاء نسب الضرائب وقيمة التكاليف الثابتة على حالها.

في هذا الإطار، اشتكى حوالى 200 مالك مطعم، ممّن يضمهم اتحاد "نابولي الصغرى"، من أنّهم استثمروا سلفاً في تطبيق تدابير السلامة والمباعدة الاجتماعية، ثم جاء الإغلاق الجديدة مرّة أخرى.
كذلك عمد بعض أولئك المستميتين في الحصول على المساعدات داخل مناطق الجنوب الإيطالي، إلى الاستعانة بالمافيا، المعروفة بتقديمها دعماً مالياً لعائلات تعاني العوز. وفي السياق، حذرت وزيرة الداخلية الإيطالية، لوتشيانا لامورغيسي، من "استغلال المافيا تنامي الفقر، إذ تنقضّ من خلاله كي تُجنّد الناس وتضمهم إلى صفوفها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


على نحو مماثل، جاءت التظاهرات السلمية المعترضة على حظر التجوال، كي تمنح مجموعات اليمين المتطرف والفاشيين الجدد فرصة في تأجيج الاضطرابات الاجتماعية. وشهدت نابولي أعمال شغب أُضرمت النار خلالها بمستوعبات النفايات، وأُلقيت قنابل حارقة على مقرّ الإدارة الإقليمية.

كذلك جرت في مدن روما، وتورينو، وميلانو، تظاهرات عنيفة ضمّت مئات الأشخاص تطالب بـ"التحرّر" من "الدكتاتورية الصحية"، وقد اشتبك مشاركون فيها مع عناصر شرطة مكافحة الشغب. كما تعرّضت متاجر السلع الفاخرة، من بينها متجر "غوتشي" للأزياء، إلى النهب في وسط مدينة تورينو، فيما ألقى متظاهرون في ميلانو قوارير زجاجية وقنابل "مولوتوف" حارقة، ما أدّى، وفق وسائل الإعلام المحلية، إلى جرح عنصر من الشرطة. وردّت فرق مكافحة الشغب بإلقاء قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريقهم.

في تطور متصل، أكدت الشرطة خبر اعتقال عناصر مليشياوية من اليمين المتطرف، الذي يعتبر عموماً مسؤولاً عن إثارة العنف. وعن هذه المظاهر العنفيّة، أشار الشيف تيليسي إلى إنه "إذا تظاهرت بهدف إنقاذ أعمالك ومصالحك، فإنّك لا تُقدم على تحطيم واجهات متاجر ومصالح آخرين يعانون مثلما تعاني". بيد أنّ تيليسي أقرّ أيضاً بتفشي مشاعر الإحباط في أوساط أصحاب المصالح. فذكر إنه "عندما يجوع الذئب، فإنّه يذهب للصيد خارج الغابة".

في أكثر من معنى، ليس الجوع مجرّد توصيف مجازي في تلك المدينة الإيطالية (تورينو) الواقعة على الساحل الجنوبي، حيث بات الفقر أكثر إثارة للرعب من فيروس كورونا. وقد خصّص الاتحاد الأوروبي هذا الصيف 750 مليار يورو كدعم للتعافي الاقتصادي بغية تفادي كساد مديد في إيطاليا ربما يؤدّي إلى زعزعة اليورو. إذ يُعاني فيه ثالث أكبر اقتصاد (الاقتصاد الإيطالي) الآن، ثاني أعلى دَين عام بعد اليونان. واستطراداً، يبدو احتمال الاضطراب الاجتماعي إزاء هذا الوضع، بحسب عالم الاقتصاد أندريا فوماغالي، احتمالاً واقعياً جداً إذا تهاوت المصالح والمؤسسات وبدأت في صرف عمالها وموظفيها. وفي حديث مع "اندبندنت"، ذكر فوماغالي، أستاذ الاقتصاد في جامعة "بافيا"، أنّه "ثمة تدابير اعتمدتها الحكومة (بهدف مساعدة الأعمال والمصالح في ظلّ الجائحة)، بيد أنّها جاءت متأخرة وعديمة الفاعلية".

وبفضل دعم التعافي الذي منحه الاتحاد الأوروبي، بات لدى إيطاليا الآن سيولة نقدية أكبر ممّا توفر لديها إبّان الموجة الأولى من الجائحة. في المقابل، ستتوقف الأمور بدرجة كبيرة على قدرة الحكومة الإيطالية في إيجاد سبل نافعة وعادلة حين يُوزّع الدعم. في هذا الصدد، ذكر فوماغالي أن "المشكلة لا تتمثّل في الافتقار إلى المال، بل في الميل إلى مساعدة قطاعات الأعمال الكبيرة والمتوسطة، بدل توجيه الدعم إلى العمال المستقلين والمشتغلين في المهن غير الثابتة".

تذكيراً، أدّت أزمة فيروس كورونا إلى إخراج نصف مليون عامل إيطالي من سوق العمل، على الرغم من التدابير التي اتخذتها حكومة بلادهم بهدف تجميد عمليات التسريح. وترى تقديرات عدة أن إيطاليا، واليونان وإسبانيا، لديها الحصّة الأكبر من الاقتصاد السفلي (السوق السوداء) الذي تنتشر فيه مظاهر تشغيل العمّال من دون عقود وضمانات ورعاية اجتماعية وصحية.

وحاضراً، تتنامى مشاعر عدم الثقة بنوايا الحكومة وقدرتها في تأمين الدعم المطلوب لتعويض خسارة المداخيل، [وتمتد] من شمال إيطاليا إلى جنوبها. في هذا الإطار، تحدّث مع "اندبندنت" أندريا بينزو أييللو، رئيس "اتحاد الأعمال الموحد" في مدينة "تريفيزو" (شمال إيطاليا) وأحد منظمي التظاهرات في منطقة "فينيتو" في الشمال الايطالي، فاعتبر التدابير الجديدة التي اتخذتها الحكومة "إغلاقاً مقنّعاً". وأوضح أنه "لم تكن للحكومة القدرة الاقتصادية في توفّر الدعم والمساعدة إبان الموجة الأولى (من الجائحة)، لذا عمدوا الآن إلى فرض حظر تجوال لا يتطلب مظاهر المساعدة ذاتها التي كانوا سيُجبرون على تقديمها لو أنهم فرضوا إغلاقاً شاملاً".

إذ تعرضت تعويضات نهاية الخدمة والاحتياطيّة لتأخيرات أساسية، في حين ما زال مئات آلاف العمال بانتظار تلقي مساعداتهم المستحقة. ويذكر أييللو إنه "بوصفنا أصحاب أعمال لدينا موظفون، نشعر بالخجل إذ نخبر عمالنا بأنّه علينا وقف رواتبهم حين لا نعلم إن كانت الحكومة ستتدخل". وبسببب الجائحة، أُجبِرَ بينزو أييللو الذي يملك حانة في "تريفيزو" على إغلاق فرع جديد لحانته كان من المنتظر افتتاحه وإطلاقه رسمياً، وذكر أنّه خلال الإغلاق العام الذي بدأ في 3 أبريل (نيسان) ودام أكثر من شهرين، تولى إقراض المال إلى موظفين يعملون في مؤسسته، لأنه "لم يعد لديهم المال الكافي لشراء الخبز والحليب". وبناء على ذلك، رأى أنّه "لا يمكن للحكومة أن تفرض علينا تدابير جديدة حين يعجز الناس عن تلبية حاجاتهم الأساسية".

وقد ردد متظاهرون في جميع أنحاء إيطاليا ذلك الموقف الذي عبر عنه أييللو، وطالب عديد منهم بتخفيض الضرائب أو تجميدها. واستحضرت هذا المواقف أيضاً لافتة رُفعت في روما ورد فيها "إن لم يعُد العمل حقاً من الحقوق، فإن دفع الضرائب لا يعود ملزماً".


في تعليق على تلك المعطيات، ذكر المحامي أندريا بيساني الذي يرأس اتحاداً للمستهلكين في منطقة نابولي، إن "الخوف الأكبر (الآن) يتمثّل بالفوضى". أضاف، "الأعمال والمؤسسات عاجزة عن الاقتراض من المصارف لأن الأخيرة لا تثق بالحكومة. عندما تنفجر هذه الفقاعة، فإننا جميعاً سنتناثر". واستطراداً، دعا الحكومة إلى "التحرك أسرع من جماعات المافيا" لتقدم الدعم إلى قطاع الأعمال الصغيرة والعمال المستقلين الذين يواجهون خطر السقوط وخسارة مواردهم.

من جهة أخرى، على الرغم من الانتقادات والتظاهرات التي عمّت البلاد، فقد رفض كونتي التراجع. وذكر رئيس الوزراء الإيطالي أن "القرار اتُخذ وأُقرّ ولن يتبدل. إذ لا يمكننا الكذب على أنفسنا والتفكير أن بإمكان الناس الخروج والتجوّل والذهاب إلى المطاعم، من دون خشية (من الإصابة بالعدوى)". كذلك وعد بالإسراع في تأمين ميزانية الدعم البالغة 5 مليارات يورو لمن هم بأمس الحاجة إليه، لكن يبدو أن قلّة من المتظاهرين تميل إلى تصديق هذا الوعد. إذ سرعان ما وُجّهت الانتقادات إليه لفشله في استغلال أشهر الصيف، حين تمت السيطر على الجائحة عموماً، والعمل على إعداد استراتيجية متماسكة تطبق خلال الموجة الثانية منها.

جاء فرض حظر التجوال الأخير في أعقاب تدبيرين سابقين أشعلا سجالات حامية حول مسألتَي إغلاق المدارس والسفر بين المناطق. وقد اعتُبِرَتْ تلك القرارات بمثابة علامات تشير إلى قلّة التخطيط المسبق. في المقابل، ليس من حزب سياسي أو بلد يمكن اعتباره مالكاً لوصفة سحرية تستوعب الجائحة من جهة، وتُبقي على حياة الاقتصاد المرضوض، من جهة أخرى.

تذكيراً، سجّلت إيطاليا الثلاثاء المنصرم رقماً قياسياً في عدد الإصابات بـكوفيد- 19 بلغ 21994 إصابة جديدة و221 وفاة. وبفعل هذا الرقم لاح شبح الإغلاق المحلي، أو حتى الوطني، مرة أخرى. وبدت مدينتا ميلانو ونابولي الأكثر ترجيحاً للانضمام إلى خانة "المناطق الحمر" (الأكثر إصابة بالفيروس)، حيث سيتوجب حظر الحركة إن استمر منحنى الإصابات بالارتفاع.

بالنسبة إلى رئيس الوزراء جوسيبي كونتي، يبقى الهدف الأساسي الآن متمثلاً في "معاودة السيطرة على المنحنى الوبائي"، لأنه "سيسمح لنا بأن نكون في حالة أفضل مع حلول عيد الميلاد". في المقابل، ليست الإجازات وفرص الأعياد وحدها على المحك. ووفق رئيس الوزراء، يتمثّل ما ينبغي المحافظة عليه بصورة عاجلة في الوقت الراهن، هو "استقرار النظام الاجتماعي والاقتصادي برمّته".

© The Independent

المزيد من تقارير