جهود بريطانية لتجنيب الأطفال الجوع توضح نأي الحكومة عن الناس

حدث أمر جميل في 24 أكتوبر (تشرين أول) 2020. ردّاً على قرار الحكومة البريطانية بعدم تمديد وجبات المدارس المجانية خلال فترات عطلات المدارس، أطلقت عشرات المجالس والمنظمات الخيرية والشركات مبادرات داخل مجتمعاتها المحلية من أجل تجنيب الأطفال الجوع. ولم يحلّ منتصف النهار قبل أن ينشر حساب [لاعب فريق "مانشستر يونايتد"] ماركوس راشفورد على "تويتر" نحو 100 مثل [عن تلك المبادارات] امتدت من كورنوول إلى دورهام ومن إيستبورن إلى ويغان. وراح يضيف مثلاً جديداً كل بضع دقائق.

يخبرنا ردّ الفعل اللافت ذلك أمراً مهماً عن الموقع الذي وصلنا إليه كبلد وعن مدى ابتعاد الحكومة عن المزاج العام. كذلك يخبرنا أنه في أعماق مجتمعاتنا المحلية، ثمة تعاطف وطاقة متجذّرين.

ولا شك أن الاستجابة "للرفض الحكومي الكبير" بشأن الوجبات المدرسية المجانية تضاف إلى فورة النشاط التي قابلت الجائحة [كورونا] والحجر. وكذلك لم تنتهِ بعد روحية التعاون والعمل المجتمعي المشترك التي فعّلت أموراً كثيرة في سبيل دعم الاستجابة الرسمية للأزمة. وتبدو هذه الأنباء مهمة في سياق التصدّي للموجة الثانية من كوفيد-19 والقيود الجديدة.

في المقابل، يظهر ذلك التصرف أيضاً أن المجتمعات المحلية أكثر حكمة من ويستمنستر [مقر الحكومة البريطانية]. إن خطاب غافن ويليامسون (وزير التربية) في مجلس العموم الذي أعلن فيه رفض مطالب ماركوس راشفورد، لم يكن في الجوهر سوى لائحة طويلة تعدّد كافة الأموال الإضافية التي تورد الحكومة أنها وضعتها في نظام الرعاية الاجتماعية. وبالاستماع إلى الخطاب، يعتقد المرء أن فقراء البلاد يعيشون حياة ترف على حساب دافعي الضرائب. ويعرف من يعيشون في أكثر مناطق البلاد حرماناً أن هذا الرأي غير صحيح. وكذلك يعرفون أيضاً أن المال المقدّم من الشرائح المجتمعية الميسورة غير كافٍ، إذ يحتاج الناس إلى دعم حكومي مناسب، ويحتاجون أيضاً إلى الإحساس بالمقدرة الشخصية، وإلى الشعور بالاحترام والقوة. واستطراداً، إنهم يحتاجون إلى أن يشكّلوا جزءًا من مجتمعات نشيطة وقوية تستطيع إحداث التغيير على النطاق المحلي. ولذا، تكون فورة النشاط الحالية مهمة للغاية.

إنها ليست نسخة محدّثة عن المجتمع الكبير، أو محاولة نقل المال من الخدمات العامة المقلّصة، إلى المجتمعات المحلية. لا بد من أن يكون ما يجري أعمق بكثير. وكذلك ينير طريق تغيّر حقيقي في أسلوب تقديم الخدمات العامة ودعم من يكون وضعهم سيّئاً، بل إنه يصل إلى حدّ كونه ممارسة في السياسة. إذاً، إنه بداية تحرّك نحو نموذج جديد يعتبر المواطنين على اختلاف مكانتهم الاجتماعية أو ثرواتهم، شركاء قيّمين ومتساوين لدى الدولة، ويحوزون دوراً يؤدونه في تصميم مسار الخدمات التي يعتمدون عليها والأماكن التي يقطنونها. والآن، بات المواطنون الذين يعملون مع أجهزة الخدمات العامة المحلية، هم من يقدّمون الدعم إلى المواطنين الأكثر فقراً داخل المجتمعات المحلية وليس الوزارات الحكومية الموجودة على بعد مئات الأميال في وايتهول (منطقة الوزارات ومقر البرلمان والحكومة في وسط لندن).

إنها قوة المجتمع المحلي. وتمثّل حركة تتأصل أكثر فأكثر في الحكومة المحلية. انظروا إلى المجالس المحلية كتلك التي في إيست إرشير East Ayrshire في اسكتلندا التي تصمم خدماتها استناداً إلى مخططات وضعتها المجتمعات المحلية. و[ينطبق وصف مماثل على] إيسكس Essex التي تضع مسألة إدارة برامج التعافي من المخدرات والكحول في يد من يمرّون بمرحلة التعافي أنفسهم. وكذلك الحال في نيوهام التي أعلنت تأسيس مجلس مواطنين دائم. وهذه ليست سوى ثلاثة أمثلة من بين عشرات الأمثلة، كبيرة وصغيرة.

في مسار متصل، كتب توم بولارد، خبير التوظيف والعامل في الشؤون الاجتماعية على "تويتر" قبل بضعة أيام، "تخيّلوا لو كانت لدينا حكومة تسخّر طاقة (المجتمعات المحلية) بدل أن تستفزها". لكن الأمر أسوأ [من ذلك الوصف]، إذ تبدو الحكومة عازمة على قمع قوة المجتمع المحلي. إن ميول "داونينغ ستريت" [مقر الحكومة] نحو المركزية التي ظهرت بأقصى أشكالها مؤخراً عندما فرضت قيوداً من ثلاثة مستويات على منطقة مانشستر الكبرى، تنزع السلطة والموارد من يد الإدارات المحلية. ونتيجة لذلك، تضطر المجتمعات المحلية للاكتفاء بسدّ الفراغ في نظام الرعاية الاجتماعية الفاشل، وتحقق مجرّد تغيير هامشي في نظام سياسي تديره ويستمنستر.

في المقابل، ثمة بديل صاعد. ويتمثّل في خدمات عامة تحظى بتمويل جيّد، وسياسات رعاية محترمة وإنسانية، لا تديرها الحكومة بل المجتمعات التي تعتمد عليها. وننتظر وصول حكومة تفهم مدى قوة هذا البديل. وفي هذه الأثناء، تبدأ المجتمعات والمجالس المحلية بتولّي زمام الأمور.   

( آدم لينت مدير "نيو لوكال"، مركز أبحاث وشبكة مستقلّة هدفها تحويل الخدمات العامة وتحرير قدرات المجتمعات المحلية وقوّتها)