Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قانون الانتخابات العراقي لا يلبي إرادة المحتجين وانفلات السلاح يثير مخاوفهم من المشاركة

"على الرغم من احتمال أن يقلل من قوة رؤساء الكتل وتأثيرهم، إلا أنه لا يمثل إرادة المتظاهرين الذين طالبوا بدوائر متعددة صغيرة"

محتجون عراقيون يحملون صور رفاقهم الذين قُتلوا خلال التظاهرات (رويترز)

بعد خلافات حادة بين القوى السياسية دامت أشهراً طويلة، صوّت البرلمان العراقي على ملحق قانون الانتخابات المتعلق بتقسيم الدوائر الانتخابية في كل محافظة، فيما يتزايد الجدل حول ما إذا كان هذا القانون يمثل دافعاً إضافياً لمقاطعة الانتخابات المقبلة.
وتضمن القانون الجديد اتفاق الكتل السياسية على تقسيم الدوائر الانتخابية، مع اعتماد الكوتا النسائية، إلى 83 دائرة في عموم البلاد، بينما يتراوح عدد المقاعد في كل دائرة بين ثلاث و خمسة مقاعد.
وأقرّ البرلمان القانون في 17 محافظة، فيما تستمر الخلافات حول كيفية تقسيم الدوائر الانتخابية في محافظة كركوك، نظراً إلى التعقيدات السياسية والخلافات الحادة بين الأجنحة السياسية الرئيسة هناك.

التوافق بين المكونات

وبالرغم من تصويت البرلمان على آلية توزيع الدوائر الانتخابية في محافظة نينوى، بعد خلافات حولها، إثر اعتراضات نواب من داخل مدينة الموصل على "إضافة أحياء من داخل المدينة إلى الأقضية والنواحي خارجها"، فيما يتلخص السبب الآخر بـ "اتفاق بعض الكتل العربية والكردية على تقسيم سهل نينوى المكون من ثلاث وحدات إدارية، وإضافتها إلى مناطق بعيدة عن السهل".
أما في محافظة كركوك، وبالرغم من اتفاق القوى السياسية على تقسيم المحافظة إلى ثلاث دوائر انتخابية بحسب مكوناتها الرئيسة من العرب والكرد والتركمان، يستمر الخلاف على حدود كل دائرة وعدد مقاعدها.
وكان نائب رئيس البرلمان بشير الحداد، أشار الإثنين 26 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي إلى أن "التصويت على الدوائر الانتخابية في محافظتي كركوك ونينوى لا يمكن أن يمر من دون التوافق بين ممثلي المكونات"، ما يعده مراقبون تأكيداً على الصياغة التي ترسخ الطائفية والقومية في الانتخابات المقبلة.

تقسيمات طائفية وقومية

وتبدو التقسيمات الطائفية والقومية واضحة في إطار القانون الجديد، خصوصاً في المدن المشتركة بين الطوائف والقوميات المختلفة، الأمر الذي ربما يشكل دافعاً آخر للمقاطعة.
في السياق، رأى رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري أن "المشكلة الرئيسة تتعلق بمعايير الانتخابات التي طالب بها المحتجون، خصوصاً إبعاد تأثير السلاح المنفلت والمال الفاسد عنها، وتوظيف موارد الدولة والدعم الخارجي". وأضاف الشمري أن "خطوط الطائفة والقومية" كانت واضحة في خريطة تقسيم الدوائر الانتخابية في المناطق المشتركة، مبيناً أن تأثير ذلك على خريطة البرلمان المقبل "مرهون بمدى تقبّل الناخب العراقي للمحفزات الطائفية والقومية".

وبالرغم من إلغاء قانون الدائرة الواحدة، واعتماد الدوائر المتعددة في القانون الجديد، إلا أن الشمري يعتقد أن "التغيير كان شكلياً"، مستدركاً "ربما يعزز القانون الجديد هيمنة القوى التقليدية على الدوائر الانتخابية، ما قد يحفز طيفاً واسعاً من العراقيين على مقاطعة الانتخابات". وفي ظل عدم وجود نص دستوري يربط شرعية الانتخابات بنسبة المشاركة، اعتبر الشمري أن الاستحقاق الانتخابي المقبل "سيؤسس لفقدان العملية السياسية القادمة حيزاً أكبر من التأييد الشعبي، الأمر الذي ستكون له ارتدادات كبيرة تمس النظام السياسي".
 

تسيد السلاح على الحكم والسياسة

في المقابل، رجح الباحث في الشأن السياسي هشام الموزاني أن "تكون المقاطعة المقبلة أكبر من المقاطعة السابقة، نتيجة شعور الناخبين العراقيين بانغلاق المشهد السياسي على ذات القوى السياسية، وممانعتها دخول أطراف سياسية جديدة". واللافت بحسب الموزاني، أنه مع بروز مطالبة المحتجين الصريحة بعدم تطويع القانون لإرادة القوى السياسية، إلا أن الكتل السياسية "استثمرت فترة تضاؤل تأثير الانتفاضة لإمرار قانون على مقاسها"، مبيناً أن هذا الأمر ربما سيمثل "العامل الحاسم في قضية مقاطعة الانتخابات المقبلة".
وأشار إلى أن "القانون الحالي سيؤسس لمقاطعة شاملة، وهذا نتاج طبيعي لانسداد الأفق السياسي في العراق، وتسيد السلاح على مشهد الحكم والسياسة"، مبيناً أن "الحديث عن انتخابات تعيد ترتيب المشهد السياسي لم يعد مقنعاً للعراقيين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


فقدان الثقة بالتغيير

ويبدو أن فقدان العراقيين الثقة بمدى تأثير الانتخابات على تغيير الخريطة السياسية يشكل أحد أبرز حجج مقاطعتها، بخاصة مع تغلغل الفصائل المسلحة الموالية لإيران، وسيطرتها على مفاصل مهمة في الدولة العراقية. وبحسب استطلاعات أجرتها المجموعة المستقلة للأبحاث، تبين أن "أكثر من 60 في المئة من العراقيين لا يثقون بنزاهة الانتخابات، في حين أن من يثق بالمفوضية العليا للانتخابات أقل من 30 في المئة". وقال رئيس المجموعة منقذ داغر "وفق الإحصاءات فإن أقل من 15 في المئة من العراقيين يعتقدون أن تصويتهم سيؤدي إلى تغيير في المشهد السياسي".

واعتبر داغر أن "الوضع السياسي الحالي وصل إلى مرحلة انسداد، وبناء على الاحصاءات فإن مشكلة العراق الكبرى منذ 15 سنة تتمثل في فقدان المواطنين الثقة بمؤسسات الدولة، مما جعلهم يؤمنون بأن التغيير لا يمكن أن يجري ضمن إطار مؤسسي". وأضاف أن "أية تطمينات أو قوانين ستكون فارغة من أي مضمون، كونها تنطلق من الطبقة السياسية الفاقدة للثقة".

تحقيق ظروف الانتخابات

في موازاة ذلك، لم يعد الإشكال بالنسبة إلى ناشطي الحراك الاحتجاجي متعلقاً بقضية تقسيم الدوائر الانتخابية وحسب، بل باتوا يخوضون جدلاً مستعصياً حول إمكان تحقيق المشاركة السياسية في ظل فوضى السلاح والمال السياسي، وعدم جدوى الخطوات الحكومية في الحد من ذلك.
في المقابل، قال المتحدث باسم الحكومة أحمد ملا طلال خلال مؤتمر صحافي، إن "أمام المتظاهرين فرصة كبيرة لتنظيم أنفسهم سياسياً والدخول في الانتخابات"، لافتاً إلى أن "المتظاهرين أجبروا المؤسسة التشريعية على تغيير مفوضية الانتخابات وإقرار قانون الانتخابات".

من جهة أخرى، رأى الناشط حيدر المرواني أنه "كان على رئيس الوزراء تحقيق ظروف الانتخابات المبكرة قبل مطالبة المحتجين بالاشتراك بها"، مشيراً إلى أن "الكاظمي أخفق في تنفيذ كل التعهدات التي ألزم نفسه بها، في ما يتعلق بتوفير ظروف الانتخابات المبكرة، وعلى رأسها محاسبة قتلة المحتجين وحصر السلاح بيد الدولة". وأضاف المرواني أن "الحكومة لم تحقق في أي من حوادث القتل والخطف التي جرت بحق ناشطين كان بالإمكان أن يمثلوا نواة مشروع سياسي، واكتفت بصياغة التسويات"، لافتاً إلى أن "كل ما جرى من عمليات خطف وقتل غايته إخافة تيارات تشرين من الشروع بعمل سياسي ينافس أحزاب السلطة".
وتصاعدت عمليات الخطف والاغتيال التي يتعرض لها الناشطون خلال الأشهر الماضية، الأمر الذي يعزوه مراقبون إلى مخاوف الجماعات المسلحة من احتمال أن يصبحوا منافسين أقوياء، في ظل تزايد النقمة الشعبية على القوى التقليدية، وتحديداً الجماعات المسلحة الموالية لإيران بعد انتفاضة أكتوبر العراقية.

الأمن الانتخابي

وتتجاوز مخاوف المحتجين مسألة القانون الانتخابي، فبالرغم من اعتقادهم بأن هذا القانون يمثل رغبة توافقية سياسية، إلا أن مسألة توفير الأجواء الملائمة للانتخابات وحسم ملفات السلاح المنفلت والمال السياسي تتصدر أولوياتهم.
ويتخوف طيف واسع من الناشطين الذين ينوون تشكيل تجمعات سياسية لخوض الانتخابات المقبلة من عدم توفير متطلباتها، وبالتالي ربما يدفعهم ذلك للدعوة إلى مقاطعتها، بخاصة مع عدم قيام الحكومة بأية إجراءات حازمة في هذا السياق.
ويرى الناشط البارز حسين الغرابي، الذي يعمل مع آخرين على تشكيل تجمع سياسي يخوض الانتخابات المقبلة، أن "عدم توفير متطلبات الانتخابات في ما يتعلق بالأمن الانتخابي وحسم ملف السلاح المنفلت والمال الفاسد، تعد أكبر المعرقلات للانتخابات المبكرة".
وأوضح الغرابي أنه "بالرغم من احتمال أن يقلل هذا القانون من قوة رؤساء الكتل وتأثيرهم في الانتخابات، إلا أنه لا يمثل إرادة المحتجين الذين طالبوا بدوائر متعددة صغيرة، لكن القوى السياسية التفت على هذا المطلب".

المزيد من العالم العربي