Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السرية المصرفية تضرب التدقيق الجنائي خوفا من الإطاحة برؤوس لبنانية

المصرف المركزي يرفض تسليم الشركة المكلفة بالتدقيق المستندات ووزير المال طلب رأي هيئة التشريع

وزير المال غازي وزني ملتقياً رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب في السراي الحكومي في بيروت الثلاثاء 27 أكتوبر الحالي (دالاتي ونهرا)

بالرغم من الأهمية القصوى التي يعلّقها رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون على التدقيق المالي الجنائي في موازنات المصرف المركزي كمدخل أساس بالنسبة إليه لإصلاح القطاع المالي، إذ لا يترك مناسبة إلا ويعبر فيها عن متابعته الدقيقة لمدى تقدم شركة "الفاريز آند مارسال" المكلفة بتلك المهمة، فإن عقد الشركة بات مهدداً بالتوقف بسبب فشلها في التوصل إلى تكوين ملف متكامل حول الموضوع، يبين أين أنفقت الأموال الموضوعة في عهدة المصرف المركزي، وحجم الخسائر وأسبابها.
ويعود سبب توقف عمل الشركة المحتمل بشكل كبير، إلى أن المهلة الأخيرة التي وضعها المسؤولون القيمون على العقد لتسلم المستندات التي طلبوها من المصرف المركزي، والأجوبة على الأسئلة التي طرحوها، تنتهي في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وذلك بعدما أعرب هؤلاء عن رغبتهم وقف العمل قبل نحو أسبوعين، لتعذر حصولهم على المعلومات المطلوبة، ولكنهم عادوا وتريثوا بناء على طلب وزارة المال في لبنان.

ويمكن تلخيص السؤالين الأكثر إلحاحاً للشركة في نقطتين، الأولى كشف مفصل بحركة الاحتياطي من العملات الأجنبية، وحركة التحويلات منه وإليه، وعدم الاكتفاء بالبيانات نصف الشهرية التي يعلنها المركزي عن تلك الاحتياطات. والثانية كشف مفصل بالهندسات المالية والمستفيدين منها، علماً أن الشركة اكتفت بعدم ذكر الأسماء المشمولة بالسرية المصرفية، وإنما عدد العمليات المحققة وعدد الجهات المستفيدة منها، وآليات ومعايير التوزيع لتبيان أي استنسابية تعطي أفضلية لمستفيد على آخر، ما يبين العمل الجرمي أو الجزائي.

ويعجز مسؤولو شركة التدقيق الجنائي عن الحصول على المعلومات التي يطلبونها من المصرف المركزي، بسبب رفض الحاكم رياض سلامة تسليمها أو إعطاء الأجوبة عن الأسئلة المطروحة تحت ذريعة التقيد بقانون السرية المصرفية الذي يحظر إفشاء المعلومات. ويعتبر الحاكم أن الأجوبة التي قدمها، أو المستندات التي وفرها، هي جل ما يمكن له أن يقدمه في ظل التزامه بالقانون، والا فإن أية معلومات إضافية تستدعي اللجوء إلى تعديل القانون، بما يتيح الإفصاح عن المعلومات.

عرقلة عمل الشركة

وسط هذا اللغط المحيط بمسار عمل الشركة، غادر وفدها بيروت قبل نحو عشرة أيام من دون أن يتمكن من الاستحصال على أكثر من تمنٍ بالتريث من قبل وزير المال في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني، الذي بادر من جانبه إلى الطلب من المركزي تأمين المستندات المطلوبة.

وعليه بادر المركزي إلى إرسال بضعة آلاف من الأوراق والمستندات التي شحنت إلى دبي، ليتبين للشركة أنها لا تتطابق مع ما تطلبه، ولا تتعدى كونها معلومات متوافرة عبر الإنترنت.
عند هذا الحد، توقف الاتصال بين الشركة ومصرف لبنان المركزي، وأبلغ حاكمه وزير المال أنه غير معني بالعقد مع الشركة وغير ملزم به، على اعتبار أنه ليس الجهة التي وقعت العقد، وأن على الوزارة أن تقدم الأجوبة المطلوبة، ما دامت هي الجهة الموقعة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الرأي القانوني

لم تكن حجة سلامة مقنعة لوزير المال، فبادر إلى طلب رأي هيئة الاستشارات والقضايا في وزارة العدل، وهي الجهة القانونية التي يعود لها تفسير القوانين، من دون أن يكون رأيها ملزماً بل استشارياً فقط، وطلب وزني في كتابه من الهيئة، تحديد مفهوم السرية المصرفية ومدى توافقها مع ما هو مطلوب. وبحسب المعلومات المتوافرة بيّن رأي الهيئة الذي تسلّمه الوزير، أن المستندات أو الأسئلة المطلوب الإجابة عنها أو تسليمها لا تتعارض مع قانون السرية المصرفية، وأن "السرية محددة ومحدودة وليست واسعة أو شاملة". ووجّه وزني الكتاب إلى رئاسة الجمهورية على أن يوجهه أيضاً إلى المصرف المركزي كما إلى رئاسة الحكومة لتبيّن الخطوات المقبلة، في ظل قرار الشركة وقف عملها بحال لم تتسلم اللوائح والمعلومات الناقصة، في مهلة أقصاها الثالث من الشهر المقبل.

المركزي يستجيب للتدقيق المالي

في الموازاة، وفيما لا يزال ملف التدقيق الجنائي عالقاً في انتظار رد المركزي، بادر الأخير يوم الثلاثاء 27 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، إلى اتخاذ خطوة مفاجئة في اتجاه شركتي التدقيق المكلفتين التدقيق المالي، لجهة موافقته على تسليمهما المعلومات المطلوبة، في مقابل امتناعه عن ذلك لشركة التدقيق الجنائي، ما أثار علامات استفهام حول استنسابية "المركزي" في تسليم المعلومات، وما إذا كان ذلك عائداً إلى أن عمل شركتي التدقيق المالي يختلف عن التدقيق الجنائي، كون أن الأخير يرتب ملاحقات جزائية وقانونية، ويملك الحق في إصدار أوامر توقيف، فيما التدقيق المالي يقتصر على الشأن المالي، ولا يعرّض أو يهدد الرؤوس الكبيرة أو النافذة التي يمكن أن يكشف التدقيق الجنائي تورطها.
وقال المصرف المركزي في بيان أصدره الثلاثاء، إنه قام "وفقاً لما تعهد به في كتابه الموجه إلى وزير المال بتاريخ 8/10/2020 بتسليم مفوض الحكومة لدى مصرف لبنان بتاريخ 27/10/2020 المستندات والمعلومات كافة المطلوبة من قبل شركتي " KPMG " و " Oliver Wayman" ، نظراً إلى عدم تعارضها مع القوانين اللبنانية النافذة".
وتسلمت الشركتان المستندات، وهما في صدد الاطلاع على مضامينها، على أن تعلنا الإثنين المقبل ما إذا كانت تتطابق مع ما تحتاج إليه، أو أن ثمة معلومات ناقصة، علماً أن مصادر مواكبة لا تستبعد أن يكون وضع الشركتين مماثلاً لوضع شركة التدقيق الجنائي، لجهة عدم الحصول على المعلومات الكافية التي تحتاجان إليها.

لجنة المال والموازنة

ولوحظ أخيراً دخول رئيس لجنة المال والموازنة البرلمانية إبراهيم كنعان على خط الجدل القائم حول هذا الموضوع، وذلك في معرض رده على ما أدلى به قبل يومين رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان، حول أن "التدقيق الجنائي هو المدخل الحقيقي إلى الإصلاح"، سائلاً "كيف ندعي الإصلاح إذا كنا لا نريد تدقيقاً جنائياً بعد كل هذه المصائب؟ لسنا أغبياء ولا الشعب اللبناني، أو دول الخارج غبية ليضحكوا عليهم".
وجاء رد كنعان من باب أن "العقد الموقع للتدقيق الجنائي يخضع للقوانين اللبنانية التي لا تتيح للشركة إمكان الدخول إلى كل الحسابات، لأن هناك سرية مصرفية". وقال إنه كان "على من وقع العقد مع جيش من المستشارين والمعنيين التنبه لذلك، لأن النتيجة تتطلب عقوداً جدية وعملاً جدياً"، مؤكداً أن العقد مع شركة التدقيق الجنائي غير قابل للتنفيذ في شكله الحاضر، ويجب ألا يبقى على حاله، وسنتخذ الخطوات اللازمة لتصحيحه، والمحاسبة مطلوبة لمن لم يتنبّه لتعارض العقد مع القوانين اللبنانية، حتى لا تتكرر الأخطاء".
ويتبيّن من كلام كنعان وقوفه إلى جانب حجة المصرف المركزي، فيما يرى عدوان أن عدم حصول التدقيق سيضرب العملية الإصلاحية التي تشكل بنداً أساسياً في المبادرة الفرنسية.
في السياق، ترى مصادر مطلعة على الملف أن السبب وراء إسقاط عملية التدقيق بواسطة شركة "الفاريز آند مارسال" يعود إلى أنها لا تحظى بثقة بعض القوى السياسية، التي ترى فيها استهدافاً لعدد من أركان المنظومة السياسية القائمة، بهدف فرض ضغوط عليها، لا لإحقاق الإصلاح، وإنما بهدف الدخول طرفاً مستفيداً في هذه المنظومة، بحيث لا تقتصر المكاسب على فرقاء دون آخرين.
ولا تستبعد هذه المصادر أن يكون إسقاط التدقيق عبر هذه الشركة التي ينتظر أن توقف العقد وتقبض كلفها البالغة 150 ألف دولار أميركي، هدفه تسليم الملف إلى الفرنسيين الذين يصرون على هذا الموضوع، ولكن من باب تأمين العبور الآمن للحاكم رياض سلامة من ضمن تسوية، خصوصاً وأن سلامة لم يعد محاصراً كما كان في السابق مع وصول سعد الحريري إلى سدة رئاسة الحكومة، إذ يوفر له الغطاء السياسي.

المزيد من متابعات