Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"أزمة المسلمين" في الغرب تطرف وروابط خارجية وذاكرة استعمار

فرنسا التي يتهمها البعض الآن بأنها تحارب الإسلام فيها نحو 3 آلاف مسجد وأكثر من 6 ملايين مسلم

تجمع احتجاجي أمام السفارة الفرنسية في لندن ضد تصريحات إيمانويل ماكرون حول الإسلام (غيتي)

ألقت الأحداث المتسارعة في فرنسا، الضوء من جديد على أزمة المسلمين في المجتمعات الغربية الذين يعيشون كغيرهم من الأقليات محاولين التمسك بهويتهم أمام محاولات استغلال قضيتهم وانتشار عدوى التطرف المرتبط بأجندات خارجية، فضلاً عن حالة النفور أو الخوف الجمعي "الإسلاموفوبيا" التي عززها صعود اليمين المتطرف في القارة العجوز، وهو ما جعل مغازلة أنصار هذا التيار هدفاً أساسياً على أجندة المزايدة بين كل من الأحزاب اليمينية واليسارية وأغلب الطيف السياسي، بل ومحوراً لحرب كلامية تقودها دول مثل تركيا من أجل تجييش مجموعات الإسلام السياسي الراديكالي في معارك لا نهائية مع الغرب، حتى لو من خلال استدعاء حروب ومعارك تاريخية مع ذاكرة الاستعمار، بحسب مراقبين.

أزمة الإسلام أم المسلمين؟

ظل لسنوات تناول قضية "أزمة المجتمعات أو الأقليات المسلمة في الغرب" من بين القضايا الكلاسيكية التي "قتلت بحثاً" وتفسيراً للوقوف على أبعادها وأسبابها، لكنها بقيت ملفاً مفتوحاً قابلاً للتأويل، بخاصة كلما وقعت حادثة تعكس ديمومة تلك الأزمة المزمنة التي يعيشها ملايين المسلمين في مجتمعات غربية "غريبة" في ثقافتها عن تلك التي قدم منها المهاجرون أو أسلافهم، مثل صدور تشريع يعارض "اللباس الديني" أو وقوع عنف أو عملية إرهابية تستهدف المهاجرين أو يتورط فيها أبناؤهم، ناهيك بممارسات "ازدراء المقدسات" التي يراها "أبناء البلد" الأصليون مجرد تعبير عن الرأي في نظم "تقدس" أيضاً حرية الفكر والتعبير وتعتبرها دستوراً للتطور الاجتماعي والثقافي والعلمي. لكن تصاعد ظاهرة "الإسلاموفوبيا" كنتيجة لصعود اليمين المتطرف في أوروبا، من بين أسباب أخرى لعل أبرزها موجات المهاجرين خلال السنوات الأخيرة، أعاد من جديد الجدل حول معضلة الحفاظ على قيم الدول الأوروبية في مقابل ما تراه خطراً لا يرتبط فقط بسلوكيات فردية لـ"المسلمين" وإنما تنامت تلك المقولة التي عبر عنها الرئيس الفرنسي وأثارت الأزمة الراهنة، وهي أن "الإسلام نفسه يعيش أزمة".

ويرى سعيد البطوطي، أستاذ الاقتصاد في جامعة فرانكفورت الألمانية وعضو مجلس إدارة مفوضية السفر التابعة للاتحاد الأوروبي "ماكرون لا يحارب الإسلام، لكنه يحارب تيارات الإسلام السياسي، التي تسلك منهج العنف والقتل في كل شيء ودمرت العديد من بلاد المسلمين وشوّهت صورة الإسلام وأضرّت به أشد الضرر. ماكرون يتحدث عن الحرية ومحاربة النزعات الانفصالية، وما قاله نصاً: لن نسمح لمن يوظفون الدين، بمساعدة قوى أجنبية أحياناً، بالتشكيك في قيم الجمهورية، لأنها غير قابلة للتجزئة ولا تعترف بأي مغامرة انفصالية".

ويرى أستاذ الاقتصاد الألماني من أصول مصرية أن "استخدام قلة نادرة للرسوم في الإساءة إلى الأديان، وليس الدين الإسلامي فحسب، ينبع من أن تلك هي ثقافتهم وأن حرية التعبير مكفولة للجميع. بالقطع نحن نرفض الإساءة، لكن يجب علينا تغيير تفكير تلك القلة بالقدوة والإقناع والحوار، وليس بذبح الناس في الشارع كما فعل أحد الأشخاص في باريس". وتابع البطوطي "فرنسا التي يتهمها البعض الآن بأنها تحارب الإسلام، فيها نحو 3 آلاف مسجد، وأكثر من 6 ملايين مسلم فتحت أبوابها لهم واحتضنتهم ومنحتهم الإقامة والجنسية وكل الحقوق الأخرى المتعلقة بالمواطنة والانتخاب...".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في المقابل، يرى توفيق أكليمندوس، أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الفرنسية في القاهرة، إن أزمة المجتمعات المسلمة في الغرب لا تختلف عن أزمات الأقليات الأخرى، باعتبارها جزءاً من مشكلات المجتمع الغربي ككل، مضيفاً "كل مجتمع غربي له مشكلاته، وفي ما يتعلق بفرنسا هناك مشكلات تتعلق بالذاكرة السياسية أو ذاكرة الاستعمار. ومشكلة الأقليات المسلمة أن الثقافة السياسية الغربية حالياً تركز على الحريات الفردية على حساب الرابطة الوطنية أو الدينية. والحريات مجال لا نهائي، فكل فترة تظهر حرية جديدة تقابلها محافظة وتشدد على الجانب الآخر، فضلاً عن ضغط الإرهاب الفكري الخاص بالجماعات المتطرفة يمينية أو إسلامية. فالمسلمون لديهم ثقافة سياسية معاكسة لا بد أن تحترم المقدس، ولديهم مخاوف من ذوبانهم داخل الثقافة الغربية المتحررة، ما يتناقض مع حقيقة أن حرية التفكير تجعل كل شيء خاضعاً للنقد، فثقافة المجتمعات المسلمة تعلي قيمة الجماعة والمقدسات، لكن في أوروبا المقدس رمز لإسكات الناس كما فعلت الكنيسة لقرون، وتحرر الأوروبيون من سلطتها".

وفي وقت اعتبر نقاد أن الرئيس الفرنسي يحاول فرض نسخة من "الإسلام الفرنسي" على ملايين المسلمين القادمين من خلفيات متباينة ومتنوعة مذهبياً، قال أحمد الباز، مدير السياسات في مركز الإنذار المبكر للدراسات السياسية والأمنية، إن الأزمة تتعلق بنمط الخطاب الديني السائد لدى المجتمعات المسلمة في الدول الغربية، مضيفاً "نحن أمام نسخة إسلام ليست كالتي نزل بها الوحي وبشر بها رسول المسلمين. هذه النسخة خضعت لعملية ضبط بما يتناسب مع مصلحة طرفين، وهما التنظيمات التي تتبع تيار الإسلام السياسي والدول التي تقوم بتشغيلها. وللتخلص من هذا الخطر الذي يضر بفكرة الدين نفسه وبمصلحة المسلمين، يجب القيام بإجراءات، أهمها الاستمرار في تجفيف مصادر التمويل، وإدارة أفضل لمصادر الحصول على المعرفة الإسلامية في الغرب. وإخضاع استغلال بعض الدول الشرق أوسطية للدين كإحدى أدوات المبارزة السياسية للمحاسبة".

ممن تحمي أوروبا أقلياتها المسلمة؟

واعتبر البطوطي أن وراء السياسات الرقابية المتزايدة لبعض الدول الأوروبية على الجاليات المسلمة أسباباً تتعلق بالأمن القومي وخشية مبررة من اختراق دول مثل تركيا هذه الجاليات لأسباب سياسية وليس خوفاً من الإسلام والمسلمين، مضيفاً "ماكرون يحارب تيارات الإسلام السياسي التي تقف وراءها أنقرة من خلال تمويل المساجد وإيقاف استقدام الأئمة من بعض الدول مثل تركيا، حيث ثبت بما لا يدع مجالاً للشك استخدامها مؤسستها الدينية الحكومية التي تدعم مساجد بعينها ولها فروع عديدة في أوروبا، كأداة للاختراق والتأثير في المجتمعات الأوروبية وبخاصة في ظل التوتر الراهن بين أنقرة والاتحاد الأوروبي. ماكرون يريد السيطرة على تعليم الأطفال وعدم ترك الفرصة للتعليم المنزلي الذي يكون بعيداً عادة عن أعين الدولة، وإيقاف العمل ببروتوكول يتم بموجبه استقدام أئمة من عدد من الدول من بينها تركيا، وتدقيق التمويل المتدفق لإقامة المساجد واستخدامه في أغراض أخرى. وما تقوم به فرنسا الآن، حتى أكون واضحاً، هو الحرب على الاختراق التركي بشكل خاص في مشاكل ضخمة بينها وبين تركيا في عدد من القضايا على رأسها قضية ليبيا وقضايا أخرى".

ويرى الباز أن التحركات القطرية التي تهدف إلى "تجييش الإسلام الراديكالي في أوروبا" لا تقل خطورة عن اختراقات أنقرة المعتمدة على جالياتها الكبيرة المنتشرة في أوروبا، مضيفاً "يصح وصف أوروبا بأنها أصبحت غرفة قيادة مركزية تابعة لقطر، لتحقيق غرضين، الأول: إدارة النفوذ في الشرق الأوسط إعلامياً وجماهيرياً، والثاني: صناعة لوبيات أوروبية تستطيع من خلالها الضغط على العديد من المؤسسات الأوروبية، لصالح قطر. وفي سبيل ذلك أنفقت الدوحة أموالاً طائلة عبر ما يمكن وصفه بالاستثمارات الدينية والإعلامية والتعليمية والخيرية. وإذا كنا بصدد الحديث عن النفوذ القطري في أوروبا، فإننا نكون بصدد مبالغ طائلة أنفقتها مؤسسة قطر الخيرية بداية من شمال أوروبا في النرويج، حيث أنفقت 720 ألف يورو لبناء المركز الإسلامي (العزيزية) في جزيرة أنجلو نورمان البالغ عدد سكانها 10 آلاف نسمة من بينهم 400 مسلم فقط لصالح الرابطة الإسلامية هناك، مروراً بشرق أوروبا وبناء مسجد بمليون يورو في وارسو لصالح الجمعية الإسلامية للتدريب والثقافة. ونحو الغرب في إسبانيا، قدمت قطر 638 ألف ريال قطري لصالح الرابطة الإسلامية للحوار والتعايش في برشلونة. والاستثمار الإعلامي الضخم الذي تمرر عبر منصاته أفكاراً متطرفة إلى القلب الأوروبي. إذ تقوم هذه المؤسسات بغسيل سمعة التطرف عبر استدعاء إرث تاريخي عفّ عليه الزمن من عهد الاستعمار البريطاني والفرنسي لتبرير أي سلوك متطرف".

 

وقال أكليمندوس، إن "الرئيس الفرنسي يسعى من خلال سياسته إلى الحفاظ على قيم الجمهورية الفرنسية العلمانية ووحدتها من خلال سن تشريعات يقول، إنها ستحافظ على هوية الدولة الفرنسية، مؤكداً أن هناك أيضاً تدخلات تركية وقطرية وغيرها بما في ذلك محاولات ماكرون نفسه استغلال الخطاب المتشدد تجاه الإسلاميين للمزايدة على اليمين المتطرف واكتساب شعبية، لكنها لا تعتبر سبباً في تفسير أزمة المجتمعات الإسلامية في الدول الغربية، فهناك عوامل معقدة اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية جعلت شرائح عديدة من الجاليات المسلمة في الغرب معرضة للتطرف".

قطر تقر بالدعم وتنفي الإرهاب

ومنذ إعلان السعودية ومصر والإمارات والبحرين قرار مقاطعة قطر عام 2017، تنفي هيئة "قطر الخيرية"، التي تشرف على هذا النوع من المؤسسات بالبلاد وتمول المساجد والمراكز الإسلامية والمستشفيات في عشرات البلدان الأوروبية والإسلامية، دعم هذه المؤسسات للإرهاب والتطرف. وصنف "الرباعي العربي" 71 فرداً وكياناً مرتبطين بقطر في قائمة الإرهاب، بينهم المؤسسة المذكورة.

وعلقت المنظمة على الأمر بقولها، إن هذا التصنيف لا يؤثر في عملها الإنساني والأممي، حيث "تقوم بتنفيذ مشاريع مدرجة في خطط الأمم المتحدة المنسقة للاستجابة الإنسانية في اليمن وسوريا والعراق. وأن الأمم المتحدة غير ملزمة بأي قائمة للإرهاب توضع خارج أجهزتها وخارج مجلس الأمن".

ورغم أن "قطر الخيرية" لا تنفي تمويل المؤسسات والمراكز الإسلامية في أوروبا، فإنها ترفض اتهامها بالمسؤولية عن زراعة التطرف. وتقول الهيئة الخيرية "شبه الحكومية" التي تأسّست عام 1992 في قطر، إنها تنتشر في أكثر من 70 دولة، وتعمل على تعزيز الثقافة الإسلامية في العالم، والغرب منه على وجه الخصوص.

وأوضحت، المنظمة التي تقدم تمويلات لعشرات المراكز الإسلامية في أوروبا الغربية، أنها قدمت العام الماضي مساعدات استثنائية إلى الآلاف بشرق أوروبا في كوسوفا، وألبانيا، والبوسنة.

وتقول "قطر الخيرية"، إن من بين أبرز أهدافها تعزيز الهوية لدى مسلمي أوروبا. وأعلنت، عبر موقعها الإلكتروني، أنها تبني "مركز النور الثقافي الإسلامي" في مدينة ميلوز الفرنسية، الواقعة بين فرنسا وسويسرا وألمانيا، أنه يعد أكبر وأضخم مركز من نوعه في أوروبا، لتعزيز الهوية الإسلامية لدى الجاليات المسلمة في البلدان الثلاثة المذكورة وأوروبا عامة، كما أنه سيقوم بدور دعوي كبير للتعريف بالإسلام كدين تسامح قائم على السلام والمحبة.

وفي عام 2016، حصل الصحافيان الفرنسيان، كريستيان شينو، وجورج مالبرونو، على وحدة تخزين بيانات خارجية تحتوي على آلاف الملفات التي توثّق دعمَ مؤسسة "قطر الخيرية" لشبكة دعوية على مستوى فرنسا وأوروبا تديرها جماعة الإخوان، وصدر عنهما كتاب "أوراق قطر" في 2019، الذي سجل أن قطر مولت في السنوات الماضية 140 مؤسسة ومركزاً إسلامياً في أوروبا. وكثيراً ما خرجت المؤسسة خلال السنوات الأخيرة للرد على اتهامات متكررة بعدم "حيادية" عملها الإنساني، بخاصة في قطاع غزة واليمن وسوريا والعراق وغيرها.

كيف تحول ملاذ "اللجوء الإنساني" إلى مفرخة للتطرف؟

"جئنا غزاة وليس مهاجرين"، عبارة تتردد في أوساط بعض المهاجرين المتطرفين في أوروبا، حينما يتعرضون لنوع من تلك الأسئلة المحرجة من قبيل "لماذا تعيش هنا إذا كنت تكره البلد الذي استعمر وطنك الأم ويحارب دينك كما تقول؟". وهي عبارة شهيرة وشديدة الدلالة في التعبير عن ذهنية الاغتراب التي يعيشها صاحبها في بلاد "الفرنجة". وعلى الوجه المقابل، تحولت العديد من العواصم الأوروبية إلى منفى اختياري أحياناً لبعض القوى والتنظيمات السياسية التي فضلت المعارضة من الخارج.

يقول الباحث في مركز الإنذار المبكر "بدا واضحاً، مؤخراً، أن هناك استغلالاً يقوم به اللاجئون السياسيون وحتى المهاجرون الجُدد للعلمانية والحرية اللتين تتمتعان بهما دول اللجوء من حيث القيام بكل ما من شأنه تهديد استقرار الأوطان الأم في الشرق الأوسط، كونهم متأكدين أن القوانين المُسيرة لهذه البلاد سوف تقف مكتوفة الأيدي أمام دعوات العنف والإرهاب. وهو ما يمكن ملاحظته في أن العديد من منفذي العمليات الإرهابية كانوا قد تم التحقيق معهم بالفعل في الماضي لكن لم يتم توقيفهم جنائياً، كما أن المطالبين بتطبيق قوانين الشريعة Sharia law إنما يرفعون رايات داعش السوداء في قلب أوروبا في أحد أسوأ مظاهر استغلال ضيق يد القانون المقيد بمعايير الحرية. وبالتالي، نعم، هناك تفريخ للتطرف تحت مرأى السلطات في أوروبا ومسمعها، في حين أن المهاجرين أو بعض اللاجئين يسيئون استغلال المعايير الأوروبية، وفي الوقت نفسه ترى هذه الدول أنه لا يمكنها التفريط في قيمها من أجل مواجهة هذا الخطر. وفي النهاية، يدفع الجميع الثمن".

المزيد من سياسة