Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الخرطوم تفقد لقب عاصمة اللاءات الثلاث

رئيس مجلس السيادة ينفي تعرض بلاده لـ "ابتزاز" أميركي لإقامة علاقات مع إسرائيل

مشهد عام للعاصمة السودانية الخرطوم (غيتي)

عُرفت العاصمة السودانية الخرطوم تاريخياً بعاصمة اللاءات الثلاث، نظراً لاستضافتها عقب نكسة 1967 القمة الخامسة التي تعد من أهم القمم العربية، كونها تبنت قرارات حازمة وحاسمة تجاه الصراع العربي - الإسرائيلي، تمثلت في أنه "لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض مع إسرائيل".

لكن مع انضمامها إلى ركب السلام كخامس دولة عربية تقدم على هذه الخطوة، بإعلان اتفاق مع إسرائيل بعد مصر 1979، والأردن 1994، والإمارات والبحرين 2020، تكون قد فقدت بريق شعار ظلت تشتهر به 53 سنة. 

في المقابل، يرى كثير من المواطنين أن شعار اللاءات الثلاث كان خصماً للسودان وشعبه، لأنه البلد الوحيد الذي تحمل عبء هذا الموقف المتشدد في العداء ضد إسرائيل لسنوات طويلة، ما أضر به سياسياً واقتصادياً، بالتالي فإنه ليس من الواقعية أن يتمسك بهذا الشعار العدائي في زمن باتت فيه المصالح هي السائدة في العلاقات بين الدول، فضلاً عن تصدع الموقف العربي واتجاه عديد من الدول العربية إلى إقامة علاقات مباشرة وغير مباشرة مع الجانب الإسرائيلي. 

صراع تاريخي 

في هذا السياق، يقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعات السودانية الدكتور الرشيد محمد إبراهيم "ظل الصراع العربي - الإسرائيلي متخذاً منصة العداء لسنوات طويلة، فهو أعمق صراع تاريخي، لكن كانت المحصلة النهائية نجاح الإستراتيجية الإسرائيلية، التي حولت مواقف كثير من الدول العربية ومن بينها السودان من اللاءات إلى الرضوخ بنعم. ومع ذلك، لم يكن التحول الذي حدث بتوقيع اتفاقيات سلام مع إسرائيل بإرادة الشعوب".

ولفت أنه على سبيل المثال، فإن "الثورة الشعبية السودانية التي أطاحت بنظام الرئيس السابق عمر البشير، لم تناد بالسلام مع إسرائيل، لذلك ما تم من تقارب سوداني - إسرائيلي يصنف في خانة الاختطاف والإكراه. فالعلاقات بين الدول والشعوب تقوم على الرضائية وليس فرض الأمر الواقع، لهذا فإن مثل هذا الاتفاق الداعي للتطبيع سيكون مرهوناً بالنظام الحاكم، واستمرار بعض الأشخاص في مناصب القرار السياسي". 

ويضيف إبراهيم "لم يكن السودان الذي عرف بمواقفه الثابتة تجاه القضية الفلسطينية، التي ظل يساندها أكثر من 70 سنة، بحاجة لتنازل باهت عن مبادئ راسخة ومواقف مشرفة من أهمها احتضانه قمة اللاءات الثلاث، فلا أعتقد أنه سيجني فوائد من هذا الاتفاق"، مشيراً إلى عدم التزام القادة السياسيين السودانيين شعار المدنية المتمثل في دولة المؤسسات، بالرجوع إلى الشعب في القضايا القومية والمصيرية وأخذ رأيه. 

ويبين الرشيد إبراهيم أن "اتفاق السلام السوداني - الإسرائيلي بصورته التي تم فيها، يعد مجهول المرجعية والهوية، وسيكون الرهان عليه ضعيف جداً، إضافة إلى أنه أسهم في إحداث انشقاق وسط الائتلاف الحاكم، وأدى إلى انقسام التيار الإسلامي بإعلان أحد مكوناته، بأنه سيتعامل مع دعاة السلام بالسلاح وهو موقف خطير وتصعيد سيعرض البلاد إلى فتن وتفلتات غير حميدة".

وأكد أن هذه المخاطر تتحمل مسؤوليتها الحكومة السودانية لإقدامها على هذه الخطوة غير المحسوبة، موضحاً أن الخطورة تكمن في أن المباحثات السرية التي أجراها الجانب الإسرائيلي مع المكون العسكري أدت إلى ضمانات بعدم ملاحقتهم في المحكمة الجنائية. 

تعزيز السلام 

في المقابل، يرى أستاذ العلاقات العامة والاتصال الدكتور النور جادين، أن "اللاءات الثلاث كانت مرحلة في تاريخ السودان مضى عليها أكثر من 50 عاماً، لذلك ليس من المنطق أن يستمر السودان واقفاً في تلك المحطة العاطفية، التي أدت دورها في وقتها وتجاوزتها كل الدول العربية، فهل يحرّم على حكومة الخرطوم وحدها أن تبحث عن مصالح شعبها؟".

ويوضح أن العلاقات الطبيعية في العلاقات الخارجية أصبحت حقيقة لا مفر منها، بخاصة أن السودان لم يجد ممن يعرفوا بأشقائه، أي مساندة عندما فرضت العقوبات وعانى منها أكثر من ربع قرن. 

ويضيف جادين "دعت الثورة التي بموجبها حدث التغيير في السودان إلى إقامة علاقات خارجية بمنظور جديد، ووضع مصالح البلاد الاقتصادية والاستثمارية فوق كل العلاقات الأيديولوجية والعرقية والأفريكانية والعربية، كما أن الشارع السوداني يتحدث الآن عن منظور جديد للهوية السودانية، ومنظور جديد للعلاقات الخارجية، تقوم على البراغماتية وليس على الأيديولوجيا، مثلما كان يفعل النظام السابق خلال 30 سنة الماضية".

ويبيّن أن موقع السودان الجيوبولتيك مهم جداً لكل العالم من زاوية الموانئ والطيران والثروات والهجرات والتهريب والجريمة المنظمة والإرهاب والربط بين كل أنحاء العالم، ما يحتم على حكومة السودان التزام الحياد التام في قضايا الصراعات، التي تدور في كثير من بلدان العالم، كما تجعل السودان متصالحاً ومفتوحاً لكل الاستثمارات العالمية بخاصة الأميركية، ومنطلقاً لتعزيز السلام في العالم ومحاربة الجريمة بكل أشكالها. 

البرهان ينفي الابتزاز

أكد عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الاثنين، أن الخرطوم لم تتعرض لابتزاز من الولايات المتحدة لتوقيع الاتفاق مع إسرائيل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال، في مقابلة مع تلفزيون السودان الرسمي، "لم نتعرض لأي ابتزاز... نحن لدينا مصالح في ذلك. رفع اسمنا من قائمة الدول الراعية (للإرهاب) سيجعلنا نعود إلى العالم، ونستفيد اقتصادياً ونحصل على التكنولوجيا".

وأشار البرهان إلى أن السودان تضرر كثيراً جراء العقوبات التي كانت مفروضة عليه لأعوام طويلة، مضيفاً "نحصل على معداتنا العسكرية بطرق ملتوية جراء العقوبات، وتضررنا في طيراننا العسكري والمدني".

وذكر البرهان بأن الاتفاق مع إسرائيل سيُطرح على المجلس التشريعي الانتقالي عقب تأليفه، وقال "حتى الآن لم نوقع اتفاقاً. سنوقع الاتفاق بين الدول الثلاث السودان والولايات المتحدة وإسرائيل، ثم يعرض على البرلمان وهو يقرر بشأنه".

وأضاف أن العالم تغير منذ عام 1967، في إشارة إلى قمة اللاءات الثلاث. وشدد على أن السودان يساند حل الدولتين في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، قائلاً "نحن نساند حل الدولتين وأن تقوم دولة فلسطينية وفقاً لحدود عام 1967".

وقال إن المبادرة إلى إقامة علاقات مع إسرائيل "جاءت منا نحن كعسكريين في الحكومة، لكن تم التشاور مع كل مكوناتها حولها، حتى الأحزاب وقيادتها"، لافتاً إلى "أنني تشاورت شخصياً مع الصادق المهدي، الذي قال إنه إذا وافق المجلس التشريعي على الخطوة فلا اعتراض لديه عليها".

وكان المهدي، وهو زعيم حزب الأمة القومي، أكبر حزب في تحالف الحرية والتغيير الذي يشارك في الحكومة الانتقالية، عبّر عن رفضه للخطوة.

تحول استثنائي 

تزامن توقيع الخرطوم اتفاق سلام مع تل أبيب مع رفع اسم السودان رسمياً من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بعدما حوّل 335 مليون دولار إلى حساب لضحايا هجمات على سفارتي أميركا في كينيا وتنزانيا وعائلاتهم. 

وإثر هذا الإعلان، صدر بيان مشترك لقادة الولايات المتحدة وإسرائيل والسودان يؤكد التوصل إلى اتفاق.

وقال البيان إنه تم "الاتفاق بين زعماء إسرائيل وأميركا والسودان على بدء علاقات اقتصادية وتجارية مع التركيز مبدئياً على الزراعة". وأشار إلى أن الولايات المتحدة ستتخذ خطوات لاستعادة حصانة السودان السيادية والعمل مع شركاء دوليين على تخفيف أعباء ديون السودان.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي