Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حقائب من جلد السلمون ومعطف من أمعاء الفقمات في المتحف البريطاني

في هذا المقال يتحدث ديفيد كيز عن الجهود الطموحة التي بذلها "المتحف البريطاني" في سبيل ترميم قطع فنية تعود إلى القرن التاسع عشر، بعضها مصنوع من مثانات حيوانات الفقمة والأوتار العضلية لأيائل الغزلان ولحاء الأشجار

آلة لتقويم النبال من ألاسكا بداية القرن التاسع عشر (أمناء المتحف البريطاني)

في المملكة المتحدة بذل العلماء المُوكل إليهم مهمة إعادة الحياة إلى كنوز القطب الشمالي جهوداً جبارة لفهم القصة الغريبة وراء كل كنز، والتعامل معها.

فالمطلوب لم يكن سهلاً؛ ويمكن القول إنه من العمليات العلمية الأكثر تحدياً في تاريخ "المتحف البريطاني"، حيث كان على فريق العلماء تطوير وسائل وأساليب للحفاظ على مجموعة من القطع الفنية المصنوعة من جلود الأسماك وأمعاء حيوانات الفظ البحري وسواها من المواد البحرية غير العادية للغاية.

إنها المرة الأولى في تاريخ الحفاظ التراثي البريطاني التي يضطلع فيها العلماء بمثل هذه المهمة.

وفي إطار التحضيرات للمعرض الشامل الأول عن القطب الشمالي في "المتحف البريطاني" (الذي سيفتح أبوابه للجمهور الخميس)، كان على العلماء تهيئة القطع الفنية النادرة وتجهيزها للعرض العام. ومن بين هذه القطع حقيبتان مُذهلتان صنعهما سكان ألاسكا الأصليون من جلد السلمون في ثمانينيات القرن التاسع عشر.

وكان على العلماء كذلك العثور على سبل ناجعة للحفاظ على القطع الأثرية المصنوعة من جلود الأسماك، وتلك المصنوعة من أمعاء حيوانات الفظ وأقدام البط ومثانات الفقمات ولحاء الأشجار والأوتار العضلية لأيائل الغزلان وأعشاب عمرها 150 عاماً.

ولم يسبق لعلماء الحفاظ على التراث الثقافي في المملكة المتحدة أن تولوا مهمة الحفاظ على مجموعة بهذا الحجم من الأغراض المصنعة من مواد بحرية ومواد أخرى غير اعتيادية.

ولتصليح الحقيبتين البالغ عمرهما 130 عاماً، والمصنوعتين من جلد الأسماك والحفاظ عليهما، عمل المتخصصون في "المتحف البريطاني" على إعادتهما مؤقتاً إلى مرونتهما الأصلية عن طريق وضعهما داخل خيمة خاصة من البوليثين وتغليفهما بالبخار لمدة 24 ساعة.

كان من الضروري جداً إتمام تجديد القطعتين الفنيتين بلطف وتُؤدة، نظراً إلى الطريقة المعقدة التي اعتمدها حرفيو القطب الشمالي لصناعتهما خلال القرن التاسع عشر.

فبالاستناد إلى الأبحاث الإثنوغرافية لتقنية جلود الأسماك الخاصة بمنطقة القطب الشمالي، اتضح أن جلود السلمون الـ23 المستخدمة لتصنيع الحقيبتين، سُلخت لكشط الدهون واللحوم منها، ثم دُبغت ببول بشري قبل أن تُعالج بزيت سمك أو زيت فقمات. وللتأكد من المسار الدقيق لهذه العملية، توجهت صوفي روي، وهي من علماء "المتحف البريطاني" المعنيين بالمهمة، إلى إسكندنافيا كي تتعلم من دبَّاغ تقليدي كيفية تحويل جلد الأسماك إلى جلد مدبوغ.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

آنذاك، استعان حرفيو القرن التاسع عشر المنتمون إلى شعب اليوبيك في جنوب غرب القطب الشمالي، بإبر من عظام الأسماك وخيوط من الأوتار العضلية لحيوانات الوعل أو أيائل الغزلان لتقطيب جلود السلمون، المسلوخة والمدبوغة والمعالجة، بعضها ببعض.

وفي نهاية عملية التصنيع، صبغوا جلود السلمون المدبوغة باللون الأحمر (المستخرج ربما من لحاء الحور الرومي) وزيَّنوها بشرائط من الشعر النابت على ذقون حيوانات الوعل والكولاجين المأخوذ من حناجر الفقمات البيضاء.

وبالنسبة إلى الحقيبة الكبرى التي استخدمت ربما لتخزين الملابس وحملها، فيبلغ مقاسها 80x60 سنتيمتراً، وتبدو متينة بشكل ملحوظ. أما الحقيبة الصغرى التي يبلغ مقاسها 40x50 سنتيمتراً فيعتقد بأنها كانت تستعمل لجمع التوت وسواه من الأطعمة والتنقل بها.

وقد شكل العمل على ترميم الحقيبتين تحدياً كبيراً للمتخصصين بالمتحف، شأنه شأن ترميم "المعطف الواقي" المزود بقبعة، الذي صنعه حرفيون من جزر ألوتيان في ألاسكا قبل 90 عاماً، وقد استعانوا لهذه الغاية بأمعاء الفقمات أو حيوانات الفظ.

فمن أجل الحفاظ عليه وإصلاح التمزقات التي تشوبه، كان على المتخصصين المتحف البريطاني استخدام سيلولوز الشفاف والرقيق متناهي الصغر. في العادة، تستخدم هذه المادة (المصنوعة من مواد نباتية شديدة المعالجة) لترميم لفائف مخطوطات قديمة، ولكنها استخدمت هنا، وللمرة الأولى في تاريخ الحفاظ التراثي، لتجديد القطع الفنية المصنوعة من أمعاء حيوانية. وما زاد المهمة تعقيداً، رقعات جلد السلمون المربعة والمثلثة التي كانت تزين المعطف من كل جانب.

ولم يكن المعطف الواقي القطعة الوحيدة المصنعة من أمعاء الفقمات أو حيوانات الفظ، بل كان هناك أيضاً الشراع الذي يعود إلى 110 أعوام خلت ويعود لمركب جلدي مفتوح بطول ثمانية أمتار من مراكب القطب الشمالي.

وحتى تحويل أمعاء الحيوانات إلى شراع أو ما يُوازي سُترة واقية من الماء، كان على الحرفيين في القطب الشمالي نفخها بأفواههم كالبالونات.

وبعد تركها لتجف في الهواء القطبي البارد عدة أسابيع، كانوا يقطعونها إلى خطوط طويلة لتُخاط معاً بواسطة الأوتار العضلية للفقمات أو حيوانات الفظ.

ومن تحديات الحفظ الأخرى التي واجهت مُعدّي المعرض: حقيبة مصنوعة من جلد قدم البط وطوافة ضخمة على هيئة فقمة تُصنع عادةً من جلد الحيوان نفسه وتستخدم لاصطياده، وقارب كاياك مصنوع من جلد الفقمة ومستقدم من جزر ألوتيان قبالة شمال غرب ألاسكا.

وإلى جانب ما سبق ذكره، يضم المعرض المنتظر قطعاً نادرة أخرى، بما فيها طوافة محفورة بواسطة رمح من الخشب والعظام ومصنوعة من مثانة حيوانات الفقمة أو الفظ، وزوج من الجوارب المحاكة بأعشاب التندرا القطبية، وحربة عاجية من أنياب التأمور التي ظن حرفيو العاج ومستهلكوه الأوروبيون لسنوات بأنها قرون وحيدي القرن.

لكن أفضل ما في المعرض يبقى زوج الأحذية المطرزة بجلد الغزلان الذي اقتناه كابتن كوك أو أحد زملائه الكبار، خلال الرحلة التي قام بها كوك إلى ألاسكا عام 1778.

إنها المرة الأولى التي يحافط فيها متحف بريطاني على مثل هذه المجموعة الكبيرة من القطع الفنية الاستثنائية من القطب الشمالي ويعرضها.

وهذه القطع تمثل حضارات أكثر من أربعين قبيلة أصلية من قبائل ألاسكا والإينويت وسيبيريا وشمالي إسكندنافيا، ناهيك عن السكان الأصليين لمناطق قطبية وشبه قطبية أخرى برعوا في تحويل الموارد الشحيحة نسبياً التي كانت في متناولهم إلى قطع جميلة وفعالة ومتينة يستخدمونها في حياتهم اليومية (وما زالوا يفعلون ذلك حتى اليوم).

يفتح المعرض الذي يحمل عنوان "القطب الشمالي: ثقافة ومناخ" أبوابه للجمهور يوم الخميس الجاري، وذلك برعاية مجموعة "سيتي غروب" (Citigroup) للخدمات المالية والمصرفية الاستثمارية ومقرها الرئيس نيويورك. والمعلوم عن "سيتي غروب" أنها آخر مصرف كبير يوقف استثماراته في مشاريع الغاز والنفط في القطب الشمالي.

وتعليقاً على الحدث، قالت المتخصصة صوفي روي إنها ترى في القطع الفنية التي يشتمل عليها المعرض والمواد المستخدمة في صناعتها "دليلاً ثابتاً على مهارة المجتمعات المقيمة في المناطق المحيطة بالقطب وإبداعها".

وأضافت "الشعوب التي تعيش في هذه البيئات القاسية تحترم الموارد والحيوانات المحيطة بها، وتحرص على عدم هدر أي جزء من بدن أي حيوان مذبوح، حتى الأجزاء التي يتم التخلص منها عادة، فتحولها ببراعة واحتراف إلى أكثر الأشياء روعةً".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من علوم