قبل أربع سنوات، كان الديمقراطيون في الولايات المتحدة يعتمدون على ما يسمى ولايات الجدار الأزرق التي تصوت تقليدياً لهم كي تصل هيلاري كلينتون إلى البيت الأبيض، لكن ولايات الغرب الأوسط الصناعية وهي بنسلفانيا وميشيغان وويسكونسن كانت عاملاً مهماً وحاسماً في انتصار دونالد ترمب الذي حقق المفاجأة واخترق الجدار الأزرق، فهل سينجح في تكرار هذا الاختراق هذا العام حتى ولو بهامش فوز ضئيل أم يفعلها بايدن ويستعيد الولايات الثلاث لتصل به إلى البيت الأبيض؟
لماذا الجدار الأزرق؟
يرمز الجدار الأزرق إلى الولايات التي تصوت تاريخياً وتقليدياً للمرشح الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية، وهو يمثل حائط صدّ أمام كل مرشح جمهوري يرغب في الفوز بها، إذ يتعين عليه كسر واختراق هذا الجدار كي يفوز بالبيت الأبيض، واللون الأزرق هنا يرمز للحزب الديمقراطي. وإذا فاز المرشح الديمقراطي جو بايدن بكل ولاية فازت بها هيلاري كلينتون عام 2016، بالإضافة إلى ويسكونسن وبنسلفانيا وميشيغان، فإنه سيفوز بالسباق إلى البيت الأبيض بفارق ثمانية أصوات عن خصمه الجمهوري الرئيس دونالد ترمب، لأنه سيتجاوز عدد الأصوات اللازمة للفوز في المجمع الانتخابي وهي 270 صوتاً، محققاً 278 من إجمالي 538 صوتاً.
وهذا يعني أن بايدن يستطيع أن يتحمل خسارة ولايتي فلوريدا و أوهايو وأيوا وهي ولايات متأرجحة عادة، فضلاً عن الولايات الجمهورية تقليدياً مثل جورجيا ونورث كارولاينا وأريزونا التي يتقدم في استطلاعات الرأي فيها، ويظل معه ما يكفي من الأصوات للفوز بالبيت الأبيض.
أما إذا تمكن ترمب من اختراق الجدار الأزرق مثلما فعل في 2016 وفاز بولاية بنسلفانيا أو ميشيغان أو ويسكونسن بعد أن يسجل الفوز بالولايات الجمهورية تقليدياً فضلاً عن فلوريدا وأوهايو وأيوا، فسوف يتخطى حاجز الأصوات اللازمة للفوز وهو 270 صوتاً ليفوز بدورة رئاسية ثانية.
تجربة 2016
في عام 2016 خسر الديمقراطيون ناخبيهم في الولايات الثلاث بهامش ضئيل بلغ 48 ألف صوت فقط، فقد كانوا يعتبرون صوتهم مضموناً، والسبب الأساسي وراء ذلك هو أن ترمب نجح في حشد دعم غالبية الناخبين البيض ومن غير خريجي الجامعات الذين يشكلون نسبة أكبر في الولايات الثلاث مقارنة بنسبتهم على المستوى الوطني.
لكن في عام 2020 ، ظلت الهوة التي تشير إليها استطلاعات الرأي واسعة بين المتنافسين إذ تضع متوسطات استطلاعات الرأي منذ أسابيع جو بايدن في مركز متقدم عن دونالد ترمب بفارق خمس نقاط مئوية على الأقل في كل ولاية من الولايات الثلاث، غير أن الرئيس ترمب وفريق حملته الانتخابية يقولون إن الاستطلاعات التي يجرونها تؤكد أن السباق بينهما متقارب إلى حد بعيد، كما أن الديمقراطيين يشعرون أيضاً بالتوتر على الرغم من تقدم بايدن، لأن أخطاء استطلاعات الرأي عام 2016 كانت أكثر حدة في هذه الولايات، وهو ما تقول مراكز قياس الرأي العام إنه يعود إلى أن الناخبين من غير خريجي الجامعات، كانوا ممثلين بنسب أقل من الواقع في حساباتهم آنذاك، لكنهم صححوا هذا الخطأ الآن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
شكوك الاستطلاعات
وما يثير الريبة أن الصدارة التي يتمتع بها بايدن حالياً في ويسكونسن على سبيل المثال تساوي تقريباً الفارق نفسه الذي حققته هيلاري كلينتون في الوقت ذاته قبل أربع سنوات، ولهذا يعبر كثيرون عن تشككهم في مصداقية هذه الاستطلاعات وخصوصاً في الولايات الثلاث المتشابهة سكانياً واقتصادياً واجتماعياً وبالتالي سياسياً.
ونظراً للتماثل الكبير بين الولايات الثلاث، ليس من المستغرب أن بنسلفانيا وميشيغان وويسكونسن صوتت للمرشح الرئاسي الديمقراطي نفسه في كل انتخابات منذ عام 1992، إلا أنها صوتت لصالح ترمب عام 2016، وصوتت أيضاً قبل عام 1992 لكل من الرئيسين الجمهوريين رونالد ريغان وريتشارد نيكسون، ولجورج بوش الأب باستثناء ويسكونسن، ما يعني أن هناك فرصة سانحة لتكرار انتصار ترمب في ظل عدم الوثوق الكامل في نتائج استطلاعات الرأي.
من يحشد الناخبين؟
وعلى الرغم من تصويت أكثر من 53 مليوناً حتى الآن على مستوى الولايات الأميركية الـ 50، وانتهاء المناظرات الانتخابية، يبقى هناك عدد قليل نسبياً من الناخبين الذين لم يحسموا أمرهم، ومع ذلك فقد تتوقف نتيجة الانتخابات على من يمكنه حشد الناخبين بشكل أفضل في يوم الانتخابات مع استمرار محاولات إقناع الناخبين حتى يوم التصويت.
ويراهن الرئيس ترمب على قدرته في حشد الناخبين البيض الذين يشكلون أكثر من 80 في المئة من سكان الولايات الثلاث، فضلاً عن سعيه لحشد المقترعين من غير خريجي الجامعات والذين تصل نسبتهم إلى حوالى 73 في المئة من سكان الولايات الثلاث.
الجائزة الكبرى
ويرجح خبراء الاستراتيجية في الانتخابات أن ولاية بنسلفانيا سوف تكون بالأهمية نفسها هذا العام وستصبح بمثابة الجائزة الكبرى، ويشير محللو استطلاعات الرأي في مؤسسة "فايف ثرتي إيت" إلى إن الفائز بولاية بنسلفانيا، سواء كان جو بايدن أو دونالد ترمب، ستكون لديه فرصة أكثر من 80 بالمئة للفوز بالبيت الأبيض.
وأظهر تحليل لنتائج الانتخابات على مدى 100 عام مضت نشرته في سبتمبر (أيلول) الماضي صحيفة "ليهاي فالي لايف" وهي صحيفة محلية في بنسلفانيا، أن جميع المرشحين الرئاسيين الذين دعمتهم مقاطعة نورثهامبتون في ولاية بنسلفانيا منذ عام 1920 فازوا بالمنصب الرئاسي باستثناء ثلاثة فقط.
قلق ديمقراطي
غير أن أكثر ما يثير قلق الديمقراطيين هو عدد المسجلين بين الناخبين البيض من غير خريجي الجامعات وسكان المناطق الريفية في ولايات الجدار الأزرق بنسلفانيا وميشيغان وويسكونسن، ففي عام 2016 كان 16 بالمئة من الناخبين المسجلين حديثاً من البيض غير خريجي الجامعات، بينما مثلت نسبة سكان المناطق الريفية 25 بالمئة، أما هذا العام فقد قفزت نسبة الناخبين المسجلين حديثاً بين البيض من غير خريجي الجامعات إلى 22 في المئة، وقفزت نسبة سكان المناطق الريفية إلى 33 في المئة، وهو ارتفاع كبير يعكس أدلة قطعية على تقدم دعم ترمب في المناطق الريفية مقارنة بعام 2016. كما تبين الارتفاع الملحوظ في نسبة الناخبين البيض غير الحاصلين على تعليم جامعي الذين يطلبون بطاقات اقتراع بالبريد مقارنة بالناخبين الملونين من الحاصلين على شهادات جامعية.
وما يخيف الديمقراطيين من تلك البيانات التي يتداولها قادة الحزب، ليس عدد الناخبين الجدد، ولكن عدم رصد حماسة محتملة بين الناخبين المسجلين في السابق الذين لم يدلوا بأصواتهم في انتخابات 2016 الرئاسية أو 2018 التشريعية ولكنهم مؤهلون لذلك، إذ يتوافر قدر هائل من بين هؤلاء الناخبين الذين يمكن للرئيس ترمب الاعتماد عليهم، ذلك أن أكثر من نصفهم من البيض غير خريجي الجامعات.
كل ذلك يعني أن ولاية بنسلفانيا التي تتشابه في كثير من الخصائص مع ميشيغان وويسكونسن يمكن أن تكون مختلفة عما توحي به استطلاعات الرأي، ما يجعل الطريقة التي ستصوت بها غاية في الأهمية.
ما هو الـ "فراكينغ"؟
ومع اقتراب موعد الانتخابات، استمر تقدم بايدن بين ناخبي بنسلفانيا في النمو، لكن هناك مخاوف متزايدة من أن يتضرر بايدن كثيراً بسبب موقفه وموقف الحزب الديمقراطي الأقل ودية مقارنة بالحزب الجمهوري تجاه ما يسمى بـ "فراكينغ"، وهو مصطلح يعني عملية استخراج النفط والغاز والطاقة الحرارية من باطن الأرض باستخدام تكنولوجيا التكسير الهيدروليكي التي يعمل بها آلاف من العمال في بنسلفانيا وتكساس وعدد من الولايات أخرى، لكنها صناعة مثيرة للجدل لأن العلماء يقولون إنها تلوث البيئة وتضرّ بالحياة البرية عبر ضخ مواد كيمياوية في باطن الأرض بهدف ضخ الغاز والطاقة لأعلى، ما دفع بعض الولايات الأميركية إلى سنّ قوانين تحظر هذه التكنولوجيا مثل ميريلاند ونيويورك وفيرمونت.
وما يقلق قطاعاً من الناخبين، هو تذبذب موقف بايدن من هذه القضية وخشيتهم من أن ينقلب عليهم ويحظر هذه الصناعة تماماً إذا وصل إلى البيت الأبيض ولا سيما بعدما قال خلال مناظرته الأخيرة مع ترمب إنه سيحظر هذه الصناعة بشكل تدريجي في معرض حديثه عن قضية المناخ، لكنه عاد بعد يومين وزار بنسلفانيا ليؤكد بشكل قاطع أنه لن يحظر استخراج النفط والغاز بهذه التكنولوجيا بهدف طمأنة شريحة مهمة في الولاية قد تكون سبباً في أن يخسر الانتخابات.
الأسبوع الأخير
ومع اقتراب بداية الأسبوع الأخير على السباق الانتخابي تظل هناك مجموعة من العناصر التي تساعد بايدن على التقدم في استطلاعات الرأي ومنها أنه أقل كرهاً من هيلاري كلينتون ولم تكن لديه مشكلة في التقرب من الناخبين التقدميين كما فعلت هي، بالإضافة إلى تحول عدد كبير من سكان الضواحي وكبار السن في الولاية وابتعادهم عن دعم ترمب، ما جعل بايدن في وضع جيد قد يمكنه من التغلب على الزيادة في تسجيل الناخبين الجمهوريين وعلى عامل الإثارة والتحفيز بين الناخبين البيض المؤيدين لترمب من الطبقة العاملة، ومن غير خريجي الجامعات الذين تزيد أعمارهم عن 30 عاماً.
وعلى الجانب الآخر، سيواصل ترمب جهوده لاختراق الجدار الأزرق وتعزيز تواجده الانتخابي في الولايات الثلاث وإثارة شكوك الناخبين حيال موقف بايدن والحزب الديمقراطي ككل من استخراج النفط والغاز، مع استمراره في خطب ود كبار السن وسيدات الضواحي الذين يساهمون بدور مهم في تحديد دفة التصويت هذا العام.