Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المجندون الأفغان في سوريا... رحلة موت للوصول إلى مغريات الحرس الثوري

قتل غالبيتهم قبل تحقيق أحلامهم وعودة الأحياء منهم إلى بلادهم تثير مخاوف كثيرة

أفغان عائدون إلى بلادهم من إيران، عبر الحدود البرية بين البلدين غرب محافظة هرات (أ.ب.)

قد يتساءل البعض عمّا زجّ بشبان أفغان في الحرب في سوريا، التي تبعد أكثر من ألفي كيلومتر عن بلادهم، حيث سقطوا ولا يزالون يسقطون في حرب ليست حربهم، ودُفنوا غرباء في أرض غريبة عنهم.

الجواب قد يكون بسيطاً، هو حالة الفقر المدقع التي يعيشها أكثر من 55 في المئة من الأفغان، إلا أن رحلة الموت إلى سوريا، لا تبدأ إلا من طريق الباحثين عن دروع بشرية لحروبهم الغازية، ومكاتب هؤلاء لا تبعد كثيراً عن أفغانستان، إذ تتربص بهم في العاصمة الإيرانية طهران.

وإن حالف الحظ هؤلاء واستطاعوا العودة إلى بلادهم أحياء، فإن الظروف التي تنتظرهم ليست أفضل بكثير من تلك التي أتوا منها، فقد باتوا محاطين بالشكوك ومتهمين بالإرهاب.

خيبة الأمل وطعم الصيد المغري

يروي مهدي، شاب أفغاني في أوّل عقده الثاني، لوكالة "أسوشييتد برس"، كيف انتهى به الأمر مقاتلاً في أعنف معارك سوريا، إلى جانب عشرات آلاف الأفغان الذين درّبتهم إيران ودفعت لهم أجوراً، وكيف عاد إلى دياره، حيث أصبح "خائناً" ومشتبهاً فيه.   

بعد وقت قليل على إتمامه عامه الـ 17، توجّه مهدي في العام 2015 إلى إيران المجاورة، حيث عمل في مجال البناء، آملاً في جمع أموال كافية للسفر إلى أوروبا، لتأمين حدّ أدنى من المعيشة اللائقة، غير أن إقفال الحدود الأوروبية وضع حداً لآماله.

ويقول مهدي "خاب أملي جداً. جئت إلى إيران لأذهب إلى أوروبا، لأدرس فيها، لأحصل على حياة أفضل، لكنّني بقيت هنا (في إيران)، بلا شيء". وأمام خيبة الأمل هذه، اقترح عليه صديق أفغاني الذهاب للقتال في سوريا.

فراتب شهري بمقدار 900 دولار أميركي للمقاتل لصالح إيران، يشكّل طعماً مغرياً لفريسة لا يتخطّى راتبها الشهري 150 دولاراً أميركياً.

البركة الأخيرة قبل الموت المرجّح

"فكّرت في الأمر وجعلت قلبي قوياً... اتخذت القرار، عشت أم متّ، سأذهب"، تابع مهدي. وتوجه مع رفيقه إلى مركز تجنيد في طهران، حيث جمع المسؤولون فيه معلومات شخصية عنهما، أسماء أهاليهما وأقاربهما وعنوانَي سكنهما في هرات. أدرك مهدي أنهم يجمعون كل هذه المعلومات عنه، لأنه قد يموت.

في اليوم التالي، نُقل مهدي وعدد من المجندين الأفغان إلى محافظة يزد، جنوب إيران، حيث خضعوا لتدريبات استمرت 27 يوماً، بقيادة الحرس الثوري. ونالت مهارة مهدي في الرماية إعجاب المدربين، فجعلوه قنّاصاً. وبعد انتهاء التدريبات، نُقل الشاب مع 1600 مجنّد، إلى دمشق.

أوّل محطّة للمجنّدين، كانت في مقام السيدة زينب، قبل التوجّه إلى معركتهم الأولى. وفي اليوم التالي، انتقلوا في الحافلات إلى شمال حلب، حيث أُرسِلوا فوراً إلى الخطوط الأمامية.

"تدوس الدبابات جثث الأفغان مثلما يدوس المرء النمل"  

وفي خان طومان، وجد مهدي نفسه في إحدى أعنف معارك الحرب السورية، وسط جثث زملائه وتحت نيران تنظيم "داعش" وجبهة النصرة، التابعة لتنظيم "القاعدة"، في حملة بدأت في ربيع العام 2016، شارك فيها الجيش السوري إلى جانب عسكريين إيرانيين ومسلحي حزب الله وعراقيين، إضافة إلى المجندين الأفغان، بدعم من القوات الجوية الروسية.

استمر القتال أشهراً، سقط فيه مئات القتلى والجرحى من الطرفين،إذ في يوم واحد قُتل نحو 80 شخصاً من جانب النظام السوري، من بينهم 13 إيرانياً وعشرات الأفغان والعراقيين واللبنانيين، من دون أن يتمكنوا من انتزاع المنطقة المراد السيطرة عليها.

ويصف مهدي المعركة بـ "سفك دماء مرعب"، ويروي كيف أُرسل 800 أفغاني إلى الخط الأمامي، وعاد 200 منهم فقط على قيد الحياة. ويضيف "غالباً ما كنت أرى 7 أو 8 جثث في الصباح... في الأيام الأولى، شعرت بخوف شديد. صوت الانفجارات كان مرتفعاً جداً". 

 

يقول عبدالله من جهته، وهو مقاتل أفغاني آخر شارك في المعركة نفسها، إنه ما زال يُبصر كوابيسَ حول الموتى وأطرافهم المفقودة، وإن الأفغان كانوا يُرسَلون إلى الخطوط الأمامية كذخيرة رخيصة، سهلة التضحية بها. ويضيف لـ "أسوشييتد برس" في العاصمة الأفغانية كابول "رأيت الدبابات تدوس على المقاتلين الأفغان مثلما يدوس شخص ما على النمل. جثث القتلى كانت متناثرة في كل مكان".

 

"إرهابيون" يُدفنون في إيران

 أمّا اليوم، وبعد ثماني سنوات على اندلاع الحرب السورية، تدور التساؤلات عمّا ستفعل إيران بكل هؤلاء المجنّدين، الذين خضعوا لتدريبات ونالوا خبرةً عسكرية مهمة على أرض المعركة، فالسلطات الإيرانية نظّمت حملة واسعة لجذب الشيعة من حول العالم، أفغاناً وباكستانيين ولبنانيين، وضمّتهم إلى جماعات مسلّحة لمساندة حليفها السوري بشار الأسد. 

بالنسبة إلى الأفغان، كمهدي وغيره من الشيعة الآتين من مجتمعات فقيرة، تبقى عودتهم إلى بلادهم غير مرحّب بها، إذ تدور حولهم الشبهات. ويعتقد المسؤولون الأمنيون الأفغان أنّ إيران ما زالت تنظّم صفوف هؤلاء، في مجموعات مسلّحة وسرية، لنشر نفوذها في البلاد، في ظل النزاعات المستمرة.

ويقول مهدي، الذي تحدث إلى "أسوشييتد برس" شرط عدم الافصاح عن اسمه الكامل، وفي لقاء جرى داخل سيارة مركونة في إحدى المناطق النائية والمسكونة بمعظمها من الشيعة، إنّه وأمثاله في أفغانستان "يشعرون بالخوف. فهم (الأفغان) يقولون إنّنا جميعاً إرهابيون".  

ويواجه المقاتلون الأفغان العائدون من سوريا تهديدات من جهات عدة، من بينها جماعات تابعة لـ "داعش"، ويتعرّضون للاعتقال من قبل جهات أمنية تضعهم في خانة الخونة.

ويقول أحد سكان المناطق المجاورة لهرات، إن مجرّد التعرف على أحد المقاتلين السابقين في سوريا، كافٍ لزجّه في السجن. ويضيف أنّ ثمانية شبّان من بلدته قُتلوا في حرب سوريا، إلا أنّهم دُفنوا في إيران.

 

طهران تنظّم صفوف مجنّديها في أفغانستان

تتخوّف أفغانستان الغارقة في نزاعاتها، من تحريك إيران مجنّديها الأفغان السابقين، لتعزّز نفوذها في البلاد، خصوصاً مع تكثيف الولايات المتحدة وتيرة عملية انسحابها من البلاد.

فإحدى أكبر الميليشيات التي أسّستها إيران في العام 2014 للقتال في سوريا، هي ميليشيا "فاطميون"، المؤلّفة من مجنّدين أفغان شيعة، كانوا يعيشون في فقر شديد في بلادهم. ويموّل هذه الميليشيا ويدرّب عناصرها، البالغ عددهم نحو 15 ألف مقاتل وفق تقدير خبراء، الحرس الثوري الإيراني، وتفيد تقارير بأنهم يتلقون 500 دولار أميركي شهرياً.  

وكشف مسؤول كبير في وزارة الداخلية الأفغانية لـ "أسوشييتد برس"، شرط عدم ذكر اسمه، أن قرابة 10 آلاف مقاتل سابق في ميليشيا "فاطميون" عادوا إلى البلاد، مضيفاً أن طهران ما زالت تقدم الدعم لمقاتليها السابقين الساكنين في كابول وفي باميان.

وقال أيضاً إن أجهزة الاستخبارات الأفغانية تمكنت من التعرف إلى كبار المسؤولين الحكوميين في إيران، الذين "يديرون نشاطات" العائدين إلى أفغانستان، ويمدونهم بالسلاح والمال، إضافة إلى تنظيم صفوفهم بغرض تحريكهم سريعاً عند الحاجة.

"قد أصبح سارقاً أو ربّما أعود إلى سوريا"

ووسط الأوضاع المعيشية الكارثية التي يعيشها الأفغان، يبدو أن إيران استغلت نقطة ضعفهم في شكل جيّد، إذ جنّدتهم بإغراءات مالية، هم في حاجة إليها، وكثرٌ منهم قُتلوا قبل "التنعّم" بها. فمهدي العائد من سوريا منذ نحو سنة، ما زال فقيراً يبحث عن لقمة عيشه. وفي ظلّ خياراته المحدودة، يفكّر في الانضمام من جديد إلى الميليشيات في سوريا. وقال: "لا أعلم ماذا سيحمل مستقبلي، قد أصبح سارقاً أو ربما أعود إلى سوريا".

المزيد من دوليات