Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خيبة جيل الألفية بالديمقراطية تفوق كل ذاكرتنا الحية عن الشبيبة

يُستبعد أن تفرض الشعبوية نفسها بطلاً لإنقاذ شباب العالم، ولو في المدى القريب

لم تستطع الشعبوية المعاصرة فرض نفسها على جيل الشباب المعاصر (بيكساباي.كوم)

تُفيد دراسة صادرة عن "مركز مستقبل الديمقراطية" Centre for the Future of Democracy التابع لـ"جامعة كامبريدج" أن جيل الألفية يشعر بخيبة أمل إزاء الديمقراطية أكثر من أي جيل آخر في الذاكرة الحية. ولفتت أيضاً إلى أن أكثرية الشباب والشابات حول العالم، غير راضين حالياً عن الأنظمة السياسية القائمة في بلدانهم.

وتستند هذه الدراسة إلى أكبر مجموعة بيانات منسقة عن الشرعية الديمقراطية، بين عامي 1973 و2020، وتضم آراء ومواقف أكثر من 4.8 ملايين شخص من 160 دولة حول العالم.

وكذلك تُظهر هذه البيانات أن السبب الرئيس لتزايد نسبة الاستياء والمستائين من أداء الديمقراطية، يتمثل في الاستبعاد الاقتصادي الذي يبرهن عليه ارتفاع معدل البطالة في أوساط الشباب، ومستوى عدم المساواة في الثروة في الديمقراطيات المتقدمة، وسلوكيات "إجهاد الانتقال" في الديمقراطيات الناشئة في كل من أميركا اللاتينية وأفريقيا، جنوب الصحراء الكبرى وجنوب أوروبا، على أساس أن الأجيال في هذه الدول لا تمتلك أدنى فكرة أو ذكرى عن الحكم الاستبدادي أو الصراع من أجل الديمقراطية.

في المقابل، ثمة مُنقذ مستبعد للديمقراطية، وقد تبدى أخيراً على شكل شعبوية. وبفضله، ازداد رضا الشباب عن الديمقراطية بمعدل 16 نقطة في ظل الشعبويتين اليمينية واليسارية. وبحسب باحثين، فإن "الاستثناء الرئيس" في هذه القاعدة، هو رئاسة دونالد ترمب للولايات المتحدة. "هذا أول جيل في الذاكرة الحية لا ترضى غالبيته العالمية، وهي في العشرينات والثلاثينات من العمر، عن طريقة سير الديمقراطية"، بحسب تأكيد الدكتور روبرتو فوا، المؤلف الرئيس للتقرير الصادر عن "قسم الدراسات الدولية والسياسية" في "جامعة كامبريدج".

ووفق كلماته، "إن نسبة المُستائين من الديمقراطية لدى الألفيين في منتصف الثلاثينات وصلت إلى 55 في المئة، في حين لم تتجاوز 50 في المئة لدى الفئة العمرية نفسها من "الجيل إكس". ولا تزال أكثرية جيل "طفرة المواليد" الذين وصلوا الآن إلى الستينات والسبعينات من العمر، راضية عن الديمقراطية، شأنها في ذلك شأن جيل ما بين الحربين العالميتين". وتوضيحاً، يستخدم مصطلح "الجيل إكس" في الإشارة إلى الأشخاص المولودين في الفترة الممتدة بين 1965 و1980، ويُعتَمَد مصطلح جيل "طفرة المواليد" في وصف الأشخاص المولودين بين عامي 1944 و1964.

وإذا عدنا بالزمن إلى الوراء، وصولاً إلى 1973 تحديداً، نلاحظ أن 54 في المئة من البريطانيين البالغين من العمر ثلاثين عاماً، المنتمين إلى جيل ما بين الحربين، كانوا راضين عن أداء الديمقراطية في المملكة المتحدة. وبعدها بعشر سنوات، نلاحظ أن هذه النسبة ارتفعت كي تشمل غالبية أكبر من جيل "طفرة المواليد". وبين تسعينيات القرن العشرين وأوائل القرن الحالي، يتأكد لنا أن هذه النسبة (من الرضا) واصلت ارتفاعها كي تبلغ 62 في المئة في أوساط "الجيل إكس"، لكنها عادت وانخفضت إلى 48 في المئة في صفوف أبناء جيل الألفية، ممن بلغوا الثلاثين عاماً العقد الماضي. وفي ذلك الصدد، يعتبر الباحثون أن البيانات لا يُمكنها أن تُبين بصورة قطعية مدى تأييد الناس للقيم الديمقراطية أو ازدرائهم لها، لكن يُمكنها أن تستنتج طريقة التفكير العامة حيال أداء المؤسسات. واستطراداً، ثمة بين المشاركين الشديدي الثقة بالديمقراطية الليبرالية من هو غير راض عن أداء المؤسسات الحكومية وممارساتها، وبينهم مَن هو راض عن هذه المؤسسات على الرغم من عدم مراعاتها للمعايير الديمقراطية المقبولة.

وعلى الصعيد العالمي، ومع التحاق الألفيين الأوائل بالجامعات مطلع القرن الحالي، بات معدل الرضا عن الديمقراطية في جيل هؤلاء أعلى كثيراً من جيل آبائهم وأمهاتهم. وفي المقابل، لم يدم طويلاً ذلك المعدل المرتفع، بل ما لبث أن هوى بشكل حاد بعد الأزمة المالية في 2008، مع فقدان الألفيين ثقتهم في الأنظمة الحاكمة بطرق أقوى وأسرع من الأجيال السابقة. وفي هذا الصدد، ذكر الدكتور فوا إن "زيادة أعباء المديونية وتدني احتمالات امتلاك منزل، وتزايد التحديات المرتبطة بتأسيس عائلة، والاستعاضة عن الموهبة والعمل الدؤوب بالثروة والإرث الطائل لتحقيق النجاح، كلها عوامل أسهمت في استياء الشباب". وأضاف، "في كل مكان في العالم، فجوة دائمة الاتساع في نظرة الشباب والأجيال الأكبر سناً لأداء الديمقراطية. وليست هذه الفجوة من المسلمات، إنما هي نتيجة حتمية لفشل الديمقراطيات في العقود الأخيرة في تحقيق نتائج تهم الشباب، بدءاً من الوظائف وفرص الحياة إلى معالجة عدم المساواة والتغير المناخي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي الديمقراطيات الغربية، اكتشف الباحثون أن جيل الألفية أكثر انجذاباً إلى السياسة من الأجيال التي سبقته. إذ يتفق 41 في المئة من أبنائه على أنه يُمكن "للسياسات أن تحدد إذا كان أحد الأشخاص جيداً أو سيئاً"، بالمقارنة مع 30 في المئة من المُصوتين ممن تجاوزت أعمارهم الخامسة والثلاثين. ووجد الباحثون كذلك أن عدم رضا الشباب عن الديمقراطية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتزايد ظاهرة الشعبوية، التي تنبذ التعددية وتصبغ كل من يمتلك رأياً سياسياً مخالفاً بقلة الأخلاق أو قلة المعرفة. وقد توصل الباحثون إلى ذلك التعليل بالاستناد إلى دراسات أكدت (وتؤكد) أنه يُمكن لاستياء الأفراد من الديمقراطية أن يزيد إمكانية تأييدهم للأحزاب الشعبوية المناقضة لقواعد الديمقراطية الليبرالية.

وعلى النقيض من ذلك، تبين للباحثين أن "الموجة الشعبوية" في السنوات الخمس الأخيرة، قد منحت المواقف الإيجابية تجاه الديمقراطية دفعاً قوياً، مع تراجع مستوى عدم الرضا عن الديمقراطية خلال العامين الأولين من تبوؤ الشعبويين الحكم. وفي ذلك المنحى، استشهد الباحثون باقتراح الخبير الاجتماعي كولين كراوش ومفاده أن الحركات الشعبوية قد "تشجع على النهضة الديمقراطية" بدلاً من الانحلال الديمقراطي، على ضوء انتعاش ظاهر وصريح في مشاركة الشباب الداعم للجهات السياسية الخارجية الراغبة في كسر القواعد القائمة داخل الديمقراطية.

لكن التأثيرات الطويلة الأمد للشعبوية وانعكاساتها على رضا الشباب وثقتهم بالديمقراطية أقل وضوحاً. "لو أن الشعبوية تصحيح صحي لإخفاقات المؤسسات الديمقراطية في معالجة الإحباط العام وتساهل النخبة السياسية، لاعتُبِرَتْ علاجاً ولفُضل تناولها بجرعات صغيرة"، وفقاً لتقرير الدراسة. واستطراداً، صحيح أن وجود "الشعبويين في السلطة" أكثر من ولايتين قد يرفع ثقة الشباب بالديمقراطية، لكنه قد ينذر أيضاً بأزمة كبيرة على مستوى الشرعية الديمقراطية، مع تراجع رضا الشباب عن الديمقراطية في شكل تدريجي، "بصورة حادة".

وغالباً ما يقطع الشعبويون وعوداً مبالغة تفوق قدرتهم على الإيفاء بها، وغالباً ما تتعرقل تلك الوعود بالمقاومة المؤسساتية.

"في أكثرية الأحيان، يعكس الشعبويون هذه المقاومة على أنفسهم، عن طريق إثارة الصراعات ضد المؤسسات تحت راية "إرداة الشعب" بدلاً من العمل على بناء ائتلافات"، الأمر الذي يُمكن أن يؤدي إلى "شلل شعبوي". وعند هذا الحد، تكون الإدارات على وعي تام بأن الدعم الشعبوي المخصص لها بدأ يتلاشى، فتتحول نحو تقييد الحقوق المدنية والحريات السياسية.

ووفق كلمات الدكتور فوا، "قد يعني انتشار المواقف الاستقطابية بين أبناء جيل الألفية أن الديمقراطيات المتقدمة ستبقى أرضاً خصبة للسياسات الشعبوية". وعلى التحدي الشعبوي أن يهز الأحزاب المعتدلة ويحث القادة على التحرك إلى ما هو أبعد من التوصيف التجميلي. وإذا فعل ذلك، قد تبقى الشعبوية محفزاً على تجديد الديمقراطية، بدل أن تكون بداية تحللها التدريجي".

يُمكنكم العثور على مزيد من التقارير في وكالة "بريس أسوسييشين".

© The Independent

المزيد من تقارير