Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الجهود الأميركية ضمنت رئاسة الحريري للحكومة

كلمة لعون تسبق الاستشارات النيابية وشينكر سأل عن البديل لرئيس تيار "المستقبل" داعياً إلى إعطائه فرصة تنفيذ الإصلاحات

اتصال بومبيو بعون وتحذير الهيئات الاقتصادية صعّدا الضغوط لتكليف الحريري في 22 أكتوبر (أ ف ب)

حدثان ذات دلالة حصلا في لبنان بعد ظهر ومساء الاثنين 19 أكتوبر (تشرين الأول)، يضغطان في اتجاه تسريع تكليف رئيس تيار "المستقبل"، رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بتأليف الحكومة الجديدة، العالقة بالتجاذبات اللبنانبة وحسابات بعض الأطراف الخارجية، منذ استقالة حكومة حسان دياب في 10 أغسطس (آب) الماضي. الأول اتصال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو برئيس الجمهورية ميشال عون الذي تناول مسألة تشكيل الحكومة، والثاني البيان الصادر عن الهيئات الاقتصادية عارضاً الحال المأساوية التي سيبلغها الوضع المعيشي في حال "استمرار الأداء السياسي السلبي في البلد"، الذي لم يعد يحتمل المماطلة في الاستفادة من المبادرة الفرنسية، التي وفّرها الرئيس إيمانويل ماكرون لإنقاذ لبنان من الانهيار الكامل منذ زيارتيه إلى بيروت في السادس من أغسطس ثم في الأول من سبتمبر (أيلول) الماضيين. فحجر الرحى في هذه المبادرة تأليف حكومة اختصاصيين مستقلين غير حزبيين، تنفذ إصلاحات عاجلة تمكّن الرئيس الفرنسي من إقناع المجتمع الدولي بتقديم دعم مالي للبنان لسدّ الفجوة المالية الهائلة التي يغرق فيها.

كلمة لعون

وتتجه الأنظار إلى ما سيعلنه اليوم الأربعاء الرئيس عون، إذ أعلن قصر بعبدا فجأة مساء الثلاثاء، ان رئيس الجمهورية سيوجه ‏رسالة إلى اللبنانيين في الثانية عشرة ظهر الأربعاء، يتناول فيها الأوضاع الراهنة. وبدا لافتاً أن مضمون الرسالة وما ‏سيعلنه عون من مواقف قد أُحيط بكتمان شديد من المعنيين في رئاسة الجمهورية .
 

البيان المأساوي للهيئات الاقتصادية: حكومة فوراً

ومع أنها ليست المرة الأولى التي تحثّ فيها الهيئات الاقتصادية القيادات السياسية على تسريع تطبيق الحلول للمأزق الاقتصادي المالي غير المسبوق الذي يعيشه لبنان، فإن بيانها الاثنين هو أكثر مواقفها وضوحاً، إذ خاطبت المسؤولين السياسيين والرأي العام بعبارات مباشرة، منتقدة سلوك القيادات السياسية بعد تأجيل الرئيس عون الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس الحكومة الجديد، للحؤول دون اختيار الحريري بسبب رفضه وصهره رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، تولّيه رئاسة الحكومة. وما جاء في بيان هذه الهيئات "سنصل إلى مرحلة ستنعدم فيها السيولة بالعملات الصعبة، ويرتفع سعر صرف الدولار من دون سقف، وتندثر القدرة الشرائية وترتفع نسبة التضخم إلى مستويات عالية غير مسبوقة عالمياً، ما يعني إقفال شبه كامل للمؤسسات وبطالة جماعية وفقر مجتمعي عابر للطوائف والمذاهب".

ومع أن ما جاء في بيان هذه الهيئات سبق أن حذّر منه فرقاء سياسيون وخبراء اقتصاديون، فإن تكراره من قبلها شكّل نوعاً من الصرخة التي "تنبئ بمصير مأساوي للبنانيين"، قبل ثلاثة أيام من الاستشارات النيابية الدستورية المؤجلة التي يجريها عون الخميس في 22 أكتوبر، فإن الهيئات الاقتصادية اعتبرت أن "من سخرية القدر، أن سنوات وسنوات مرّت، ولا يزال يُتَّبع النمط السياسي ذاته الذي أوصل لبنان إلى هذه الحال التي وصل إليها"، وأنه "سيصل الشعب اللبناني إلى ما بشّرنا به البعض في بداية الأزمة، بالعودة عقود إلى الوراء".

وإذ هال هذه الهيئات تأخير تأليف الحكومة، طالبت "بتشكيلها فوراً"، وأن تكون "قادرة على تنفيذ الورقة الفرنسية الإنقاذية لإعادة إعمار بيروت وإنقاذ لبنان".

وجاءت هذه الصرخة وسط توالي مؤشرات خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، منذ دفعت العراقيل السفير مصطفى أديب الذي كُلّف بتأليف الحكومة في آخر شهر أغسطس إلى الاعتذار في 26 سبتمبر، رفعت منسوب الخطر ومعه سعر صرف الدولار الأميركي، مع تهيّؤ مصرف لبنان لرفع الدعم عن استيراد مواد أساسية، لقرب نفاذ احتياطيه من العملة الأجنبية. فبدأت أدوية تشح في الصيدليات وكذلك المحروقات وبعض السلع الغذائية، بينما يزيد التهريب إلى سوريا من حدة الأزمة. واعتبر صندوق النقد الدولي أن عجز موازنة الدولة سيرتفع هذا العام إلى 16.5 في المئة من الناتج المحلي، بعدما كان 10.5 قبل خمسة أشهر، وإعلان رئيسة الصندوق كريستالينا جورجيفا عن الاستعداد لمساعدة لبنان، لكنه يفتقد إلى الشريك الفعلي في الحكومة اللبنانية، ما يعني استعجالها تأليفها.

الحريري ضَمَن الأكثرية وعون "لا أريده"

في البعد المالي الاقتصادي لتأخير تأليف الحكومة، فإن مجرد الحديث عن جدّية تكليف الحريري بعد لقائه الرئيس عون في 12 أكتوبر، انخفض سعر الدولار الأميركي في السوق السوداء زهاء 1000 ليرة لبنانية (من متوسط 8750 ليرة إلى 7800 ليرة) لأن العرض الذي قدّمه زعيم تيار "المستقبل" لترؤس حكومة اختصاصيين غير حزبيين، تضمن التنفيذ الكامل للورقة الإصلاحية الفرنسية، لكنه عاد فارتفع في اليوم التالي، إثر إعلان باسيل عن رفض عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة، واستمر مرتفعاً بعدما شاعت أنباء أن عون أبلغه خلال لقائه معه بأنه لا يريده رئيساً للحكومة، وأن الحريري شرح له نواياه لجهة تحقيق الإصلاحات، فأجابه عون "اتفق مع جبران". لكن الأخير استبق أي محاولة لرأب الصدع مع الحريري بالتأكيد أنه وتكتله النيابي لن يعدُلا عن رفض تسمية الحريري. وهذا ما دفع عون إلى تأجيل الاستشارات في 15 أكتوبر، للحؤول دون عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة غصباً عنه، بعدما ضمن الأخير أكثرية إلى جانبه، تشمل نواب الثنائي الشيعي، لا سيما أن رئيس البرلمان نبيه بري يعتبره مرشحه الوحيد، ونواب "الحزب التقدمي الاشتراكي" إثر تفاهمه مع وليد جنبلاط، فضلاً عن كتل نيابية أخرى بحيث يحصل على زهاء 68-70 صوتاً من أصل 120 نائباً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن التأجيل المتعمّد لتكليف الحريري بحجّة افتقاد تسميته "للميثاقية"، لأن كتلتين نيابيتين مسيحيتين كبيرتين هما كتلة حزب "القوات اللبنانية" وكتلة "التيار الحر" لن تسمّياه، استدرج ردود فعل راوحت بين استغراب الدول المهتمة بالوضع اللبناني وبين سخط بعض هذه الدول إزاء مواصلة القيادة السياسية في لبنان إضاعة الوقت والفرص. هذا فضلاً عن الحملة الواسعة في بيروت ضد تأجيل الاستشارات، متهمةً عون بخرق الدستور.

الضغوط الأميركية من شينكر إلى بومبيو

تلاقت الضغوط الداخلية على رفض أي تأجيل جديد للاستشارات المتوقعة في 22 أكتوبر، مع ضغوط خارجية مارستها الولايات المتحدة في شكل مباشر هذه المرة أكثر من باريس. ورجّحت تكليف الحريري في 22 الحالي، مع آمال بألا يأخذ تشكيله الحكومة لاحقاً وقتاً، وسط مخاوف من أن يتم التكليف وتليه عرقلة في عملية التأليف بحجّة إصرار الفرقاء، خصوصاً عون وباسيل على حقهما في تسمية الوزراء المسيحيين.

فبعد اتصال بومبيو بعون، كان لافتاً ما تضمّنه بيان وزارة الخارجية الأميركية، خلافاً لما جاء في بيان الرئاسة اللبنانية عن الاتصال الذي لم يشر إلى ما طرحه الوزير الأميركي في شأن الحكومة. أكد بيان الخارجية أن بومبيو، إضافة إلى ترحيبه ببدء المفاوضات بين لبنان وإسرائيل للاتفاق على حدود بحرية مشتركة، "احتفى خلال الاتصال بالذكرى السنوية الأولى لاحتجاجات 17 أكتوبر، وأشار إلى أن الولايات المتحدة تتطلّع إلى تشكيل حكومة لبنانية تلتزم إصلاحات من شأنها أن تؤدي إلى فرص اقتصادية وحكم أفضل ووضع حدّ للفساد المستشري، وتتمتّع بالقدرة على تنفيذ هذه الإصلاحات."

بدا واضحاً أن الوزير الأميركي حث عون على وقف عرقلة التكليف والتأليف، وأنه يواصل ما فعله مساعده لشؤون الشرق الأدنى في بيروت الأسبوع الماضي، بعد مشاركته في إطلاق مفاوضات الترسيم، إذ شهد على عرقلة الاستشارات. وبعث شينكر رسالة واضحة إلى عون وفريقه حين استثنى جبران باسيل من لقاءاته مع القادة السياسيين كافة، من دون أن يخفي في حديثه مع بعضهم تأييد بلاده عودة الحريري إلى ترؤس حكومة إنقاذية تنفّذ ورقة ماكرون الإصلاحية، التي لم يترك لبساً بأنها الوحيدة الموجودة على الطاولة. وعلمت "اندبندنت عربية" من قيادات عدة التقاها بومبيو أنه كان أكثر وضوحاً مع بعضها، خصوصاً القيادات المسيحية، قياساً إلى البعض الآخر، فشدّد على وجوب إجراء الاستشارات لاختيار رئيس الحكومة العتيد.

جهود شينكر مع "القوات" لنزع ذرائع تأجيل الاستشارات

وناقش شينكر مع رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، الذي يؤيّد ترشيح الحريري للرئاسة الثالثة، وجوب تسريع قيام الحكومة، لكنه توسع في هذا النقاش مع رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، الذي كان أعلن أن كتلته النيابية (15 نائباً) لن تسمي أحداً في الاستشارات، وأن ترؤسها من قبل الحريري كسياسي يمثّل كتلة نيابية وازنة، سيؤدي إلى مطالبة الفرقاء الآخرين بحق تسمية الوزراء ولو كانوا من غير الحزبيين، فتعود التركيبة الحكومية إلى دوامة إعاقة عملها كما حصل مع حكومة حسان دياب، التي لم تنجز أياً من الإصلاحات. إلا أن شينكر سأل جعجع "هل لديكم بديل عن الحريري؟" فأجابه بالنفي. لم يطلب المسؤول الأميركي من حزب "القوات" تسمية الحريري بعد الموقف الذي أعلنوه، لكنه أشار إلى أنه "لا يمكن ترك البلد في فراغ حكومي، وواشنطن يهمّها إنقاذه. وإذا كان زعيم المستقبل يعد بحكومة اختصاصيين وبتنفيذ الإصلاحات وفق المبادرة الفرنسية، فلماذا لا يأخذ فرصته؟".

وقالت مصادر مقربة من جعجع وأخرى من فرقاء آخرين اجتمعوا مع شينكر، إن الأخير حرص على ألا يستفيد الساعون إلى تأجيل الاستشارات مجدداً من موقف جعجع لإعاقة تكليف الحريري، بحجّة أن عدم تسمية كتلة "القوات" وكتلة "التيار الحر" يجعلان من تكليفه غير ميثاقي (نسبة إلى الميثاق اللبناني عن تعايش الطوائف ومشاركتها في السلطة)، وهو ما وافقه عليه جعجع، معترضاً على تأجيل الاستشارات، فأعلن عدد من نواب "القوات" في اليوم التالي رفض حجة الميثاقية، لأنها لا تنطبق على تكليف رئيس الحكومة بل على تأليف الحكومة لاحقاً. وهذا نزع حجة عون لتأجيل ثانٍ للاستشارات.

وعاد جعجع فأوضح الموقف ذاته، على الرغم من نفيه وجود أي علاقة بين عدم تسمية الحريري ووجود طلب من السعودية وأميركا. وذكر أن شينكر أكد أنه من الأفضل وجود حكومة من عدمه، فيما السعودية لم تدلِ بأي تصريح حول الحكومة. وبرّر جعجع عدم تسمية الحريري بالقول "لثقتنا بأنه لا يمكن أن نصل إلى نتيجة بوجود الثلاثي الحاكم، "التيار الحر" و"حزب الله" و"حركة أمل". لكن رئيس "القوات" أظهر ليونة تجاه الحريري على الرغم من الخلافات بينهما، إذ قال "في حال تكليف الحريري، سنكون حتماً مع أي خطوة إيجابية ستقوم بها حكومته".

تقاطع بين واشنطن و"الحزب" حول التكليف لا التأليف

بدا الجهد الأميركي للحؤول دون تأخير تكليف الحريري، لأن واشنطن تحرص على قيام حكومة بالتوازي مع المفاوضات التي ترعاها حول الحدود البحرية، متقاطعاً مع موقف "الثنائي الشيعي" بوجوب إجرائها في 22 الحالي. وأبلغت مصادر سياسية متصلة بـ"حزب الله"، "اندبندنت عربية"، أن الحزب لن يراعي كما هي العادة حليفه باسيل في أي تأجيل، بل سيشارك في الاستشارات وربما يسمّي الحريري، بعدما تردّد أنه لم يكن ضد التأجيل الأول، لكنه سعى إلى أن يأتي بطلب من غيره وليس منه. وتعزو المصادر ذاتها الافتراق في الموقف بين الحليفين إلى امتعاض "الحزب" من طريقة تأليف عون الوفد إلى مفاوضات الترسيم، إذ ضم إليه مدنيين خلافاً لإصرار الحزب على أن يكونوا من العسكريين فقط. وترجّح هذه المصادر أن يكون "الحزب" قطع شوطاً في التفاهم مع الحريري على تدوير الزوايا حول التأليف، بحيث تبقى وزارة المال للطائفة الشيعية لمرة واحدة حتى لا تُكرّس كعرف دستوري، ويشترك "الثنائي الشيعي" بتسمية الوزراء الشيعة الآخرين بالتشاور، بحيث لا يتم تعيين أشخاص مستقلين معادين للحزب. إلا أن هذا الأمر يستفزّ باسيل وعون اللذين سيطالبان بتسمية الوزراء المسيحيين أسوةً بالوزراء الشيعة، ويرفضان أن يسمّيهم الحريري.

ومع عودة الآمال بتكليف الحريري، بقي تأليف الحكومة غير مضمون بفعل الصعوبات حول تسمية الوزراء، لا سيما أن عون وباسيل ينتظران الحريري عند مفترق تشكيل الحكومة، ويصرّ نواب كتلتهما على اختيار الوزراء المسيحيين، خصوصاً أن عون يحمل سلاح توقيع مراسيم إصدار الحكومة بالاتفاق مع رئيسها، بحيث يحجب هذا التوقيع إذا لم يرضَ عن تركيبتها.

فهل يقف "حزب الله" متفرجاً على تأخير تأليف الحكومة من قبل عون وباسيل، لأن موقفه وإيران من خلفه، هو تأجيل أي حلول بإشراف دولي - أميركي - فرنسي لمأزق لبنان إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية؟

المزيد من متابعات