Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا اختار الأميركيون آلية معقدة لانتخاب الرئيس؟

التقارب بين المرشحين ترمب وبايدن في أصوات المجمع الانتخابي أمر محتمل هذا العام

اعتاد الأميركيون والعالم كله معرفة الفائز بالانتخابات الرئاسية عبر وسائل الإعلام التي تتسابق فور إغلاق صناديق الاقتراع ليلة الانتخابات في حساب الأرقام التي تجمعها من الولايات الخمسين والتي تُرجح مَن فاز بغالبية أصوات المُجمع الانتخابي، ومن ثم تعلن اسم الفائز.

إلا أن ذلك يعتمد دائماً على وجود فارق واضح في النتائج ما يجعل المرشح الخاسر يُقر بالهزيمة وبالتالي يصبح المنافس في حُكم الفائز.

لكن النتيجة مع ذلك تظل غير رسمية، لأن الإعلان الرسمي يستغرق في الواقع أكثر من شهرين. ولأن التقارب بين المرشحّين ترمب وبايدن في أصوات المجمع الانتخابي أمر محتمل هذا العام، فقد تتأخر وسائل الإعلام في إعلان الفائز لأيام وربما أسابيع كما توقع الرئيس ترمب من قبل، بخاصة أن عشرات الملايين من الأصوات المرسلة بالبريد قد تصل متأخرة أياماً بما يجعل التيقن من الفائز صباح اليوم التالي للانتخابات أمراً مستحيلاً.

فما السبب وراء تحديد آلية المجمع الانتخابي المعقدة لاختيار الرئيس الأميركي، وكيف تستغرق وقتاً طويلاً قبل أن يُحسم الأمر رسمياً لاختيار الرئيس الجديد؟
 
آلية معقدة

عندما يتوجه الأميركيون إلى صناديق الاقتراع للتصويت في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل أو خلال التصويت المبكر الذي يجري حالياً، فإنهم لا يصوتون فعلياً لانتخاب الرئيس بشكل مباشر، بل يختارون المندوبين عن المرشح الذي يريدونه لمنصب الرئيس، وبعد سلسلة من الإجراءات الطويلة التي تستغرق أسابيع، يكون لهؤلاء انتخاباتهم الخاصة التي يختارون فيها الرئيس الجديد ونائب الرئيس في أوائل يناير (كانون الثاني) لتعلن النتيجة رسمياً لمن يحقق غالبية أصوات المجمع الانتخابي والتي تقتضي حالياً الفوز بـ 270 صوتاً على الأقل من إجمالي 538 صوتاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولا شك في أن طريقة انتخاب الرئيس عبر المجمع الانتخابي وليس من خلال الانتخاب المباشر منذ أن أقرها الدستور عام 1787 تثير أسئلة عدة، ليس فقط حول أسبابها والحكمة من ورائها، لكن أيضاً حول آلياتها وطبيعة الخطوات التي تتطلبها والمدة التي تزيد على شهرين لإعلان الفائز رسمياً في يناير من العام التالي للانتخابات، ومن ثم تنصيبه في اليوم العشرين من الشهر ذاته. 

خلال السنوات الأخيرة تكرر فوز المرشحين الرئاسيين بالتصويت الشعبي من دون أن يتمكنوا من تحقيق الغالبية في المجمع الانتخابي أو الهيئة الانتخابية، ما جدّد التساؤلات حول سبب استخدام الأميركيين هذا النظام لانتخاب رؤسائهم.

كيف ولدت الفكرة؟

من بين أهم الأسئلة الشائكة التي بحثها أعضاء المؤتمر الدستوري في الولايات المتحدة عام 1787، كيفية انتخاب الرئيس، حيث استمر الجدل أشهراً عما إذا كان ينبغي أن ينتخب الكونغرس الرئيس، أم أنه من الأفضل أن يجري انتخابه عبر تصويت شعبي ديمقراطي. لكن الآباء المؤسسين للولايات المتحدة ابتكروا حلاً وسطاً بعد اختلافات ورؤى مختلفة، وكان الحل هو المجمع الانتخابي.

وفقاً للدستور فإن المجمع الانتخابي هو مجموعة من المندوبين أو الناخبين الذين يتم اختيارهم كل أربع سنوات بحيث يساوي عدد من يمثلون الولاية في الكونغرس، فولاية فلوريدا على سبيل المثال يمثلها حالياً 27 نائباً في مجلس النواب وعضوان في مجلس الشيوخ، ما يعني أن عدد المندوبين أو الناخبين الذين يمثلونها في المجمع هو 29 شخصاً.

من الناحية العملية، يقوم هؤلاء الناخبون وعددهم حالياً 538، باختيار الرئيس وليس الشعب الأميركي.

يعتمد عدد المندوبين أو الناخبين على عدد الأعضاء في الكونغرس حيث يخصص لكل ولاية في الوقت الراهن مندوب أو ناخب واحد لكل عضو يمثلها في مجلس النواب (الذي يضم 435 مقعداً) وكل عضو في مجلس الشيوخ (الذي يضم 100).

فلسفة المجمع الانتخابي

في وقت انعقاد مؤتمر الدستور في فيلادلفيا، لم تكن أي دولة أخرى في العالم قد انتخبت بعد رئيسها التنفيذي بشكل مباشر، لذا كان أعضاء صياغة الدستور يتحركون في منطقة مجهولة، وما زاد من تعقيد المهمة انعدام الثقة المتجذر لديهم في السلطة التنفيذية في حين كانت الأمة الأميركية قد خرجت للتو من تحت حكم ملك بريطاني استعماري مستبد، ولهذا لم يرغب الآباء المؤسسون في صناعة طاغية آخر بأيديهم.

وبينما شعرت إحدى مجموعات صياغة الدستور بضرورة أن لا يكون للكونغرس علاقة باختيار الرئيس لمنع أي فرصة لنشوء تحالف فاسد بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، عارضت مجموعة أخرى وبقوة السماح للشعب بانتخابه بشكل مباشر لأسباب عدة، أهمها أن الناخبين في هذا التوقيت لم يكونوا على دراية كاملة بالمرشحين بخاصة في المناطق الريفية، كما كانت خشية من تضليل المرشحين الرئاسيين للناخبين عبر وسائل ديمقراطية، فضلاً عن إمكانية أن يصل رئيس شعبوي إلى السلطة ويتمكن من حشد الناس وتحريكهم بما يكرس سلطة واسعة بين يديه.

بعد مناقشات طويلة خرجت فكرة الوسطاء الانتخابيين كحل وسط بحيث لا يختار الكونغرس هؤلاء الوسطاء ولا ينتخبهم الشعب، ولكن تقوم كل ولاية بتعيين مندوبين أو ناخبين مستقلين يدلون بأصواتهم الفعلية للرئيس الذي يختاره الناخبون في هذه الولاية.

أراد واضعو الدستور من هذا النظام منع الانتخابات من أن تصبح صوتاً لحكم أحادي غير متنوع، واستهدف أيضاً تجنب بناء ائتلافات فئوية قد تتسبب في حدوث انشقاقات في البلاد، والأهم حماية الولايات الأقل عدداً بالسكان من سحق رغباتها الانتخابية من قبل الولايات الأكثر كثافة سكانية.

تطور مع الزمن

لأنه لم تكن هناك أحزاب سياسية عام 1787، افترض واضعو الدستور أن الناخبين سيصوتون وفقاً لتقديرهم الفردي، وليس لإملاءات الولاية أو الحزب، لكن الآن يلتزم معظم المندوبين أو الناخبين في المجمع الانتخابي بالتصويت لمرشح حزبهم.

وفي حين أن الدستور لا يذكر شيئاً عن كيفية تخصيص الولايات لأصواتها الانتخابية، على افتراض أن صوت كل ناخب أو مندوب في المجمّع سيتم احتسابه، إلا أنه مع مرور الوقت أصدرت جميع الولايات باستثناء ولايتين (ماين ونبراسكا) قوانين لمنح جميع أصواتها الانتخابية للمرشح الذي يفوز بعدد الأصوات الشعبية داخل الولاية، وبالتالي قُضي على أي مظهر من مظاهر استقلال الناخبين بالكامل.

دور الكونغرس

افترض واضعو الدستور أن معظم الانتخابات لن يقررها في النهاية الشعب ولا الناخبون في المجمع الانتخابي، بل مجلس النواب حيث ينص الدستور بوضوح على أنه إذا لم يفز أي مرشح بغالبية أصوات المجمع الانتخابي، يصبح القرار بيد مجلس النواب، وهناك تصوت كل ولاية بصوت واحد فقط، وهو ما قد يحدث في انتخابات 2020 إذا لم يتمكن بايدن أو ترمب من تحقيق غالبية أصوات المجمع الانتخابي حال تفاقم النزاعات حول عمليات الاقتراع وفرز الأصوات وتم إبطال أصوات بعض الولايات.

ويرجع الافتراض بأن معظم الانتخابات سيقررها الكونغرس، إلى أنه بعد انتخاب جورج واشنطن بالإجماع كأول رئيس للولايات المتحدة، اعتقد واضعو الدستور أن الانتخابات اللاحقة ستضم الكثير من المرشحين الذين سيقتسمون الكعكة الانتخابية وبالتالي لن يحقق أيٌ منهم غالبية أصوات المجمع الانتخابي، ما يمنح الكونغرس فرصة لاختيار الفائز، ولكن بمجرد تشكيل الأحزاب السياسية على المستوى الوطني، تقلّص عدد المرشحين للرئاسة، ولم يتولَّ مجلس النواب انتخاب الرئيس سوى مرتين فقط كان آخرها عام 1824.

سبب الاستمرار

يطرح كثيرون تساؤلات حول كيفية استمرار المجمع الانتخابي حتى الآن وتوافقه مع السياسة المعاصرة على الرغم من الخلافات التي أحاطت بنشأته.

ويبدو بحسب رأي عدد من الباحثين إلى أن الحزب الحاكم يستفيد عادةً من وجود المجمع الانتخابي، بينما لا يمتلك حزب الأقلية فرصة كبيرة لتغيير النظام لأن التعديل الدستوري يتطلب موافقة غالبية ثلثي أعضاء كل من مجلسي النواب والشيوخ، إضافة إلى مصادقة ثلاثة أرباع المجالس التشريعية في الولايات الخمسين على التعديل.

كما تُعارض الولايات الأصغر إلغاء هذا النظام لأنها تستشعر قوة التصويت الممنوحة لها وتصوت لضمانها.

كما أن نظام المجمع الانتخابي له فوائده، حيث لا تتوافر فرصة لإجراء جولة ثانية من الانتخابات أو إعادة فرز الأصوات على المستوى الوطني.

سيناريو النتائج الغامضة

لا شك في أن الكثير من القلق داخل الولايات المتحدة حول ما سيحدث إذا كانت نتائج الانتخابات الرئاسية غير واضحة، بخاصة بعدما أشار الرئيس دونالد ترمب إلى أن النظام الانتخابي يصبح عادلاً ونزيهاً إذا أعلن عن الفائز ليلة الانتخابات، لكن الدستور والقانون يوضحان أن العملية الفنية لاختيار الرئيس تبدأ فقط في يوم الانتخابات وتستمر أسابيع.

فبينما يدلي الملايين بأصواتهم منذ أيام، ويواصلون في الأسابيع التي تسبق يوم الانتخابات، إما من طريق البريد أو بالتصويت الشخصي في مراكز الاقتراع، يحدّد القانون أن يوم الانتخابات هو الثلاثاء الأول بعد أول يوم اثنين من نوفمبر والذي سيكون هذا العام في الثالث منه.

بمجرد انتهاء اليوم الانتخابي يبدأ فرز الأصوات في جميع أنحاء البلاد والذي يستمر بعد يوم الانتخابات لإحصاء بقية الأصوات أو التي عبر البريد.

تأخير فرز التصويت بالبريد

نظراً إلى عشرات الملايين من الطلبات للتصويت بالبريد في أرجاء الولايات المتحدة بسبب كورونا ورغبة كثيرين في تجنب الاحتكاك الجماهيري، من المرجح أن يسبب ذلك تأخيراً في فرز البطاقات التي تصل بعد يوم الاقتراع، إذ يجب ختمها بالبريد بحلول الثالث من نوفمبر المقبل، في كل ولاية أميركية كي تكون صالحة للفرز حتى لو تأخرت بضعة أيام. وفي معظم الحالات، يجب استلامها في غضون يوم أو يومين من يوم الانتخابات، لكن في ولاية واشنطن، يمكن ذلك عبر البريد حتى 23 من الشهر ذاته وفي ولايتي كارولاينا الشمالية وبنسلفانيا، حتى 6. وفي ولايتي مينيسوتا ونيفادا، حتى 10 نوفمبر، بينما في أوهايو حتى 13.

تصديق الولايات على نتائج الانتخابات

بين العاشر من نوفمبر و11 ديسمبر 2020، تُصَدق كل ولاية على النتائج بطريقتها، لكن يمكن تغيير المواعيد النهائية في حالة إعادة فرز الأصوات إذا كانت هناك نتيجة متقاربة للغاية بين المرشحيّن ترمب وبايدن.

وغالباً ما تحدد الولايات هذه التواريخ في الأسبوعين الأخيرين من نوفمبر باستثناء ولاية كاليفورنيا التي تنتهي من عملية التصديق بحلول 8 ديسمبر.

وبموجب قانون الفرز الانتخابي، يفترض أن تكون الولايات قد انتهت في الثامن من ديسمبر، وتسوية النزاعات القضائية، وتحديد الفائز بأصوات المجمع الانتخابي، إذ ينبغي أن يُصدِر حكامها شهادات تُدرِج أسماء الفائزين وقائمة بالمندوبين أو الناخبين في المُجمع الانتخابي الذين سيصوتون لاختيار الرئيس.

أهمية 14 ديسمبر

وفقاً للقانون فإن أول يوم اثنين بعد الأربعاء الثاني من ديسمبر الذي يصادف هذا العام 14 منه، يجتمع المندوبون أو الناخبون في ولاياتهم ويدلون بأصواتهم لاختيار الرئيس ويرسلون النتيجة إلى واشنطن والتي يجب أن تصل إلى الكونغرس في كابيتول هيل يوم 23 من الشهر ذاته.

وفي الثالث من يناير (كانون الثاني) يؤدي أعضاء مجلس النواب والأعضاء الجدد في مجلس الشيوخ اليمين الدستورية ظهراً لبدء فعاليات الكونغرس رقم 117.

فرز أصوات المجمع الانتخابي

في السادس من يناير، يجتمع أعضاء المجلسي في غرفة مجلس النواب، حيث يترأس رئيس مجلس الشيوخ الجلسة وهو حتى ذلك الحين نائب الرئيس مايك بنس ويتم قراءة الأصوات الخاصة بالمجمع الانتخابي وفرزها بحسب الترتيب الأبجدي، من ثم تسلّم النتيجة إليه، ليعلنها ويستمع إلى الاعتراضات.

فإذا كانت اعتراضات أو قوائم متعددة من أعضاء المجمع الانتخابي في ولاية أو أكثر، فإن أعضاء مجلسي النواب والشيوخ ينظرون فيها بشكل منفصل ليقرروا كيفية فرز تلك الأصوات أو استبعاد بعضها.

ماذا لو لم يكن هناك فائز؟

لأن عدد أصوات المجمع الانتخابي 538 صوتاً، يتطلب الأمر حصول أي من المرشحين على 270 صوتاً ليحقق الغالبية، فإذا لم يتحقق هذا الشرط، يقرّر أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 435، عملية الانتخاب من خلال تصويت مختلف حيث يدلي الوفد الممثل لكل ولاية من الولايات الخمسين بصوت واحد.

وعلى الرغم من وجود مزيد من الديمقراطيين في مجلس النواب الحالي مقارنة بالجمهوريين، إلا أن الجمهوريين يسيطرون على نحو 26 ولاية من بين 50، لذا من المحتمل أن يختار المجلس دونالد ترمب رئيساً لدورة جديدة، علماً أن أمامه فرصة زمنية حتى ظهر يوم 20 يناير لاختيار الرئيس.

وإذا لم يتمكن من ذلك، فسيكون الاختيار على نائب الرئيس مايك بنس أو الشخص التالي المؤهل في خط الخلافة الرئاسية وهي رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي.

وفقاً للتعديل الثاني عشر من الدستور، يختار أعضاء مجلس الشيوخ نائب الرئيس، ومن الممكن أن يصل مجلس النواب إلى طريق مسدود بشأن الرئيس، في هذه الحالة سيكون لمجلس الشيوخ الحق في اختيار نائب الرئيس الذي سيصبح رئيساً. وعلى الرغم من أن الجمهوريين يسيطرون حالياً على أغلبية مجلس الشيوخ، إلا أن الديمقراطيين يأملون في السيطرة عليه.

أما إذا كان هناك تعادل في الأصوات داخل مجلس الشيوخ، فمن الغريب أن نائب الرئيس مايك بنس يحق له أن يدلي بالتصويت الحاسم الذي يمنحه فترة ولاية أخرى.

تنصيب الرئيس الجديد

في العشرين من يناير 2021 يؤدي الرئيس الجديد اليمين الدستورية. وإذا توفي بين يوم الانتخابات ويوم تنصيبه، يؤدي نائبه المنتخب اليمين ليصبح رئيساً.

لكن في انتخابات متنازع عليها، إذا لم يختَر مجلس النواب رئيساً ومجلس الشيوخ اختار نائب الرئيس، يصبح هذا الأخير رئيساً بالنيابة حتى يتخذ مجلس النواب قراره حول الرئيس الجديد.

وإذا لم يكن هناك رئيس منتخب ولا نائب رئيس، يتولى مجلس النواب تعيين رئيس حتى يتم اختياره، وبموجب قانون الخلافة الرئاسية، من المرجح أن تكون نانسي بيلوسي هي نائب الرئيس إذا استقالت من الكونغرس.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير