Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الربيع"سبيرينغ" بقلم آلي سميث... رواية خالدة شاغلُها الضرورة الأخلاقية

رباعية سميث الأدبية الفصلية تجربة جريئة ورائعة

آلي سميث قبيل تسلمها جائزة شؤون جندرية في 2015 (رويترز)

قد يكون أبريل (نيسان) أكثر الأشهر قسوة، ولكن الربيع هو بمنزلة فسحة أمل واعدة. ورواية "سبرينغ" أو الربيع، وهي تشكّل الجزء الثالث من سلسلة آلي سميث الروائية التي تتمحور حول بريطانيا الحديثة، تضجّ بأمل الخلاص الخائب أو المُدمى.

تُعتبر رباعية سميث الروائية الفصلية تجربة جريئة ورائعة. بدءاً من العام 2015، أبحرت الكاتبة في رحلة تأليف أربع روايات في وقتٍ قصير، وسلّمت المخطوطات الواحدة تلو الأخرى بينما كانت عجلة المطبعة تدور. وتناولت رواية "الخريف" التي صدرت في 2016 مقتل البرلمانية جو كوكس قبل بضعة أشهر، وتوقفت في "الشتاء" (الصادرة في 2017) عند تفاهات دونالد ترمب العدائية. وبدا في عالم النشر الأدبي البطيء الوتيرة، أن هذه الوتيرة المطردة في الكتابة ثوريّة. وتوجّه الرواية الرابعة نظرها إلى أزمة المهاجرين وصعود القوميّة. هي رواية شاغلها المحموم الأخلاق والمبادئ وضرورة التحلي بها حين تعز، وتبدو في الوقت نفسه خالدة ومرحة.

تدور القصّة على أربع شخصياتٍ رئيسة: ريتشارد ليز، مخرج أفلام مغمور ميّال إلى الانتحار وفي حالة كآبة وحداد على وفاة صديقه المقرّب، وبريتاني هال، امرأة شابة محبطة تعمل في مركز اعتقال، وألدا أمينة مكتبة عاطلة عن العمل وناشطة سريّة، وفلورانس، وهي فتاة لامعة تبلغ من العمر 12 عاماً تبحث عن والدتها. في الحبكة الدراميّة للقصّة، تشهد الشخصيات النسائية الثلاث على محاولة ريتشارد الانتحار في محطة قطار نائية في اسكتلندا، وتقنعه فلورانس الفتاة الموهوبة والمفرطة في الكلام بالابتعاد عن السكة الحديدية. ويصبح ما سيقومون به كلّهم هناك محور القصّة السرديّة التي يتردد صداها عبر المكان والزمان وكأن طاقة كبيرة تحملها وتحركها.

في سياق القصّة، نعلم لماذا فقد ريتشارد الأمل. فحزن شديد ألمّ به جرّاء فقدان علاقة تعصى التصنيف فضلاً عن انزلاق مهنته إلى حال من الضيق العبثي. فصديقه الراحل، كاتب السيناريو بادي هيل، كان مرشده وعشيقه من وقت إلى آخر: غير أنّ ذلك لم يخوله إلقاء كلمة عنه في الحفل التأبيني. وفي الأثناء، أُلزِم في العمل تحويل رواية أدبية إلى رواية فيها لقاءات جنسية كثيرة مفتعلة.

تحمل حياة بريتاني يأساً من نوع آخر، فهي فتاة لامعة تتحدر من أسرة فقيرة انتهى بها الأمر في العمل حارسة سجن في أحد مراكز الاحتجاز التي تُعنى بطرد المهاجرين في المملكة المتحدة. في الواقع، تُعرف هذه المراكز جيداً بانتهاكاتها حقوق الإنسان، فهي تشتت العائلات وتسجن أشخاصاً لم يرتكبوا أي جرائم. تغوص سميث في أغوار النظام المرعب والمجرّد من الإنسانية من خلال شخصية بريتاني التي اعتادت اعتبار الآخرين معتقلين. ومن الأمور الأخرى التي تعلّمتها هي توفّر دواء الأسبيرين عموماً للمعتقلين المصابين بمرض السرطان "إلّا إذا كانت عطلة نهاية الأسبوع، فيتحتّم على المريض الانتظار مثل أي شخص آخر".

ماذا حدث لبريطانيا؟ إنّه السؤال الذي يتردد صداه في السلسلة الموسمية، ويبلغ ذروته في أنشودة ضارية من الغضب في رواية "الربيع". وهي ليست بريطانيا وحدها. ففي خطبةٍ تتخذ شكل حوارٍ يتخيله ريتشارد مع بادي، تكتب سميث عن عالمنا المعولم ما يلي:

"الأولاد في مناجم الفحم في هذه اللحظة، نعم هذه اللحظة... أنت تعلم أنهم هناك. ينقبون عن الكوبالت المستخدم في جميع أنواع السيارات الكهربائية الصديقة للبيئة... يجلس الأولاد الذين يرتدون الخرق المتبقية من قمصان "هيلو كيتي" في حظائر العمالة الاستعبادية ويضربون البطاريات القديمة بمطارق لاستخراج المعادن التي تسمّمهم لدى لمسها... ولا ننسى أن مئات آلاف الأطفال الذين ولدوا [في بريطانيا] ويعيشون في ربوعها، والله أعلم بماذا يقتاتون للبقاء على قيد الحياة، ربما الهواء، في نسخةٍ جديدة ناجزة من الفقر البريطاني القديم نفسه."

سميث كاتبة بارعة لا يمكن التوقف عن اقتباس أقوالها. المثير للإعجاب بشكلٍ خاص هو طريقة مزج "سبرينغ" بين خطاب جدلي والحبكة وابتكارها شخصياتٍ نهتمّ بأمرها من دون أن تفقد ذلك الزخم المجنون الذي تحمله الرواية.

ثمّ يلوح الأمل مع فلورانس، الفتاة التي تتمتع بقدراتٍ خارقة لتشريع الأبواب والفرص وإيقاظ الضمائر. فهي تتحدّى مدير مركز الاعتقال، وتقنع بريتاني بمرافقتها في ركوب قطار متجّه إلى اسكتلندا في مهمّة غامضة.

النهاية ليست مشرقة تماماً، غير أن القارئ يستشرف في الرواية القوة المعنوية للجيل الشاب والسعي المستمر للاشخاص العاديين إلى مقاومة الظلم والعزاء الدائم الذي نجده في الفن. "سبرينغ" هو انجاز مذهل وكتاب لكلّ الفصول.

© The Independent

المزيد من كتب