Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التبرم جراء كورونا يضرب العالم أجمع فيما الجائحة تستشري

في كل بقاع الأرض، الجميع ضاقوا ذرعاً بقوانين الحجر المفروضة على الرغم من ازدياد أعداد الإصابات بالعدوى

طبّاخ يقف إلى جانب لافتة كتب عليها للبيع خلال تظاهرة لدعم المطاعم والحانات شمال غربي إسبانيا في 14 أكتوبر 2020 (غيتي) 

في البداية، التزمت سارة راسل وأصدقاؤها وكل المحيطين بها تماماً بقوانين الحجر جراء فيروس كورونا التي فرضتها السلطات في ملبورن التابعة لولاية فيكتوريا الأسترالية التي كان لها النصيب الأكبر من الضرر في البلاد جرّاء الجائحة. 

لكن فيما راقبت موظفة المبيعات البالغة من العمر 17 والتي توشك على التخرّج من المدرسة الثانوية مدخولها يتداعى وطموحاتها في الحياة تنسلّ منها بسبب كوفيد-19، بدأت اللامبالاة تتملكها كما غيرها من الأشخاص.

تقول "في البداية، كنت أميل أكثر إلى احترام قيود الحجر لأنّ الارتفاع الكبير في عدد الإصابات كان مقلقاً جداً. لكن مع مرور الوقت، تراجعت الإصابات كثيراً. لذا يصبح الأمر مرهقاً جداً في هذه المرحلة وأشعر بأن كثيرين من سكان ملبورن بدأوا يفقدون الاهتمام".

في كل أنحاء العالم، وتزامناً مع موجة ثانية من فيروس كورونا يُحتمل أنها أكثر خطورة بعد، بدأ التبرم من إجراءات ضبط الجائحة يضرب عميقاً مع أنّ معدلات الإصابات بلغت مستويات غير مسبوقة في بعض البلدان.

ويحذّر الخبراء من أنّ الأشخاص الذين تقيدوا في البدء بقوانين الحدّ من اللقاءات الاجتماعية وارتداء الكمامات والحفاظ على التباعد الاجتماعي بدأوا يفقدون الاهتمام أكثر فأكثر. وظهرت في هذا الإطار فيديوهات لجموع من المحتفلين في شوارع ليفربول مساء الثلاثاء مع سريان مفعول أمر إقفال الحانات. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"لقد سئم الناس" كما يقول جون باغيت، الباحث في المعهد الهولندي لأبحاث الخدمات الصحية. "تُركت مهمّة اتخاذ القرار بشأن إجراءات فيروس كورونا إجمالاً للأفراد ولم يعد الأمر يجدي نفعاً. لا تسير الأمور في الاتجاه الصحيح".

أما بعض الذين ما زالوا يتعاملون بجديّة مع ارتداء الكمامات وعادات النظافة فيُقابلون بالسخرية في بعض الأماكن.

"هذه الأيام، أعتقد أنّ الناس لا يعون خطورة فيروس كورونا سوى عندما يصيبهم شخصياً"، كما يقول مانبريت سينغ القاطن في دلهي (في الهند) والذي أصيب حماه البالغ من العمر 68 بفيروس كورونا لكن رفضت ستة مستشفيات استقباله فتوفّي.

ويضيف "مع أننا فقدنا أحد أفراد عائلتنا، بدأ غالبية أفراد عائلتنا الكبرى بالتوقف عن ارتداء الكمامات كلياً. وبات يُنظر إليّ على أنني شخص خائف جداً. يقولون "آه لا بدّ أنك مرعوب ويسخرون مني".

وظهرت في كبرى المدن حفلات سرية خاطَر المشاركون فيها صغاراً وكباراً في إسطنبول وباريس وغيرهما من الأماكن بدفع غرامات مالية لقاء تحدّي قوانين اللقاءات الاجتماعية عبر تنظيم احتفالات داخلية حاشدة في أماكن خاصة.

ويقول خوسيه ل. فاستاغ، مصوّر أزياء وبورتريه يقطن قرب بوينس آيرس (في الأرجنتين) "تقام كل عطلة نهاية أسبوع أو حتى خلال أيام الأسبوع حفلات سرّية أو حفلات أعياد ميلاد أو تجمّع لـ 20 أو 30 شخصاً في حفلة شواء".

يزيل الناس الكمامات عن وجوههم في العلن والشرطة - التي بدأت تسأم هي كذلك على الأرجح من وقع الحجر- تغض النظر عنهم.

أعلنت فرنسا يوم الجمعة الماضي حظر تجوّل يبدأ عند الساعة التاسعة مساء للحانات والمطاعم في باريس وثماني مدن أخرى منذ يوم السبت. 

لكن في معظم مناطق العالم، تستمر الحياة بشكلها الطبيعي بغضّ النظر عن خطر الجائحة الذي يبرز من جديد.

أما في موسكو، فتناول مرتادو حانة مزدحمة الشراب مع أن عدد الإصابات في البلاد قاربت 14 ألفاً خلال الـ24 ساعة الأخيرة وباتت 90 في المئة من أسرّة المستشفيات المخصصة لكوفيد-19 مشغولة. وأصرّ صاحب الحانة على أنّ الحظر على الحانات لن يُفرض أبداً بسبب ما يترتب عليه من خسارة في مردود جراء الغرامات للمسؤولين والرشاوى للشرطة.

وقال إن الشرطة بدورها تتوق للعودة إلى "الوضع الطبيعي السابق".

تشير استطلاعات الرأي إلى أن الوعي الزائد بأثر الفيروس وخطره لا يُنتج بالضرورة حماسة أكبر لإجراءات الوقاية. أظهرت سلسلة من استطلاعات آراء الأميركيين التي أجرتها (مؤسسة) غالوب تراجع الدعم لقيود فيروس كورونا حتى في ظل اعتبار غالبية الناس أن الحالة الوبائية تسوء أو تراوح مكانها. 

ويدق مسؤولو الصحة في العالم ناقوس الخطر خوفاً من التراخي في الإجراءات وفي الالتزام بالإرشادات بسبب ما يصفونه بـ"السأم من الجائحة".

وفي هذا الإطار، عقدت منظمة الصحة العالمية قمة دولية يوم 5 أكتوبر (تشرين الأول) جمعت فيها كبار مديري الصحة وخبراء علوم السلوك الأوروبيين من أجل ابتكار طرق تجعل الناس يلتزمون بإجراءات التباعد الاجتماعي والتحذيرات الصحية.

 

وفي إحاطة قدمها يوم 12 أكتوبر، أقرّ المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس بزيادة الرفض لقيود فيروس كورونا لكنه حثّ على التيقّظ.

وقال للصحافيين في مؤتمر صحافي افتراضي عقده من مقر المنظمة في جنيف "نعرف أنه في مراحل معيّنة، لم يكن أمام بعض البلدان خيار سوى إصدار أوامر بملازمة المنازل من أجل كسب الوقت. ونتفهم كلياً الإحباط الذي تشعر به جهات كثيرة، أفراداً ومجتمعات وحكومات، فيما تستمر الجائحة وتعاود أعداد الإصابات الارتفاع".

ويوبخ بعض كبار مسؤولي الصحة شعوبهم بسبب تراخيها في اتّباع التعليمات أو تخليها عنها كلياً. وقال وزير الصحة الألماني ينز شبان لإذاعة دويتشلاندفنك يوم الخميس الماضي "لسنا عاجزين أمام هذا الفيروس. نستطيع التصرف ونستطيع جميعاً إحداث تغيير كل يوم".

وقد نبّه ختصاصي الأمراض المعدية الأميركي آنتوني فاوتشي من أن الأميركيين لا يتفادون التجمعات ولا يرتدون الكمامات ولا يلازمون بيوتهم بما فيه الكفاية.

ويحل هذا التبرم في مرحلة صعبة بشكل خاص، فيما يشهد العديد من البلدان التي تجاوزت الموجة الأولى لفيروس كورونا في الربيع أعداد إصابات قياسية. فقد سجّل المغرب مؤخرا على سبيل المثال 49 وفاة جرّاء كوفيد-19 خلال 24 ساعة، فيما أفادت الإمارات عن أعلى عدد إصابات فيها إلى الحين. وتعاود أعداد الحالات الارتفاع بشكل هائل في كل أرجاء أوروبا وآسيا وأعالي الوسط الغربي الأميركي. 

ويشير مسؤولو الصحة العامة والمواطنون إلى الانزعاج من القوانين التي تعيق مسار الحياة اليومية وتشوّش المخططات المستقبلية وتقوّض الأمن المالي من دون أن توقف المرض، ومن الرسائل المتناقضة التي يقدّمها السياسيون والتراخي في تطبيق القوانين من جانب المسؤولين. 

ويقول المحاضر في جامعة ليفربول أليكس نيرس "حتى النائب عن منطقتنا يقول "لا نعلم ما هي القوانين".

منذ أسابيع قليلة فقط، أنجبت زوجة نيرس طفلة، وسوف تنتهي عطلة الأبوة الأسبوع المقبل. لكن بسبب القوانين الجديدة، قد لا تتمكن حماته من زيارتهم للمساعدة في العناية بالطفلة وقد لا يتمكنان من استئجار خدمات مربية. 

ويقول "أوشك على الذهاب إلى العمل الأسبوع المقبل ولا يسمح القانون لأحد بالقدوم إلى منزلنا من أجل تقديم يد العون. وما يسبب الإحباط هو هذا الغموض الحقيقي في القوانين الجديدة، فهي غير واضحة. ولم تُدرس جيداً، وهذه هي وجهة نظر الأشخاص العاديين بلا شك. ما إن بدأنا في التفكير في أن المرحلة الخطرة قد ولّت، أتت القيود".

يحمّل باغيت، اختصاصي الصحة العامة، الحكومات ومسؤولي الصحة العامة مسؤولية عدم انتهاز الوقت والمساحة التي أتيحت لهم خلال الحجر الأولي من أجل فرض تدابير تحول دون الحاجة لفرض قيود إضافية على الحياة الاجتماعية والاقتصادية.

ويقول "يقوم الأطباء بكل ما في وسعهم. لكننا فشلنا. وفشلت الحكومات. وفشلت مساعي (أجهزة) الصحة العامة. كما أثبت نظام تتبع المخالطين والفحص والتواصل فشله كذلك. إنه فشل من كل النواحي. وهذا ما لن يقوله لك السياسيون".

وما فاقم الشكوك هو تطبيق القانون المتراخي والعشوائي في بعض الأحيان. تصف راسل محاولات جعل الناس يطبقون القوانين في فيكتوريا (باستراليا) بالـ"مشكوك فيها". 

وتقول "في بعض المناطق لا تعمل الشرطة كثيراً على تطبيق القوانين لكن المشكلة في فيكتوريا هي أنّ الشرطة تستهدف سكان أستراليا الأصليين وغير البيض أكثر من الأستراليين ذوي البشرة البيضاء".

أعلنت إيران، أكثر بلدان الشرق الأوسط تضرراً، مجموعة قيود جديدة على الحركة في خمس مدن منها العاصمة طهران (مؤخرا) لكن الفيديوهات بيّنت زحمة سير خانقة على الطرق الداخلية.

في كل أنحاء العالم، لم يكن أمام بلدان كثيرة من خيار سوى التخلي عن القيود. في إقليم هرات في أفغانستان، حيث تبينت إصابة 156 شخصاً من بين 386 طالباً ومعلماً أجروا الفحص في المدارس هذا الشهر، تستمر الدروس التي يُحشر خلالها طلاب قد يبلغ عددهم 60 شخصاً داخل الصف الواحد.

وقالت لطيفة هامدارد، وهي مديرة مدرسة، لقناة تولو نيوز الإخبارية "ليس في مبنى مدرستنا متسعاً. إذا قلّصنا عدد الطلاب، لن يعود لدينا المساحة الكافية ولا العدد الكافي من الأساتذة لتعليم الطلاب". 

وفي لبنان الواقع في قبضة حجر وحظر تجول جديدين، لم يعد في المستشفى الأساسي لعلاج فيروس كورونا متسع سوى "لمريض أو اثنين" قبل أن يبلغ قدرته الاستيعابية القصوى. إنما على الرغم من الأعداد اليومية التي تبلغ معدلات قياسية، يقول السكان إنهم تخلوا كلياً عن فرض القيود مرة جديدة.  

وتقول الناشطة سحر منقارة المقيمة في طرابلس "يعيش الناس يوماً بيوم في محاولة للبقاء والاستمرار. وليست الإصابة بالمرض لأسابيع عدة أمراً جللاً أمام محاولة تلبية الاحتياجات اليومية والبحث عن لقمة العيش. سيكون من المستحيل بالنسبة إلى السلطات أن تفرض حجراً كاملاً في المستقبل".

ومع بدء موسم الإنفلونزا، يخشى مسؤولو الصحة أن تُقابل قيود الشتاء بتجاهل تام نظراً لإجراءات التقشف والأزمات المالية في بلدان فقيرة عدة. 

وتمضي الهند التي ما زال اقتصادها يعاني بعد فرضها إحدى أوائل حالات الإغلاق الوطني في العالم وأقساها، قدماً في برنامج "فتح الاقتصاد" على مراحل.

وتبعاً لذلك، سوف يُسمح لقاعات السينما والمدارس أن تفتح أبوابها هذا الشهر، بعدما أعيد فتح الحانات وخدمات قطار الأنفاق وخُفّفت القيود على السياحة بين الولايات في سبتمبر (أيلول) فيما ترتفع أعداد الإصابات بفيروس كورونا بوتيرة أسرع من أي مكان آخر على الأرض. وقد سُجّلت 55 ألف إصابة جديدة يوم الأربعاء (الماضي) لتصبح الحصيلة الكاملة 7.24 مليون إصابة، وهو ما يضع الهند في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة من حيث عدد الإصابات. وقد توفي أكثر من 111 ألف شخص جرّاء الجائحة. 

أما إسرائيل، التي أعادت فرض أحد أقسى الإغلاقات للمرة الثانية في العالم مع اقتراب عدد الحالات المعروفة من عتبة 300 ألف حالة، فتواجه كذلك مقاومة كبيرة من الجماعات المتشددة دينياً التي تحدّت الإغلاق بشكل متكرر كي تشارك في مراسم الجنائز والتجمعات ومن المتظاهرين المعارضين للحكومة الذين يخشون أن تستخدم السلطات التدابير المضادة لفيروس كورونا من أجل قمع المعارضة.

وقال أحد المتظاهرين الإسرائيليين "يرى (الناس) الحجر فشلاً في طريقة التعاطي مع (فيروس كورونا). ونعلم جميعاً أن قيود الإغلاق (الحجر) متشددة مقارنة ببقية العالم. من الواضح أن الشتاء سيكون عسيراً جداً". 

تُفاقم الضغوط الاقتصادية الإحباط جراء قيود الحجر. تقول راسل إنها طردت من عملها في متجر للبيع بالتنزيلات قرب ملبورن وسوف تضطر على الأرجح لتأجيل خططها لزيارة أوروبا السنة المقبلة بعد التخرج. 

وتضيف "في هذه المرحلة، بدأ الموضوع يؤثر فعلياً في صحتي النفسية. ومستقبلي غير واضح بسبب القيود المفروضة كافة".

ويشرح فاستاغ، المصوّر في بوينس آيرس من جهته أنه لم يحصل سوى على مهمة تصوير واحدة منذ الإغلاق في مارس (آذار). ويقول "عملي صفر [لا أعمل أبداً]. لكن المشكلة هي المسنّين. تبلغ أمي من العمر 72 وأبي 75. أقلق جداً بشأنهما لأنهما مسجونان تقريباً في المنزل بعيداً عن أبنائهما وأحفادهما".

تخلّى نيرس وزوجته في الوقت الحالي عن  فكرة السفر خارجاً أو ارتياد الحانة مع أصدقائهما أو تناول الطعام خارجاً فيما يدعمان المطاعم المحلية من خلال طلب الأكل الجاهز. لكن والدة نيرس تقطن خارج ليفربول ولم يتسنَّ لها قضاء الوقت مع حفيدتها الجديدة.

ويقول "كل ما أريده فعلياً هو أن أزور منزل والدتي مع طفلتي وأتناول كوباً من الشاي معها".

© The Independent

المزيد من صحة