Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا يفضل العالم إقراض أميركا؟

تضاعف العجز المالي في الولايات المتحدة ثلاث مرات ليتجاوز 3 تريليونات دولار

مقر مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في واشنطن (رويترز)

تضاعف حجم العجز في الموازنة الأميركية في السنة المالية المنتهية آخر شهر سبتمبر (أيلول) الماضي ثلاث مرات، ليتجاوز 3.1 تريليون دولار للمرة الأولى، نتيجة زيادة الإنفاق الحكومي على برامج دعم الاقتصاد لمواجهة تبعات أزمة وباء فيروس كورونا الذي أودى بحياة ما يقارب ربع مليون أميركي حتى الآن، إضافة إلى تراجع عائدات الخزينة الأميركية مع انكماش الاقتصاد بشكل غير مسبوق، نتيجة الإغلاق بهدف الحد من انتشار الوباء.

ووصل معدل العجز المالي في موازنة 2020 إلى 16.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي أعلى نسبة يصل إليها منذ عام 1945، حين شرعت الولايات المتحدة في تمويل عمليات عسكرية ضخمة بنهاية الحرب العالمية الثانية.

وللمرة الأولى منذ 70 عاماً، تجاوز إجمالي الدين الفيدرالي الأميركي حجم الناتج الاقتصادي، ليصل إلى 102 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وزاد معدل الدين الحكومي هذا العام المالي بنسبة 25 في المئة، ما يفسر تردد نواب الكونغرس، بخاصة الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه الرئيس دونالد ترمب، في الموافقة على حزمة دعم اقتصادي جديدة بنحو 1.8 تريليون دولار، لإنعاش الاقتصاد في مواجهة الموجة الثانية من كورونا.

وبحسب أرقام وزارة الخزانة، تراجعت العائدات الفيدرالية بنسبة واحد في المئة، مقارنة بالعام المالي السابق، لتصل إلى 3.4 تريليون دولار، في وقت زاد فيه الإنفاق بشكل هائل، تمثل معظمه حزمة الإنعاش الاقتصادي التي اعتمدت في مارس (آذار) الماضي بنحو 2.2 تريليون دولار.

وكان العجز في الموازنة الأميركية في طريقه لتحقيق معدل قياسي إلى ما قبيل وباء كورونا، إذ كانت التوقعات أن يصل إلى تريليون دولار في 2020، وغالباً ما يزيد العجز المالي في الموازنات خلال أوقات تراجع النمو أو الانكماش الاقتصادي. 

وفي اجتماعاته السنوية الأسبوع الماضي، حذّر صندوق النقد الدولي الحكومات حول العالم من التفكير في ضبط الدفاتر المالية العامة على حساب الاستمرار في دعم الاقتصاد الذي ما زال يعاني تبعات أزمة كورونا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتوقع الصندوق أن يصل الدين العام العالمي إلى 100 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي العالمي هذا العام، لكنه اعتبر ذلك أمراً منطقياً بسبب الانكماش الناجم عن أزمة وباء كورونا، مطالباً الدول الأعضاء باستمرار الإنفاق لتجاوز الركود.

ولا يبدو أن تضاعف عجز الموازنة وزيادة حجم الدين العام الأميركي أثرا في شهية المستثمرين لشراء سندات الخزينة الأميركية، أداة الدين الفيدرالي الرئيسة، كما أن الحكومة الفيدرالية مستمرة في تغطية العجز بالاقتراض، بخاصة مع تراجع كلفة خدمة الدين نتيجة وصول الفائدة إلى صفر، واستعداد الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأميركي لخفض الفائدة لتصبح بالسالب. وبالفعل انخفضت كلفة خدمة الدين بنسبة 9 في المئة في العام المالي المنتهي بنهاية الشهر الماضي، بحسب تقديرات وزارة الخزانة.

إقراض أميركا

تعد الولايات المتحدة أكبر مقترض في العالم، وأكثر بلد يحرص كل من لديه سيولة يريد استثمارها على شراء ديونها ومشتقاتها الاستثمارية الأخرى، وبغض النظر عن بضع مليارات يضخها مستثمرون من أنحاء العالم في أسواق وول ستريت يومياً عبر شراء أسهم الشركات والأوراق المالية الأخرى، تعد سندات الخزينة الأميركية أهم وسيلة استثمار منخفضة المخاطر، توفر دخلاً ثابتاً. 

وتلجأ الدول المختلفة عبر صناديقها الاستثمارية السيادية أو بنوكها المركزية، إلى شراء سندات الخزينة الأميركية كمخزن آمن للثروة من ناحية، ولما توافره من عائد ثابت نصف سنوي. كما تجد صناديق معاشات التقاعد وصناديق شركات التأمين وأمثالها من أوعية الودائع في شراء سندات الخزينة الأميركية تحوطاً مهماً في مقابل استثمار بعض موجوداتها في مشتقات عالية المخاطر، كالأسهم وغيرها.

العامل الرئيس من بين عوامل عدة تجعل الدول والصناديق تفضل إقراض الولايات المتحدة وشراء سندات دينها، هو العائد الثابت النصف سنوي، مع انعدام المخاطر، أما العوامل الأخرى فترتبط بالعامل الرئيس، وتتعلق بأن سندات الخزينة مضمونة من الحكومة الأميركية، ما يجعل الكل في العالم تقريباً، من حكومات وصناديق وأفراد يتنافسون على شراء الدين الأميركي، أي إقراض الحكومة الأميركية.

ولا تقتصر أهمية الضمان الحكومي الأميركي على أنها القوة العظمى الوحيدة في العالم، ولا حتى على أن اقتصادها هو أكبر اقتصاد في العالم، وإنما يعود إلى ثقة العالم كله في قدرة الحكومة الأميركية على الوفاء بالتزاماتها المالية نتيجة عاملين، أولهما أن الاقتصاد الأميركي من أكثر اقتصادات العالم مرونة وقدرة على امتصاص الصدمات، وثانيهما أن الحكومة الأميركية من أكثر حكومات العالم فعالية في تحصيل الضرائب من مواطنيها، وهذا ما يجعل أي مشتر لسندات الخزينة الأميركية، بخاصة التي تتراوح مدد استحقاقها بين 10 و 30 سنة، واثقاً تماماً من أنه سيحصل على العائد النصف سنوي، وفي نهاية مدة استحقاق السند سيحصل على قيمته الأصلية، كما يجعل من سندات الخزينة الأميركية الأنشط في السوق الثانوية لسندات الدين السيادية.

وفي السوق الثانوية لسندات الخزينة، يتناسب سعر السند مع نسبة العائد عليه، فكلما زادت نسبة العائد على سندات الخزينة قل سعرها في السوق الثانوية، لأن شراء سندات من السوق الأولية (المزاد الشهري الذي تطرح فيه وزارة الخزانة الأميركية السندات عبر الإنترنت) سيكون ذا عائد أفضل في حال ارتفاع نسبة العائد من شراء سندات إصدار سابق في السوق الثانوية، نسبة العائد عليها أقل.

دائنو أميركا

يعد الدين الحكومي الأميركي أيضاً الأكثر تنوعاً من جهة حاملي سندات الخزينة المختلفة، قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، إذ يستخدم المواطنون الأميركيون شراءهم لسندات الخزينة لتأمين دخل عند التقاعد، أو مصروفات مؤجلة كرسوم تعليم الأبناء أو ما شابه. وإلى جانب السوق المحلية لسندات الدين الحكومي، هناك حيازة الدول الأجنبية لسندات الخزينة.

وتعد اليابان تاريخياً أكبر مقرض للولايات المتحدة، وإن كانت أصبحت تتبادل ذلك الموقع مع الصين خلال السنوات الأخيرة. وبأحدث الأرقام من وزارة الخزانة الأميركية في الأسبوع الأول من الشهر الماضي، 7 سبتمبر (أيلول) 2020، وصل نصيب اليابان من الدين الأميركي البالغ 21 تريليون دولار إلى أكثر من 1.261 تريليون دولار، بينما بلغت حيازة الصين من سندات الخزينة الأميركية 1.074 تريليون دولار.

وتظل اليابان والصين من أكبر حائزي سندات الخزينة الأميركية، بما يفوق التريليون دولار، لتأتي بعدهما بريطانيا التي تحوز أقل من نصف تريليون دولار (445 مليار دولار)، وإيرلندا بما يزيد على 330 مليار دولار، وسويسرا بـ 247 مليار دولار، وفرنسا بـ 144 مليار دولار.

تلك مجرد نماذج على حيازة الدول لسندات الدين الأميركي، وهذا إقراض دول وحكومات عبر بنوكها المركزية أو صناديقها السيادية، تضاف إليه حيازة صناديق معاشات التقاعد وشركات التأمين وغيرها من الصناديق التي تنوع أصولها الاستثمارية، لحاجتها إلى توزيع عائد ثابت دائم لعملائها.

ليس هناك ما يشير إلى أن أحداً من دائني أميركا يرغب في التخلص من الدين، بل على العكس، ما زالت رغبة هؤلاء في شراء سندات الدين، أي إقراض أميركا، قوية، والدليل الأهم هو أن نسبة العائد على سندات الخزينة الأميركية المستحقة بعد عشر سنوات ارتفعت بشكل طفيف مع نهاية تعاملات الأسبوع، بعد صدور أرقام وزارة الخزانة حول عجز الموازنة وحجم الدين الفيدرالي العام.

المزيد من اقتصاد