Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شبح الإفلاس يهدد تونس بسبب المؤشرات الاقتصادية والمالية السلبية

وضع ينذر بانفجار اجتماعي يتزامن مع انعدام الرؤية والاستقرار السياسي في البلاد

الفوسفات ثروة مهدورة كانت تساهم بنسبة 4 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي (موقع وزارة الصناعة والمناجم التونسية)

قبل 24 ساعة من انتهاء الآجال الدستورية، قدّمت الحكومة مشروع موازنة الدولة للسنة المقبلة إلى مكتب مجلس النواب.

موازنة ضخمة جلها في النفقات العمومية

ويقدّر حجم موازنة الدولة لسنة 2021 بـ 52 مليار و600 مليون دينار (حوالى 17.5 مليار دولار)، أي بزيادة حوالى أربعة في المئة مقارنة بموازنة سنة 2020.

وستبلغ قيمة النفقات في موازنة الدولة لعام 2021، التي أنشئت على أساس سعر برميل نفط قدره 45 دولاراً، بـ 33 مليار دينار (11 مليار دولار).

ويتوقع أن يكون المبلغ الإجمالي المخصص للتنمية سبعة مليارات دينار (2.3 مليار دولار)، إضافة إلى تخصيص 1.5 مليار دينار (0.5 مليار دولار) فقط لتمويل المشاريع.

فما هي مصادر تمويل هذه الموازنة؟ ولماذا تراجعت نفقات التنمية في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية هشة؟

الوضع السياسي غير مستقر

يؤكد غالبية الاقتصاديين أن تونس في تصريحات لـ "اندبندنت عربية" في وضع اقتصادي ومالي حرج، ما سيصعّب عليها الدخول إلى السوق المالية العالمية لتعبئة الموارد المالية للموازنة، خصوصاً أن الترقيم السيادي لتونس قد تقهقر.

ويرى أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية رضا الشكندالي أن المستثمر الأجنبي لن يغامر بالدخول إلى السوق المالية التونسية، والواقع أن البلاد تعيش حالة عدم استقرار سياسي واجتماعي، معبّراً عن تخوّفه من إمكانية الانفلاتات الاجتماعية.

ويضيف أن صندوق النقد الدولي يبقى الملاذ الوحيد لتونس في هذه الظروف المالية الصعبة، وستضع البلاد نفسها مجدداً، تحت شروط هذه المؤسسة المالية الدولية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الحلّ في البنك المركزي والضرائب

من جهة أخرى، يرى الشكندالي أن الحلّ يبقى في اقتراض الدولة من البنك المركزي، وهذا يتطلب تغيير القانون المنظم له، شرط أن تصرف هذه القروض في التنمية من أجل خلق الثروة، لا في النفقات العمومية.

وفي هذا السياق، يذكّر أستاذ الاقتصاد بفحوى الرسالة التي بعثت بها الدولة التونسية إلى صندوق النقد الدولي، في وقت سابق، والتي تعهّدت فيها بعدم المساس بالسياسة النقدية للبلاد، ما يضعها في موقف صعب إزاء إمكانية الاقتراض من البنك المركزي.

وأمام تعاظم النفقات العمومية للدولة على حساب تراجع نفقات التنمية وفي ظل تراجع النمو، يلمّح الشكندالي إلى التصرف غير الرشيد في موارد الدولة، مقترحاً إنشاء هيئة مستقلة لمراقبة استعمالها للأموال العمومية، حتى توجّه بالفعل إلى الأهداف التي رُصِدت من أجلها.

ويرجّح أن يتم اللجوء إلى الضرائب عبر إثقال كاهل المواطن التونسي بالمزيد من الضرائب، ما سيؤدي إلى إضعاف القدرة الشرائية، وأيضاً ارتفاع مستوى التضخم، وربما المزيد من الاحتقان الاجتماعي.

موازنة بعيدة من الواقع 

الباحث وأستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية ياسين بن إسماعيل، يؤكد من جهته أيضاً أن طريقة إعداد الموازنة في البلاد "متخلّفة"، بحسب تعبيره، لأنها لم تتغيّر منذ أكثر من 60 سنة، موضحاً أنها تبنى عادة على رؤية، إلا أن ما يحدث في البلاد مجرد حلول ترقيعية، ولا تتضمّن الموازنات برنامجاً متكاملاً أو رؤية اقتصادية ومالية هادفة.

ويشدّد على أن الطريقة المثلى في بناء الموازنة هي الانطلاق من القاعدة صفر، من خلال تشخيص واقع الحال في الدولة ودراسة الحاجات الحقيقية وتكييفها مع الإمكانيات، قائلاً "طالما أن بناء الموازنة يتم على فرضيّات بعيدة من الواقع، فإنها لن تستجيب إلى الواقع".

خلل هيكلي في بناء الموازنة

ويتساءل بن إسماعيل عن كيفية تمويل هذه الموازنة بينما الناتج الإجمالي سلبي، مضيفاً أنه مقارنة بموازنة سنة 2010 التي كانت في حدود 18 ألف مليار دينار، أي حوالى (ستة مليارات دولار)، تضاعفت موازنة 2021 ثلاث مرات في أقل من عشر سنوات، بينما تتقلّص تلك الخاصة بالتنمية، ونسبة النمو للسنوات العشر الأخيرة كلها سالبة مقارنة بسنة 2010.

ويبرز أن الموازنة هي عون اقتصادي (agent économique) من ضمن أعوان آخرين (الأسرة والمؤسسة الاقتصادية والدولة)، إلا أن الدولة (عون) تستأثر لوحدها بثلثيها كنفقات عمومية، مشيراً إلى وجود خلل هيكلي في بنائها ومؤكداً أن من يخطّط ومن يضع مشروع الموازنة لا علاقة له بالاقتصاد الكلّي (macro économique).

الدولة أفلست

ويضيف بن إسماعيل أن المجموعة التي تقود الشأن العام في تونس لا تدرك خطورة الوضع، الذي تمرّ به البلاد مالياً واقتصادياً، معتبراً أنه في المقاربة العلمية الاقتصادية، فإن الدولة قد أفلست.

ويسترسل في تقديم المؤشرات السلبية التي لا تتماشى وحجم مشروع الموازنة للسنة المقبلة، من ذلك العجز التجاري (11 في المئة) والتضخم (8 في المئة) والبطالة في حدود 20 في المئة، واعتبرها خيالية، لا يمكن جلب مواردها، مشيراً إلى أن الجباية هي بالأساس أداة تعديلية للموازنة، لكنها ليست هدفاً في ذاتها.

وحول نفقات التنمية، يشير إلى أن الموازنة الموجّهة لنفقات الاستثمار، تبقى دائماً صورية يتم التصريح بها في البداية إلا أنها تضمحلّ أثناء التصرف فيها خلال السنة، معتبراً أن اللجوء إلى موازنات تكميلية كل سنة "معرّة"، تعكس ضعف التخطيط والاستشراف وداعياً إلى تعديل قانون البنك المركزي حتى يسهم في تمويل موازنة الدولة.

وفي خضم هذا الواقع والمؤشرات الاقتصادية والمالية السلبية، على الدولة التونسية أن توفر 10.3 مليار دينار (3 .4 مليار دولار) بشكل عاجل، من أجل استكمال السنة المالية الحالية 2020، وقد تواجه صعوبات من أجل صرف مرتبات القطاع العام لما تبقّى من السنة، وضع يُنذر بانفجار اجتماعي، وسط حالة من الإفلاس غير المعلن للدولة يتزامن مع انعدام الرؤية والاستقرار السياسي في البلاد.

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد