Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يلتقي أمن مصر المائي مع الكيني أم يتقاطعان؟

وساطة كينية متوقعة حول سد النهضة لكن ما يجمع نيروبي وأديس أبابا أكثر مما يفرقهما

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الكيني أوهورو كينياتا بقصر الرئاسة في نيروبي (أ ف ب)

تُعد كينيا خامس دولة أفريقية وقعت على اتفاقية حوض النيل في "عنتيبي" بأوغندا في عام 2010، وهو الاتفاق الذي احتجت عليه مصر والسودان، لمساسه بحقوقهما التاريخية. وبعد أن جرت مياه كثيرة من تحت الجسر، عزمت كينيا على بناء عدد من السدود، لتحسين أمنها المائي، ثم زار الرئيس الكيني أوهورو كينياتا القاهرة في 4 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، بعد زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى نيروبي عام 2017، وتفعيل عدد من اتفاقات التعاون بين البلدين.

ولأن قضية سد النهضة أصبحت تلقي بظلالها على كل القضايا الأفريقية، فإن إنعاش العلاقات بين القاهرة ونيروبي يطرح تساؤلاً، عما يمكن أن تقوم به كينيا في هذه القضية، التي تشكل "قضية أمن قومي" بالنسبة إلى مصر.

التقاء مواقف

يلتقي الموقف الكيني مع الإثيوبي في نقاط عدة، هي: الوحدة بشأن القضية الصومالية، فإبان الحرب الأهلية الصومالية شكلت هذه القضية تهديداً لأمن إثيوبيا وكينيا معاً، وما ظهر بعد ذلك من ضرورة مواجهة المتشددين، مما خلق تحدياً مستمراً تبعته الهجرة غير الشرعية ونشاطات التهريب وتفجيرات السفارات والملحقيات الأجنبية في نيروبي.

ودخلت القوات الكينية ضمن قوات بعثة الاتحاد الأفريقي التي تدعمها الأمم المتحدة "أميصوم" للقضاء على حركة الشباب الصومالية. وفي الوقت نفسه اضطلعت بعقد مفاوضات، من أجل المصالحة بين أطراف النزاع الصومالي في تسعينيات القرن الماضي.

ويوجد ما يوحد الموقفين الكيني والإثيوبي في نزاعهما مع مقديشو، إذ إن كينيا ترتبط بالصومال بإقليم إنفدي المتنازع عليه، كما ترتبط إثيوبيا بالصومال بإقليم أوغادين المتنازع عليه بينهما أيضاً. ويُعد الإقليمان من نتائج التقسيم الاستعماري لمنطقة القرن الأفريقي لم تستطع كل الحكومات الوطنية بعد ذلك التعامل مع هذه التركة، أو تحمل آثارها. وأخذ النزاع بين كينيا والصومال منحى متصاعداً باكتشاف النفط والغاز في المنطقة البحرية الكينية الواقعة على الحدود مع الصومال، مما دعا نيروبي إلى إقامة منطقة عازلة داخلها للاستفادة منها.

وفي المقابل، عرضت الصومال حقول النفط والغاز المتنازع عليها بين البلدين بمؤتمر في لندن، ضم مستثمرين دوليين في السابع من فبراير (شباط) 2019، ثم سحبت كينيا بعد ذلك سفيرها من مقديشو، وطردت سفير الصومال لديها احتجاجاً على هذه الخطوة. وجرى احتواء النزاع القائم على الحدود البحرية بين البلدين بوساطة آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي إبان توليه رئاسة الهيئة الحكومية للتنمية في شرق إفريقيا "إيغاد".

وعلى الرغم من المصالحة، فإن هذه الجبهة من النزاع تظل مشتعلة، تارةً بين حكومتي البلدين وتارةً أخرى بين كينيا وحركة الشباب الصومالية التي تتخذ من ميناء كيسمايو قاعدةً لتزويدها بالإمداد الخارجي والدعم اللوجيستي، وكمركز اتصالات بحري تنفذ من خلاله عملياتها.

كما أن أهم نقاط الالتقاء بين البلدين هو أنه عندما وقعت كينيا على اتفاقية عنتيبي لدول حوض النيل، كانت على اتفاق مع إثيوبيا في ما يتعلق بالحصص المائية لدولتَي المصب، مصر والسودان، وطالبتا بإعادة توزيع الحصص المائية وإلغاء الاتفاقات التاريخية بشأن هذه الحصص.

خلاف مستتر

يبدو واضحاً أن ما يجمع كينيا وإثيوبيا أكثر مما يفرقهما، لذا يتغاضى البلدان عن هذه الفوارق في موازنات استراتيجية متقنة، فعندما أعاقت سلسلة سدود جيبي التي أنشأتها إثيوبيا على نهر أومو تدفقات النهر، مما أثر في النشاط الاقتصادي للسكان في جنوب إثيوبيا وشمال كينيا، وكذلك في مستويات المياه ببحيرة توركانا بنيروبي، كانت النتيجة تعرض مساحات كبيرة من الجانب الكيني للجفاف وتهجير السكان من تلك المنطقة المشتركة.

ومع ذلك، لم تعتبر كينيا هذه السدود تهديداً لأمنها المائي، بل وافقت عليها مقابل استيراد الطاقة الناتجة من السد وسط رفض المعارضة هذه الصفقة التي رأت فيها تنازلاً، وصعّدت قضية آثارها البيئية إلى المنظمات الأممية المعنية.

لكن، لم تتحرك الحكومة الكينية ضد إثيوبيا، مما يبدو أن هناك اتفاقاً ضمنياً على أنهما دولتان صاعدتان وواعدتان تنموياً وسط مجموعة دول فاشلة في منطقة شرق أفريقيا، مما يمكّنهما من السيطرة الإقليمية على المنطقة، ويهيئ لهما تحقيق مصالحهما الاقتصادية والسياسية معاً.

وتحرص أديس أبابا على الحفاظ على علاقات تعاون مع نيروبي، مستفيدةً من بقاء الرئيس الكيني أوهورو كينياتا في السلطة، لاعتقادها أن وصول المعارضة الكينية بقيادة رايلا أودينغا إلى الحكم سيؤدي إلى زعزعة كينيا عبر فتح ملف إقليم إنفدي والتفاوض حوله، وزيادة التوترات المكتومة مما يؤثر في اكتمال سد النهضة.

فكلتا الدولتين تسعيان إلى تعظيم مصالحهما الخاصة والمتداخلة في بعض الأحيان، مما يزيد من الشكوك حول احتمال أن يكون هناك اعتبار جدي للأمن المائي المصري من قبل كينيا. ولا يحول ذلك بالطبع دون أن تلعب نيروبي دور الوسيط في قضية سد النهضة، بشكل قد يقرب وجهات النظر، ويمهد للتفاوض وليس بالضرورة لحل المشكلة. ومن ناحية أخرى، ترتبط قضية سد النهضة بمستقبل السدود، التي تعتزم إثيوبيا بناءها على نهر النيل، وأنهار صغيرة مشتركة مع دول أفريقية أخرى.

دور متداخل

في عام 2012 أعلنت كينيا خطة لإنشاء 24 سداً لتوليد الكهرباء، وتوفير احتياجات الزراعة ومياه الشرب على مجرى النيل، من دون إخطار رسمي لمصر أو السودان. لفت هذا الإعلان الانتباه، لأنه لم يكن متضمناً في اتفاقية حوض النيل "عنتيبي"، التي وقعت عليها دول منابع النيل من دون موافقة دولتي المصب، لكن بعد ذلك تداخلت بعض المصالح بين نيروبي والقاهرة، وهي أن مصر قدمت مبادرة لدعم وتطوير الموارد المائية الكينية، وبناء عدد من السدود لتجميع المياه وحفر عدد من الآبار الجوفية عام 2016.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما الدور الأكثر تداخلاً هو أن إثيوبيا عندما لمحت إلى أن يكون لكينيا دور في الوساطة الأفريقية ضمن الاتحاد الأفريقي في قضية سد النهضة بديلاً للوساطة الأميركية التي اتهمتها بالانحياز، اعتبرت مصر ذلك هروباً، لكن عندما أكد الرئيس كينياتا ذلك في زيارته الأخيرة إلى مصر وأكّد على حرص بلاده على تطوير التعاون الثنائي مع مصر في مجال البنية التحتية، في ضوء الخطة القومية الكينية للتنمية بتفعيل القوى الاقتصادية، مع تشديد الرئيس المصري على الأهمية القصوى لقضية المياه بالنسبة إلى مصر باعتبارها قضية أمن قومي، بدا أن وجود كينيا كوسيط قد يؤخَذ منه ما يمكن أن يتواءم مع الوساطة الأميركية، ويرد ما هو دون ذلك، خصوصاً أن نيروبي نفسها قد تخضع للموقف الأميركي رعايةً لمصالحها.

مآلات التحرك

لم يؤمن كينياتا على ما ذكره السيسي من حقوق مصر المائية، لكن كان الوعد المموه بتكثيف الجهود بشأن قضية سد النهضة. ونسبةً لتداخل المصالح وتشابكها بين كينيا وإثيوبيا من جهة، وبينها وبين مصر من جهة أخرى، يُتوقع أن تنشأ وساطة كينية لعلها تخلق توازناً إقليمياً لمقابلة الوساطة الأميركية، لكنها لن تتمكن من إلغائها.

وعليه، فإن الدور الكيني سيكون ذا قيمة جيو سياسية بالنسبة إلى كينيا بأكثر مما يتوقع منها تحقيقه لمصر، باعتبارها من أكبر الدول في المنطقة، كما أنها ستعيد إليها دورها كوسيط إقليمي في غالبية النزاعات الأفريقية، بعدما خبا بريقها بعد التفجيرات العديدة التي قامت بها ضدها جماعات إرهابية، وفتحها النزاع عليها في أكثر من جبهة. ثم إن كينيا ستعمل على إبقاء القوة التفاوضية مشتعلة؛ لأن الوصول إلى المواجهة التي لوحت بها إثيوبيا ومصر معاً ستمتد آثارها إليها.

وكما أنه من الصعب تحديد مآلات التحرك الكيني الذي اتخذ شكله المتردد تحت تأثير العلاقات الأفريقية الآخذة في التعقيد، فإن الدوافع أيضاً قد تتطور وفقاً للتفاعلات السياسية التي يمكن أن تشمل محددات أخرى. واحد هذه المحددات هي كون أن العلاقات بين إثيوبيا وكينيا قد يشوبها بعض الفتور بمحاولات الضغط الإثيوبي على نيروبي من خلال المعارضة، وحاجة كينيا إلى تشكيل حلف من شمال أفريقيا يساعدها على توسيع رقعتها الإشرافية على المنطقة.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات