إنها جائحة نشرت البؤس في المملكة المتحدة وأقعدت الاقتصاد وتبدو على وشك الضغط على هيئة الخدمات الصحية الوطنية مرة جديدة إلى درجة انهيار محتمل هذا الشتاء.
ويبدو الآن أن فيروس كورونا قد يؤدي إلى عاقبة وجودية أعظم بعد: تفكك أوصال البلد نفسه.
تسجّل الحركات المنادية باستقلال اسكتلندا وويلز زيادةً هائلة في الدعم بسبب كوفيد-19 على ما يبدو.
وتقول مجموعات الحملات إن المزيد من الناس ينضمون إليها بسبب تزايد الشعور بأن الإدارتين المُفوّضتين في إدنبره وكارديف - اللتين تتحكمان بسياسات الصحة - تعاملتا مع الأزمة بطريقة أفضل من ويستمنستر.
والنتيجة هي تزايد الدعم على وجه الخصوص في صفوف أولئك الذين، وعلى الرغم من أنهم متمسكون نظرياً بحق تقرير المصير، لم يقتنعوا في السابق بالمنفعة الحقيقية المرجوة من الاستقلال.
ويقول شون جوبينز، المؤسس المشارك لحملة نعم سيمرو (Yes Cymru) "أثار فيروس كورونا مسألة الحوكمة الجيدة وأظنّ أن الكثير من الناس في ويلز قد رأوا الآن أننا لا شك قادرون على الحكم الذاتي".
وتضاعف عدد أعضاء هذه المجموعة أكثر من ثلاث مرات، من 2100 إلى 7300 شخص منذ بداية فترة الحجر في مارس (آذار)، فيما وجد استطلاع يوغوف للآراء أن 32 في المئة من الشعب في ويلز بات يفضّل الانفصال. بينما حدّد استطلاع مماثل أُجري منذ 15 شهراً فقط هذه النسبة عند 28 في المئة فقط.
وما حصل هنا على ما يبدو هو أن سكان ويلز رأوا كيف اتخذ رئيس وزراء (الحكومة المحلية) مارك داريكفورد قرارات مصيرية. وبينما قد لا يتفق جميعهم مع قرار فرضه 16 إغلاقاً محلياً، ثمة إجماع على أن مؤسسات البلاد برهنت قدرتها على التعامل مع حالة طوارئ كبرى.
ويقول جوبينز، المنسق التربوي في أبريستويث الذي يبلغ من العمر 52 سنة "كثير من الوافدين إلينا يقولون إنهم فقدوا الثقة بويستمنستر لأنهم غير قادرين على تصديق مدى سوء تعاطيها مع الوضع برمّته. وبطبيعة الحال، يكون السؤال التالي، إن تعاملنا مع هذه الأزمة أفضل من بوريس (جونسون) وحزب المحافظين، لمَ لا نهتمّ بشؤوننا الخاصة؟ صارت الإمبراطورية عارية [لم تعد الإدارة المركزية مقنعة]".
ومع أن هذه الأرقام في تزايد في ويلز، ولا بد من التأكيد على أنها ما زالت تشكّل أقلّية - ولكنها أقلية آخذة في النمو.
لكن الوضع في اسكتلندا مغاير على ما يبدو.
يظهر استطلاعان للرأي أجريا هذا الصيف أن مناصري الاستقلال صاروا غالبية شمال الحدود (الإنجليزية). وبحسب أحد الاستطلاعات الذي أجرته يوغوف كذلك، وصل هذا المعدل إلى 53 في المئة. بينما وجد استطلاع آخر طلب إجراءه مركز Business for Scotland، أن 45 في المئة من الناس فقط يجيبون بالنفي الآن عن سؤال "هل يجب أن تكون اسكتلندا دولة مستقلة؟"، وهو ما يشكل انقلاباً فعلياً على نتائج استفتاء عام 2014.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشرح آندرو ويلسون، منظّم حملة "كلنا تحت راية واحدة" (All Under One Banner) "شعوري الشخصي هو أن الدعم بدأ يزداد بعد الانتخابات العامة لأن الاسكتلنديين لم يجدوا أنفسهم فقط مع حكومة من المحافظين التي لم يصوّتوا لها بل أيضاً مع اقتراح بريكست قاسٍ جداً [الانسحاب من الاتحاد الجمركي والسوق الموحدة الأوروبية من دون اتفاق] لم يريدوه. لكنه [التأييد] لم يتوقف عن النمو منذ مارس".
والسبب هو نفسه تقريباً في ويلز: أُعجب الاسكتلنديون بطريقة تعامل (الحكومة المحلية) في إدنبره مع تحدي كوفيد-19 وذُهلوا في الوقت ذاته من عجز لندن عن التحكم بالوضع.
ويعود التناقض في كل هذا ربما إلى أن القرارات التي اتخذتها نيكولا ستورجون (رئيسة وزراء الحكومة المحلية في اسكتلندا) - وكذلك درايكفورد - هي قرارات كانت شبيهة بشكل عام بتلك التي اتخذها بوريس جونسون. كما أنّ النتائج، من حيث معدلات الإصابات والوفيات، سلكت المسار ذاته.
لكن كثيرين يعتقدون أن السلطات المحلية تفوّقت [على لندن] من حيث التواصل والإصغاء والتعاطف. ويبدو أن دعم الاستقلال يزيد إلى حد ما جراء نبرة التعامل مع المسألة.
ويقول ويلسون، الموظف في مجال تقنيات المعلومات في إدنبره والبالغ من العمر 52 سنة "اختلفت الطريقة والسلوك والتواصل بشكل كبير. تقدّم نيكولا ستورجون خطاباً مباشراً وصادقاً- وتقول بعض العبارات باللهجة الاسكتلندية - حين تشرح الأمور، وهذا ما يشكل تعارضاً صارخاً مع رئيس الوزراء الذي يتفوّه بكلام من غير مغزى في معرض ردّه على سؤال طُرح عليه أو في اقتباس الأدب الإغريقي".
"لا يعني ذلك شيئاً لأي أحد، لا سيما وسط جائحة. هذا لا يمنح شعوراً بالثقة". وهو رأي يجد له سنداً في البيانات.
قياساً على سؤال محدد وعلى الوقت المحدد الذي طُرح فيه، تشير الاستطلاعات إلى أن 70-75 في المئة من الاسكتلنديين يعتقدون بأن ستورجون تبلي بلاءً حسناً في الظروف الصعبة. والعدد نفسه تقريباً يميل إلى الاعتقاد بأن العكس صحيح بالنسبة إلى جونسون.
والأهم أنه في ويلز واسكتلندا، يقول ناشطو حملات الاستقلال إن عدداً متزايداً من الأشخاص داخل الأحزاب الوحدوية - حزبَي العمال والمحافظين في البلدين- يعتقدون أن الانفصال محتمل.
ويقول ويلسون "هذا ما يثير الحماسة من وجهة نظرنا. لطالما شاركت مختلف الأحزاب في حملة كلنا تحت راية واحدة لكن بطبيعة الحال، لطالما لقيت الحملة دعماً محدوداً- ولكن بعض الدعم- من أعضاء حزبَي المحافظين والعمّال. وهذا يتغيّر. والمعتقدات داخل هذين الحزبين تتغيّر".
إنما يجدر القول إن فيروس كورونا لم يجعل هذا التغيير في الآراء أمراً محتوماً. فالهزّات الاجتماعية الهائلة لا تؤدي تلقائياً إلى تفكّك البلدان. بل العكس هو الصحيح في الحقيقة.
وأوضح البروفيسور مايكل كيتينغ، رئيس قسم السياسة الاسكتلندية في جامعة أبردين "اعتقد كثيرون أنه عندما ستهبط علينا أزمة كوفيد، ستزيد الدعم للاتحاد لأنه خلال الأوقات الصعبة، تميل اسكتلندا تاريخياً إلى التوجه إليه (الاتحاد) التماساً للدعم. لذا كان من المنطقي التفكير بأن ما سيحدث هو التفاف حول العلم".
"وفعلياً من وجهة نظر تاريخية، من المفاجئ أن ذلك لم يحصل".
أما سبب ذلك، فيعود على ما يبدو مرة جديدة إلى الشعور بأن سلوك لندن شابَهُ التقصير.
هل كانت الأمور لتختلف في ظل حكومة أخرى؟
يجيب كيتينغ "نعم. والشكوى هنا، بالطبع، تتعلق بأن ويستمنستر لم تجرِ مشاورات بما يكفي أو تُعلم الناس قبل اتخاذ القرارات... وهذا ما أدّى إلى انهيار الثقة".
لكنه يشير إلى أن الانفصال يبقى اقتراحاً صعباً.
لم تكن كارديف ولا إدنبره لتمتلك القدرات المالية اللازمة من أجل دعم مخطط التسريح المؤقت الذي لقي الكثير من الثناء، وأنقذ مئات الآلاف من الوظائف إلى الآن.
وفي هذه الأثناء، بعيداً من كوفيد، سيتطلب الانفصال في عالم ما بعد بريكست على الأرجح وضع حدود مادية - وهو ما يُحتمل أن يلحق ضرراً أكبر باقتصادات الجزيرة الأصغر.
وما هو وثيق الصلة بهذه النقطة كذلك هو أن شعور الوحدة ما زال قوياً في البلدين. وقلما تُنظم المسيرات المنادية بالاستقلال في اسكتلندا من دون أن تتزامن مع تظاهرة تلوّح بأعلام المملكة المتحدة وتناصر البقاء فيها.
لكن حتى مع أخذ هذه المسائل في الاعتبار، يبدو من المعقول أكثر فأكثر أنه عند انقضاء الجائحة، ستتوجب إضافة وفاة أخرى إلى حصيلتها الكئيبة: وفاة المملكة المتحدة نفسها وأفولها.
© The Independent