Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

روحاني الذي اختار التسليم أمام خصومه

سيترك الرئيس الإيراني كرة نار من الأزمات وضعها أمامه المعسكر المتعجل خروجه بهدف إفشاله

أيقن الرئيس الإيراني أن العراقيل التي توضع أمامه من قِبل خصومه لا تنسجم مع المقولات التي تصدر عن قيادة النظام (أ ف ب)

يبدو أن الرئيس الإيراني حسن روحاني، وصل إلى قناعة شبه تامة بعدم قدرته على إحداث خرق في جدار مواقف النظام المرتفعة، التي وقفت حائط صد أمام كل الجهود والمساعي التي بذلها لإخراج إيران من النفق الطويل، الذي دخلته مع إدارة البيت الأبيض برئاسة دونالد ترمب، بعد قرار الانسحاب من الاتفاق النووي، والعودة إلى سياسة فرض العقوبات الاقتصادية غير المسبوقة.

تجاوز الحدود المرسومة

ولعل روحاني في مواقفه الأخيرة التي تحدث في جزء منها عن "انتصار" حققه الاتفاق النووي باقتراب موعد (18/10/2020) رفع الحظر عن تجارة الأسلحة التقليدية بيعاً وشراء، قرر التمثل ببيت الشعر العربي الذي يقول "أنا الغريق فما خوفي من البلل"، عندما فتح النار بشكل غير مباشر على كل الأطراف التي عارضت وتعارض الاتفاق النووي، وتعمل على إفشال وعرقلة كل الجهود الداخلية والدولية لفتح مسار تفاوضي بين إيران والولايات المتحدة وإدارة ترمب يساعد على إعادة إحياء مكتسبات الاتفاق النووي، ويحد من تصاعد الأمور وتفاقم الأزمات التي أصبحت حبالها تلتف على كل شرائح المجتمع الإيراني، وتهدد بانفجاره وانهيار المنظومة السياسية القائمة.

الغطاء الذي حاول روحاني التخفي وراءه، لتمرير مواقفه السياسية من عملية التفاوض لم يكن خياراً موفقاً، فاستدعاء التاريخ الديني والمذهبي غير متاح له، لعدم امتلاكه مفاتيح توظيف هذا التاريخ بالوجهة التي يريدها، واستحضاره صلح الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب مع معاوية بن أبي سفيان في السنة الأربعين للهجرة، ومحاولة إسقاطه على الواقع الحالي لإيران في أزمتها مع الولايات المتحدة كان استحضاراً خارج دائرة اختصاصه، التي حددتها آلية النظام ودور ووظيفة الولي الفقيه، الذي وحده يمتلك الحق قبل الحوزة الدينية في تأويل الحدث التاريخي واستنباط التوجهات والمسوغات وحتى القياسات الفقهية والدينية، على الرغم من عدم اعتماد المذهب الشيعي مبدأ القياس كأحد مباني استنباط الحكم الشرعي.

روحاني تجاوز حدوده المرسومة، ودخل في دائرة من الصعب أن تتسامح معها وبها الجهات، التي وضعت نفسها في موقع الدفاع عن المؤسسة الدينية وحصريتها في تفسير الموروث الديني، ولم يشفع لروحاني انتماؤه إلى هذه المؤسسة، لجهة أن ما ذهب إليه من تفسيرات يدخل في صلب صلاحيات الولي الفقيه الدنيوية والروحية.

ولعل الرئيس الإيراني في استعادته صلح الحسن مع معاوية قد أخذته الحماسة، ووجد في الكلام الذي أطلقه أحد رجال الدين عبر أثير مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الرسمية عن البشرى التي حملها أمين الوحي جبريل إلى السيدة فاطمة بنت النبي عن الثورة الإسلامية وقيادتها، فقرر استدعاء موجبات هذا الصلح التاريخي، ومحاولة مطابقتها مع التحديات التي تمر بها "الثورة الإسلامية"، التي سبق أن بشّر بها جبريل قبل نحو 1430 عاماً، عله يستطیع الوصول إلى نقطة وسط بينه وبين الدولة العميقة التي ترفض أي مسار يحقق انفراجاً على هذا المسار.

استحضار روحاني صلح الحسن بن علي جاء من باب التحذير من مغبة الذهاب إلى خيار البناء على حسابات خاطئة ومصالح ضيقة وصراعات داخلية على حساب المصالح القومية والوطنية الأوسع، واعتبر أن ميل الإمام الحسن إلى الصلح مع معاوية جاء بعد قراءة دقيقة لواقع الأمة حينها، ومن الخطأ أن نذهب إلى الصلح والسلم في وقت يفترض أن نذهب فيه إلى المواجهة، وكذلك من الخطأ أن نذهب إلى الحرب في وقت الحاجة إلى تغليب الصلح بناء على مصلحة الأمة، فالحرب مكان الصلح، والصلح مكان الحرب، كلاهما خطأ لا يجب ارتكابه "الصلح في الوقت المناسب، والحرب في الوقت المناسب".

اتهامات بالجهل

هذه المواقف للرئيس الإيراني وضعته في مواجهة قوى النظام في المعسكر المحافظ، التي لم توفر وسيلة للنيل منه، ولم يقف حدود التهجم عليه باتهامه بالجهل السياسي، بل تجاوزه لاتهامه بعدم فهمه الدين على الرغم من كونه من أبناء المؤسسة الدينية، واعتبرت هذه الجماعات أنها "لم تكن تنتظر منه أن يكون من أصحاب المواقف أو الصمود والتمسك بمبادئ المقاومة الحقيقية في مواجهة المتربصين بإيران الإسلامية"، خصوصاً أنه فشل في تحقيق أي إنجاز على مدى سبع سنوات جراء سياساته التي تعتمد التسوية والتفاوض.

أقل من ثمانية أشهر تفصل إيران عن الانتخابات الرئاسية، التي تعني خروج روحاني من السلطة التنفيذية مع الفريق السياسي والدبلوماسي والاقتصادي، الذي رافقه خلال السنوات الثماني، التي حاول فيها قيادة إيران بين مفاوضات نووية معقدة وإدارة وضع اقتصادي مأزوم يقف على حافة الانهيار بسبب العقوبات الأميركية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

غير أن روحاني يبدو أنه دخل في مرحلة الاقتناع بعدم جدوى الجهود التي يقوم بها، وأن العراقيل التي توضع أمامه لا تنسجم مع المقولات التي تصدر عن قيادة النظام، بضرورة تضافر جهود جميع القوى لإخراج البلاد من مأزقها، وأن مراكز القرار في النظام اتخذت خيارها إفراغ أي إنجاز حققته الحكومة في السنوات الماضية من مضمونه وآثاره الإيجابية. وهي من أجل الوصول إلى هدفها بالسيطرة على السلطة التنفيذية لن تتورع عن ارتكاب أي موقف يُسهم في إبعاد شبح عودة أي من الشخصيات الإصلاحية أو المعتدلة، حتى وإن كانت من داخل المعسكر المحافظ إلى رئاسة الجمهورية على حساب كل المعايير المصلحية والوطنية والقومية والإستراتيجية.

إرث روحاني

حديث روحاني عن تحقيق تنمية اقتصادية تفوق التي حققتها ألمانيا، يكشف حجم التخلي الذي وصل إليه الرئيس جراء تفاقم الأزمات، وتخبط إدارته في معالجة الأوضاع الاقتصادية وانهيار العملة، وتأثيرات وباء كورونا وإدارة الأزمة الصحية الناتجة عن هذا الوباء، واتساع رقعة الفقر التي تتناقض، وما ذهب إليه من تنمية.

وما اللجوء إلى تضخيم رفع الحظر على الأسلحة التقليدية بيعاً وشراءً في الأيام المقبلة، وتحويله إلى نصر مؤزر، إنما يشير إلى وصول الرئيس إلى حالة يأس بتجاوز العقبات التي وضعت أمامه من قِبل خصومه، الذين لا يريدون له أن يسجل أي إنجاز حقيقي حتى في الاتفاق النووي، وأنه بات ينتظر انقضاء الأشهر المتبقية على رئاسته ليوقف مسلسل الخسائر والحصار الذي يتعرض له.

إلا أن الرئيس الإيراني سيترك بين يدي المعسكر المتعجل خروجه، كرة نار من الأزمات التي عملوا على استيلادها ووضعها أمام إدارته بهدف إفشاله، قد يكون من الصعب عليهم علاجها أو الحد من تفاقم آثارها السلبية على استقرار النظام الداخلي، ويضعها أمام واحد من خيارين، إما التعامل مع انفجار الوضع الداخلي، وما له من تبعات، وإما الذهاب إلى تسويات خارجية ستكون أكثر قسوة، مما كان متاحاً عندما تمسك روحاني خلال رئاسته بمسار التفاوض مدخلاً لحل أزمة النظام والدولة والابتعاد عن دائرة الخطر.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل