Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مساع للنهوض بوسط بنغازي من تحت ركام الحرب

تحتاج إعادة إعمار المدينة القديمة إلى خبرات خارجية وتسريع الدولة لخطواتها

خلفت الاشتباكات التي دارت في بنغازي دماراً مرعباً شوّه ملامح المدينة القديمة (اندبندنت عربية)

حجرٌ فوق حجر، هوت مبانٍ ومناطق تاريخية في وسط بنغازي، ذات أهمية كبيرة في ذاكرة المدينة وتاريخ الثقافة الليبية بشكل عام، ففيها نشأ المفكر الأبرز في التاريخ الليبي الصادق النيهوم، وشدا شاعرها المفوه علي الفزاني بأول قصائده، وغيرهم كثر من الأدباء والكتاب الذين ترعرعوا في حضن المدينة القديمة.

هي "وَسْط البلاد" كما يسميها أهل بنغازي، والتي تشمل حزاماً من المناطق المحاذية للبحر، كانت مركز النشاط الفكري والتجاري والسياسي للمدينة، ففيها أهم الدوائر الحكومية والبنوك والمباني التاريخية ومنها أُعلِن استقلال البلاد وانطلق انقلاب القذافي على النظام الملكي واندلعت شرارة ثورة فبراير (شباط).

في عام 2014 وبعد انطلاق "عملية الكرامة" العسكرية بقيادة المشير خليفة حفتر، تمركزت مجموعات إرهابية يحاربها "الجيش الوطني الليبي" في "وَسْط البلاد"، وخلفت الاشتباكات التي دارت بين الجانبين دماراً مرعباً شوّه ملامح المدينة القديمة، إثر معارك استمرت 3 سنوات.

بانتظار الوعود الرسمية

وعلى الرغم من أن الحرب وضعت أوزارها منذ سنوات، ما زال أهالي وسط بنغازي ينتظرون تنفيذ الوعود الرسمية لإعادة الإعمار ودفع التعويضات وعودة أكثر من 8 آلاف أسرة ليبية وقرابة 3 آلاف عائلة أجنبية إلى "وَسْط البلاد".
ومع أن بعض الجهود الشخصية والرسمية أسهمت في عودة الحياة تدريجاً إلى المناطق المدمرة، إلا أن الأزمات السياسية المتتالية لم تسمح ببداية مشروع الإعمار الشامل.

في السياق، أكد المهندس أسامة الكزة مدير مكتب المشروعات في بلدية بنغازي أن "إعادة إعمار المدينة القديمة ووَسْط البلاد بحاجة إلى خبرات خارجية لتأمين الجودة".

وأشار الكزة إلى أن "هذا لا يمنع مشاركة الشركات المحلية التي أجرت أعمال الصيانة والترميم في بعض المباني، منها منارة بنغازي ومقر إدارة المراسم بوزارة الخارجية والتعاون الدولي"، مشيداً في الوقت ذاته بـ"تواصل أعمال الترميم في بيت بنغازي الثقافي المعروف باسم حوش الكيخيا".

وبيّن الكزة أنه "تم تخصيص مبلغ 250 مليون دينار ليبي من لجنة إعادة الاستقرار بعد قرار صادر عن رئاسة البرلمان، يشمل إزالة الركام ورصف الشوارع وشبكات الصرف الصحي، وإعادة الكهرباء بالكامل والنظافة وتنسيق الحدائق"، لافتاً إلى أن "هذه الأعمال كان يُفترض بدؤها في مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، لكن أزمة نقص الديزل التي طرأت أخيراً تسببت في تعثرها، نظراً إلى أهمية تلك المادة في تشغيل الآلات الثقيلة".


تخطيط جديد بالكامل

من جهة أخرى، كشف مدير مكتب المشروعات، عن "تجهيز دراسة ورؤية جديدة للمخطط العام لمدينة بنغازي بالكامل". وقال إن "المدينة القديمة جزء منه، وسيشمل صيانتها وتغييرها إلى مدينة مهتمة بالثقافة والترفيه وستكون مخصصة من الداخل للحركة الراجلة فقط".

وشدد المهندس الكزة على أن "المحافظة على المدينة القديمة هي الأولوية في البلدية نظراً إلى أهميتها التاريخية وتأثيرها في تشكيل الهوية العامة لمدينة بنغازي"، نافياً أن "تكون المناطق الحيوية المستحدثة التي نهضت أخيراً هي البديل عن المدينة القديمة".

​​​​​​​حملات خيرية لدعم النازحين

من جانبه قال ماهر الغرياني المكلّف بمكتب الإعلام في المجلس المحلي لـ"وَسْط البلاد" إن "الوضع الحالي للمدينة القديمة موجع جداً، لكننا لم نقف مكتوفي الأيدي في انتظار دعم الدولة". وكان الغرياني أطلق منذ 3 سنوات حملةً خيرية تحت مسمى "عودة الحياة لمنطقة وسط البلاد" تهدف إلى إعادة العائلات النازحة وبالفعل عادت قرابة الـ2000 عائلة، بعد إزالة بعض الركام وإعادة جزء من الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء بالتعاون مع الشركات المختصة في الدولة".

 في هذا الإطار، أوضح الغرياني أنه "من خلال صفحات مواقع التواصل الاجتماعي واستجابة أهل الخير للنداء والقيام ببعض الاجتهادات الشخصية، تم توفير الكثير من الحاجات الطارئة للنازحين الذين تركوا كل ما لديهم داخل بيوتهم المدمرة"، مشيراً إلى أن "هذه الجهود بُذلت لأهمية المنطقة كواجهة للمدينة وقلبها النابض".

تعهدات المركزي

وفي إطار التواصل مع الأجهزة الرسمية لحل مشكلاتهم، قال الغرياني إن "اجتماعاً سابقاً مهماً عُقد في بداية العام الحالي بين المجلس المحلي للمنطقة واتحاد النازحين مع الدكتور علي الحبري، محافظ مصرف ليبيا المركزي التابع للحكومة المؤقتة (شرق)، الذي أكد أنه سيتم في عام 2020 البدء في إعادة الإعمار بوسط البلاد والصابري وأخريبيش بهدف إنجاز 60 في المئة هذه السنة". أضاف أن "أزمة كورونا عطلت تنفيذ هذه الوعود التي أسعدتنا كثيراً، إلا أننا عدنا واجتمعنا بمحافظ المركزي في يوليو (تموز) الماضي وسلمناه قائمة الأولويات، وفيها إزالة المباني الآيلة للسقوط والركام وإصلاح البنية التحتية".

وتحدث الغرياني عن الأعباء التي تخلفها فترات تأجيل هذه الوعود، على العائلات النازحة، فقال "عندما نسمع كلام الحكومة نشعر بالسعادة والاطمئنان ولكن مع طول المدة والأعذار المتلاحقة لعدم التنفيذ، لا حل لنا سوى الانتظار، وسط ظروف مادية قاسية للنازح الذي يدفع الإيجار وكان يُفترض أن تساعده الدولة في ذلك".


قضية التعويضات

ومن هذه الوعود المؤجلة بحسب المكلف بمكتب الإعلام في المجلس المحلي للمنطقة، تعهد الحبري بـ"تعويض أصحاب العقارات الليبيين والأجانب ممَن لديهم التخصيص وليس الشهادة العقارية، بأن يتم تخييرهم بين السكن في مشاريع سكنية جديدة، منها ما وصلت فيه نسبة الإنجاز إلى 80 في المئة وأخرى لم تبدأ الأعمال فيها بعد، أو بأخذ القيمة المالية المقدَّرة وشراء بيت في أي مكان آخر بحسب الرغبة".

وأشار إلى وجود مشكلة واحتقان بسبب التعويضات التي دفعتها الدولة بقيمة 18 ألف دينار ليبي للنازحين الذين سكنوا في مقرات حكومية كالمدارس، مقابل مغادرتها، كاشفاً عن "تلاعب حدث من قبل بعض الذين تصلح منازلهم للسكن، فتركوها ثم ذهبوا إلى المقرات الحكومية، وآخرون باعوا ممتلكاتهم ليسكنوا بالإيجار، وظُلِموا بعدم حصولهم على أي تعويض".

أما بخصوص المطالبات بالتعويض عن الممتلكات داخل العقارات، اعتبر أن "هذا الموضوع شائك ولا يمكن للدولة حصره بسبب فقدان الصدقية لدى البعض، بل يجب حصر المباني فقط".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تأثر معالم تاريخية

وتعج المدينة القديمة في بنغازي بالمباني التاريخية ذات القيمة الثقافية والروحية الكبيرة، مثل الكاتدرائية الكاثوليكية التي تُعدّ من أبرز معالم المدينة وهي الأكبر في شمال أفريقيا، وقد طالها بعض الضرر من الاشتباكات التي دارت في محيطها.

وأكد مهندس بلدية بنغازي أسامة الكزة أن "البدء بصيانة الكاتدرائية سينطلق بعد أسبوعين. وتستهدف البلدية أيضاً المبنى التاريخي الذي استُخدم سابقاً كمقر للاتحاد الاشتراكي في عقد السبعينيات من القرن الماضي، ليكون مقراً لمكتب مشاريع بلدية بنغازي في المستقبل"، متوقعاً أن "تشهد المدينة تغييراً كبيراً في حال الاستقرار السياسي وتشكيل حكومة قوية توفر الموارد بعد نجاح المفاوضات السياسية وعودة الاستقرار والانطلاق في مشاريع الإعمار والتنمية".

المزيد من تقارير