Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يحسم المسيح الانتخابات الأميركية مجددا؟

بحسب استطلاعات فقد أبدى 77 في المئة من "الإنجيليين البيض" رضاهم عن أداء ترمب خلال فترة رئاسته

ترمب يتوسط أنصاره من المسيحيين السود وهم يؤدون الصلاة في البيت الأبيض (غيتي)

لا تبدو الولايات المتحدة، أحد أهم حصون الديمقراطية العلمانية على مستوى العالم، علمانيةً بما يكفي لتحليل مستقبلها السياسي بعيداً من التأثير الديني في تشكيل مؤسساتها الرسمية ونظام حكمها، إذ تحضر المسيحية السياسية بشكل واضح في الانتخابات الأميركية، كإحدى القوى المرجحة في مسار السباق الرئاسي، بخاصة في ما يتعلق بالناخبين الإنجيليين البيض.

وكثر الحديث عن التأثير الرئيس لهذه الشريحة في مسار الانتخابات الرئاسية في 2016 بين دونالد ترمب وهيلاري كلينتون، التي أسهم الإنجيليون في ترجيحها لصالح الأول، إذ أظهرت استطلاعات الرأي أن ثمانية من  10 أشخاص ينتمون لهذه الشريحة صوّتوا لصالح ترمب، ولا يزالون يشكّلون قاعدته الشعبية أو جزءًا رئيساً منها. 

ووفقاً لاستطلاع أجراه معهد أبحاث الديانة العام في أميركا، أبدى 77 في المئة من الإنجيليين البيض رضاهم عن أداء ترمب، في الوقت الذي عارض 98 في المئة منهم الجهود التي قادها الديمقراطيون لمحاكمته وعزله خلال فترة رئاسته الحالية.

وكما أسهم أتباع المسيح في خلق مفاجأة 2016 في الدفع بقطب قطاع الأعمال الأميركي المعروف إلى قطاع السياسة، يتوقّع مراقبون "المجيء الثاني" للمسيح في السباق الذي يصفه البعض بـ"الأكثر سخونة" في تاريخ الولايات المتحدة، مع متابعة أكثر لدور الجماعة في تحديد مسار الانتخابات هذا العام.

المسيحية السياسية

تملك البروتستانتية الإنجيلية عكس نظيرتها التقليدية حضوراً واسعاً ومؤثراً في السياسة الأميركية، إذ تدير الجماعات التي تنضوي ضمن هذه الشريحة بحسب تقارير صحافية، مئات المحطات التلفزيونية الدينية، وأكثر من 1000 إذاعة وعدداً لا يحصى من المكتبات المنتشرة في أرجاء الولايات المتحدة، فضلاً عن حضورها الاجتماعي على مستوى المراكز الأسرية والمدارس والتجمعات الترفيهية الخاصة بالطفل والأسرة.

ويسهم هذا الحضور المكثف والمنظم لهذه الشريحة المتديّنة في الحفاظ على حظوظ المسيح في حسم التأرجح الانتخابي. بحسب استطلاعات رأي، فقد نجح اليمين الإنجيلي منذ السبعينيات في تحديد رئيس الجمهورية منذ الـ 1976 من خلال دعم جيمي كارتر في 1976 وحتى عام 2000 وحسم السباق لصالح جورج بوش الابن. كما أشار معهد أبحاث الديانة العامة أن "78 في المئة من الإنجيليين البيض، الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 - 29 سنة هم جمهوريون، أو مستقلون يميلون لتأييد الحزب الجمهوري"، وهو ما يؤكده المحلل السياسي المتخصص في الشأن الأميركي ياسر الغسلان، قائلاً "في بدايات دخول الإنجيليين إلى السياسة، كان كثيرون من داعمي الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر، إلا أنهم وبعد وصول رونالد ريغان اتجهوا بشكل أكبر نحو الحزب الجمهوري وباتوا جزءًا من اليمين المحافظ في الحزب".

وحول الميل السياسي للإنجيليين، يضيف الغسلان "يتكوّن الإنجيليون من شرائح البيض ذوي التعليم دون الجامعي يعملون في المهن التقليدية والزراعة. وهذه الشرائح ترفض النظرة التي يصفونها بالفوقية والتي يمثلها الحزب الديمقراطي، وعليه فإن غالبية الإنجيليين هم في الأساس جمهوريون على اعتبار التلاقي بين توجهات الحزب ومبادئ الطائفة"، ما يجعلها شريحة مهمة بالنسبة إلى المرشح الجمهوري.

ويعود هذا التأثير إلى أن الإنجيليين يشكّلون نحو ربع سكان الولايات المتحدة وحوالى 40 في المئة من تعداد جميع البروتستانت الأميركيين، ويرجع هذا النجاح للطائفة التبشيرية إلى امتلاكهم مجموعات منظمة ينضوون تحت مظلتها، مثل المجلس الأميركي للكنائس المسيحية والجمعية الوطنية للإنجيليين والمجلس العالمي للكنائس المسيحية، التي يقومون من خلالها بالترويج لسياسة الفرقة المسيحية القوية وتنظيم مشاركتهم باستخدام الأدوات الإعلامية والاجتماعية والدينية الخاصة بهم.

الحزام الإنجيلي

وعلى مستوى التوزيع الديموغرافي، تملك المكوّنات المسيحية مناطق جغرافية في جنوب البلاد تسهّل عملية تأثيرها في المسار الانتخابي، بالنظر إلى الطريقة التي يتم فيها احتساب الأصوات عبر المجمع الانتخابي، إذ يكفي المرشح أن يحصل على غالبية أصوات الولاية حتى يضمن أصواتها داخل المجمع، وهو ما يجعل من المكوّن البروتستانتي طرفاً مرجحاً في تحديد الرئيس، نظراً إلى امتلاكه نطاقاً جغرافياً من عدد كبير من الولايات المهمة والوازنة داخل المجمع الانتخابي تسمّى "الحزام الإنجيلي".

ويمتدّ الحزام الإنجيلي في الجنوب الأميركي من سواحل المحيط الأطلسي جنوب شرقي الولايات المتحدة حتى الحدود الغربية لولاية تكساس.
ويضم هذا الحزام ولايات (كارولاينا الشمالية وكارولاينا الجنوبية وجورجيا وألاباما ولويزيانا وميسيسيبي وتينيسي وكنتاكي وأركنساس وميزوري وكانساس وأوكلاهوما وتكساس).

ويبلغ عدد أصوات هذا الإقليم 149 صوتاً من إجمالي أصوات المجمع الانتخابي البالغ عددها 538، وتقترع غالباً للجمهوريين منذ تحوّلها إلى دعمهم بدءًا من رونالد ريغان حتى اليوم.

ولا تعرف هذه الولايات التنوّع الديني أو الاجتماعي المعروف في بقية الولايات، إلا أن حضور السود كمكوّن يحتلّ 20 في المئة تقريباً من السكان هو ما يشكّل تحديثاً متزايداً للسيطرة الجمهورية عليها، نظراً إلى أن معظم المهاجرين الأفارقة على الرغم من انتماءاتهم العقائدية يفضلون التصويت للحزب الديمقراطي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إلا أن السباق هذا العام على ارتداء هذا الحزام الذهبي يبدو أكثر صعوبة، إذ أظهرت استطلاعات الرأي تقدم جو بايدن بأقل من نقطة مئوية في ولاية كارولاينا الشمالية، إحدى ولايات الحزام المهمة، في الوقت الذي مالت إلى صالح ترمب ضد هيلاري كلينتون بنحو 4 في المئة، ما ينبئ بصراع محتدم الشهر المقبل في هذه الجغرافيا الممتدة.

ترمب المخلّص

في مؤتمر نظمه ناشطون مسيحيون في أميركا، وضع القس أندرو برانسون يده على كتف الرئيس دونالد ترمب وقال "أبانا الرب، أرى أن لك قلباً رؤوفاً بالرئيس ترمب فقرّبه منك، أسأل الرب أن يمنحك معرفة غيبية لمعرفة من هو أهل للثقة ومن ليس كذلك، وليبطل الرب خطط أولئك الذين يريدون سوءاً بالرئيس وبهذه البلاد"، وهي اللحظة التي بدى فيها الرئيس خاشعاً بين يدي القسّ الإنجيلي الذي يدين لحاكم البيت الأبيض بحريته بعد سنوات من احتجازه في تركيا.

هذا المظهر الذي يسعى الرئيس إلى الحفاظ عليه، المسيحي البروتستانتي الملتزم، والمعتزّ بعلاقته الدينية بالرب والمسيح، لا يتوافق مع مسيرته التي لا تشبه تلك التي يتحلّى بها رواد الأوساط الدينية. فترمب الذي ارتبط اسمه بفضائح جنسية عدة، يصفها بـ"الكيدية"، إضافة إلى كونه نجماً تلفزيونياً يهتم بإطلالته ونجوميته، وهو صاحب علاقات متعددة مع النساء ومتزوج مرات عدة، لا يبدو ظاهرياً متوافقاً مع نخب المجتمع الإنجيلي.

لكن لا يبدو أن هذا يغير في العلاقة بين الطرفين شيئاً كثيراً، ويعيد الغسلان ذلك إلى حديث لقيادات إنجيلية عدة دافعت عن خيارها عند سؤالها عن أخلاق ترمب، قائلة "الله لديه طرقه الخاصة في تحقيق الحق على الأرض، فالناقص من وجهة نظرنا كبشر قد يستخدمه الله ليكمل به حياتنا ويتمّم به على عباده".

ويضيف الغسلان سبباً آخر وهو أن هذه الجماعات تنظر إلى ترمب على أنه ممكن فحسب، "هم لا ينظرون إلى ترمب على أنه ممثل لهم بل ممكن لا أكثر، فالجميع يعلم أنه أبعد مرشح احتراماً للأسس التي يتبنّاها الإنجيليون، إلا أن ذلك ليس مهماً ما دام ينفذ أهدافهم العقائدية". ويضيف حول هذه الأهداف، "تمكين إسرائيل من أجل عودة المسيح هي نبوءة وعقيدة جوهرية لديهم قام ترمب بالعمل على تحقيقها، إلى جانب دفاعه عن حق الحياة ومناهضة الإجهاض وزواج المثليين"، وعليه فإن الاعتماد المتبادل على التمكين أصبح الوسيلة الاستراتيجية لنجاح الطرفين بغض النظر عن أي شيء آخر، بحسب الغسلان.

ويحرص ترمب على حضور المناسبات التي تعقدها الجماعات المسيحية والتجمعات الكنسية واستخدام لغة دينية في مخاطبتها، كما جاء اختياره لإيمي باريت، القاضية المحافظة لشغل مقعد المحكمة العليا، لتحل محلّ روث غينسبرغ، القاضية الليبرالية النسوية التي توفيت قبل أسابيع، ما أثار جدلاً واسعاً حول مساعيه المستمرة في تعزيز وجود اليمين المسيحي على حساب الليبراليين في المناصب الحساسة.

ترمب "يكفّر" بايدن

في مستهل جولة دونالد ترمب الانتخابية الحالية، وقف الرئيس على المنصة أمام جماهيره في ولاية أوهايو قائلاً "يجب أن لا يفوز بايدن، فهو ضد الرب".

وأضاف "يريد أن يأخذ أسلحتكم، يريد أن يخرق البند الثاني من الدستور، لا دين له، لا شيء، لقد آذى الإنجيل وآذى الرب" وعاد في الخطاب ذاته، مشدداً "إنه ضد الرب وضد السلاح وضد الطاقة التي تعرفونها، إنه ضد كل شيء"، في تجلٍّ كامل للحضور الديني في السباق الرئاسي الأميركي.

هذا الحضور لا يأتي من جانب ترمب وحده، فبايدن الذي وجد نفسه في معركة دينية حاول اللعب بالطريقة ذاتها لكنه لا يجيد قواعدها، بحسب مراقبين، إذ تسيطر القيم الليبرالية التي تحكمها القاعدة الشعبية للحزب على قدرته في المناورة على هذه المساحات، وتشكّل الجماعات غير المتديّنة والمعتدلة وأتباع الأديان الأخرى جزءًا من القاعدة الشعبية له، ليجد نفسه مضطراً للموازنة معها، إذ تصعب مخاطبة المسيحيين المتديّنين بتقديم نفسه كمحافظ في الوقت الذي يتلو حديثاً نبوياً "من رأى منكم مُنكراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"، ومتعهداً بضم قيادات مسلمة إلى إدارته، رغبة منه في دفع المسلمين للمشاركة في التصويت.

الأمر الذي يؤكده ياسر الغسلان المتابع للصراع الانتخابي عن كثب "قواعد الحزبان مختلفة، فبايدن ينطلق مع مرجعية ليبرالية تؤمن بأن الشعب لا الدين هو من يجب أن يحدد قوانينه ومبادئه، فدعم تشريعات الإجهاض وزواج المثليين التي لا تلتقي ومبادئ المتديّنين، بعكس ترمب الذي خدمه موقف حزبه المعتاد".

إلا أنه يستدرك قائلاً "وعلى الرغم من محاولات اليمين الجمهوري تصوير بايدن باعتباره وحزبه يستهدفون الدين والأخلاق، إلا أن الأرقام تقول إن الدعم اليهودي والمسيحي الكاثوليكي، هو أكبر لبايدن، بينما يحافظ ترمب على دعم البروتستانت الإنجيليين".

عقبة أخرى تقف في وجه المرشح الديمقراطي، إذ تملك قواعد الانتخابات الأميركية قانوناً عرفياً غير مكتوب تفضل المرشح المسيحي البروتستانتي على أي ديانة أو طائفة أخرى، الأمر الذي لا ينص عليه الدستور إلا أن العادة جرت على الالتزام به، إلا في حالة استثنائية وحيدة كانت لجون كينيدي، الرئيس الكاثوليكي الأوحد في تاريخ البلاد.

ويأمل بايدن في أن يكون استثناءً هو الآخر بأن يكون كاثوليكياً ثانياً في سدة الرئاسة، كما كان استثناءً قبل ذلك في أنه الكاثوليكي الأول الذي يشغل منصب نائب الرئيس في عهد الرئيس السابق باراك أوباما.

 

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات