Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جاءت بقرار حكومي... ونموها سيوقفه قرار حكومي

السيارة المرسيدس 8 كلاس الكهربائية التي عرضت للإعلام في 16 سبتمبر/ أيلول 2015. (رويترز)

لولا تبني الحكومات المختلفة للسيارات الكهربائية ودعمها المالي والقانوني لها، لما انتشرت الانتشار الذي نراه الآن حيث تجاوز عددها 4 ملايين سيارة حول العالم، جزء كبير منها في الصين.

إلا أن صنّاع القرار، خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا، سيواجهون ثلاث مشاكل كبيرة ستجبرهم مستقبلا على تحجيم نمو السيارات الكهربائية. وقبل ذكر هذه الأمور الثلاثة، لابد من التركيز على خبرين نشرا حديثا لهما علاقة بمقال اليوم ومقال الأسبوع الماضي. 

الخبر الأول: معاناة مشتري السيارات الكهربائية في الصين بسبب رداءة صناعة هذه السيارات الصينية.  ويشير أحد الإحصاءات أن حوالي 70% ممن أجابوا عن الاستبانة قالوا إنهم لن يشتروا سيارة كهربائية مرة أخرى. بشكل عام، المزعج من أمر ما يتجاوب مع هذه الاستبانات أكثر من غيره، لذلك فإنه يتوقع أن يكون هناك نوع من التحيز في هذه الاستبانة، ولكنها تعكس حقيقة مهمة، وهي أن هذه السيارات صناعة صينية وليدة وقد تحتاج إلى زمن طويل إلى تحسين نوعيتها.

الخبر الثاني: أشارت دراسة أميركية إلى أن الاعتقاد الشائع بأن جيل الألفية يختلف عن الأجيال السابقة وأنه لا يرغب في امتلاك سيارة ويحبذ المشاركة في ملكية السيارة غير صحيح، وأن الاختلاف بين جيل الألفية والأجيال التي سبقته بسيط.  هذه النتيجة مهمة لأنها تنقض الوهم الذي ينشره البعض حول مستقبل المواصلات الذي يعتمد على المشاركة، والسيارات ذاتية الحركة، ومستقبل استخدام النفط في قطاع المواصلات.

معضلة السيارات الكهربائية التي تواجه صناع القرار

يواجه صناع القرار، خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا، ثلاث مشاكل من الصعب حلها:

مشكلة بيئية واقتصادية: التخلص من البطاريات

مشكلة سياسية وإستراتيجية: تركز واردات الليثيوم والكوبالت من عدد محدود من الدول

مشكلة مالية: التعويض عن ضرائب البنزين والديزل والمنتجات النفطية

 مشكلة التخلص من البطاريات

بطاريات السيارات الكهربائية كبيرة وثقيلة حيث قد يصل ثقل بعضها إلى 400 كيلو غرام، وهناك علاقة طردية بين حجم البطارية ووزنها والمسافة التي تقطعها السيارة حتى تفرغ البطارية. هذه البطاريات تحتوي على مواد سامة عديدة، والتي يمكن أن يبقى بعضها أبد الدهر.

يوجد حاليا حوالي 270 مليون سيارة مسجلة في الولايات المتحدة.  وبفرض وصول عدد السيارات الكهربائية إلى نصفها كما يتوقع البعض، فإن هذا يعني وجود 135 مليون سيارة كهربائية. وبما أن عمر البطارية محدود وأقل من عمر السيارة نفسها، فإنه يمكن بحسبة بسيطة تصور وجود مليار بطارية قديمة.  كيف سيتم التخلص من هذه البطاريات السامة التي يمكن أن تلوث التريبة والمياه الجوفية؟

الخيار الأول هو إعادة تدويرها. إلا أن تكنولوجيا إعادة تدوير هذه البطاريات غير موجودة حاليا. وإن وجدت، فالسؤال: من الذي سيدفع تكلفة التدوير؟ مشترو السيارة الكهربائية أم المواطنون كلهم عن طريق قيام الحكومة بتبني المشروع؟ حاليا، لا يدفع مشترو السيارة الكهربائية تكلفة التخلص من هذه البطاريات.  وكل المقارنات التي توضح أن أداء وتكاليف السيارات الكهربائية قريبة من سيارات البنزين أو الديزل لا تحسبها في التكاليف ولا في الآثار البيئية.  وإذا ما تم حسابها فإن كفة سيارة البنزين سترجح على كل الحالات.

الخيار الثاني هو التخلص منها كنفايات، وهذا يتطلب مكبات خاصة بمواصفات خاصة لمنع تسرب المواد السامة. من سيدفع تكاليف هذه المكبات؟ لهذا فإنه سيأتي اليوم الذي سيقوم فيه صناع القرار بتحجيم نمو السيارات الكهربائية لتلافي مشكلة بيئية واقتصادية.  وإذا تم تحميل التكاليف على مشتري السيارات الكهربائية فإنها ستصبح مكلفة أكثر مما عليه حاليا.

 مشكلة تركز واردات المعادن المستخدمة في البطاريات في عدد بسيط من الدول.

تستخدم بطاريات السيارات عدة أنواع من المعادن أهمها الليثيوم والكوبالت والنيكل.

أغلب احتياطيات العالم وإنتاجه من الليثيوم موجود في خمس دول هي: تشيلي، والصين، والأرجنتين، وأستراليا، وبوليفيا، وأغلبها في تشيلي.

وأغلب احتياطيات العالم من الكوبالت موجود في خمس دول هي جمهورية الكونغو الديمقراطية، وأستراليا، وكوبا، والفلبين، وكندا، تليهم روسيا، مع نصيب الأسد في الكونغو.

الولايات المتحدة منتج كبير وقديم للنفط، وتستطيع استيراد النفط من أكثر من 40 دولة، ومع ذلك بنت سياسيات اقتصادية وخارجية وأمنية واستراتيجية ونسقت علاقتها الخارجية وشنت حروبا على مدى 50 عاماً لمنع اعتمادها على استيراد النفط من عدد "محدود" من الدول.  فهل ستقبل الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى أن يكون قطاع المواصلات فيها، والذي هو عماد اقتصادها، رهينة بسبب اعتمادها على عدد محدود من مصدري الليثيوم أو الكوبالت؟  ماذا لو أضرب العمّال في تشيلي؟  ماذا لو تكررت الحرب الأهلية في جمهورية الكونغو الديمقراطية؟  الأنكى من ذلك أن عدد الشركات التي تنتج هذه المواد أقل من عدد الدول التي تنتجها وهناك تغلغل صيني روسي للسيطرة على هذه المناجم.  لهذا فإنه سيأتي اليوم الذي سيضطر فيه صناع القرار، بناء على مصالح أمنية واستراتيجية، إلى وقف نمو السيارات الكهربائية.  

 مشكلة التعويض عن الضرائب

عوائد بعض حكومات الدول المستهلكة من الضرائب على المنتجات النفطية أكبر من العوائد النفطية للدول النفطية على البرميل، كما أن الضرائب في بعض الدول أكبر من تكلفة وقود السيارات بكثير حيث تبلغ الضرائب حوالي 60%-70% من السعر. وبلغت كمية الضرائب التي جمعتها الحكومة الفرنسية على الوقود حوالي 19 مليار دولار.  أما في الولايات المتحدة فإن عوائد الحكومة الأميركية وحكومات الولايات كبيرة، وتستخدم هذه العوائد إما لصيانة الطرق والجسور، أو لسد العجز في الموازونات، حيث تجاوز مجموع الضرائب على المنتجات النفطية 70 مليار دولار في العام الماضي. السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: كيف ستعوّض هذه الحكومات عن هذه المبالغ إذا تم استبدال سيارات البنزين والديزل والغاز بسيارات كهربائية؟ الجواب المنطقي هو أن هذه الحكومات ستفرض الضرائب على السيارات الكهربائية.  المشكلة أن مروجي السيارات الكهربائية يأخذون هذه الضرائب في الحسبان عند الحديث عن السيارات الأخرى، ويتجاهلونها عند الحديث عن السيارات الكهربائية. ولكن إذا حسبت هذه الضرائب على السيارات الكهربائية ودخلت في حسابات المقارنة، فإن السيارة الكهربائية لا يمكن أن تنافس السيارة العادية.  وهناك بعض الأدلة حاليا على تخوف صناع القرار من انخفاض إيرادات الضرائب على المنتجات النفطية بسبب انتشار السيارات الكهربائية، كما أن هناك مطالبة بتحديد عددها.

الخلاصة،

المشاكل البيئية والاقتصادية والأمنية والمالية المذكورة أعلاه ستشكّل حجر عثرة في وجه نمو السيارات الكهربائية فوق حد معين.  لهذا فإن التوقعات التي تشير إلى زيادة عدد هذه السيارات بمئات الملايين خلال العشرين سنة المقبلة مبالغ فيها.  المثير في الأمر أنه بفرض زيادة ضخمة في عدد السيارات الكهربائية وانخفاض الطلب على النفط فإن انخفاضا كبيرا في أسعاره سيغيرمن المعادلة بحيث ستصبح السيارات التقليدية أرخص بكثير، وسيوقف هذا نمو السيارات الكهربائية!

المزيد من آراء