Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"جريمة الزرقاء" تفتح ملف الثأر و"البلطجة" في الأردن

ابن الـ16 ربيعاً تعرض لتعذيب قاس وتُرك غارقاً في دمائه

مبنى مديرية الأمن العام في الأردن (صلاح ملكاوي)

تسببت جريمة ثأر وتعذيب مروعة في الأردن بحملة مكثفة وغير مسبوقة ضد الخارجين على القانون وأصحاب السوابق وتجار المخدرات، وللمرة الأولى تلاقى الطرفان الرسمي والشعبي في مواقفهما، بعد ما انطوت، ليلة الثلاثاء الماضي 13 أكتوبر (تشرين الأول)، في المملكة على تداول كثيف لمقطع فيديو صادم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يظهر قيام عدة أشخاص بتعذيب مراهق بقسوة في مدينة الزرقاء، ثاني أكبر المدن الأردنية من حيث عدد السكان.

وعلى وقع مطالبات بتطهير كل البؤر والمدن الأردنية التي تشهد انفلاتاً أمنياً وأعمال بلطجة من قبل خارجين على القانون وفارضي الإتاوات، ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بدعوة السلطات إلى إعدام الجناة أو معاقبتهم بذات الطريقة التي نكلوا فيها بالضحية الذي لم يتجاوز عمره 16 عاماً.

وبدا أن السلطات الأردنية حاولت إرضاء الشارع الأردني واحتواء غضبه، عبر إلقاء القبض على الجناة بسرعة قياسية، وتحويل القضية إلى محكمة أمن الدولة، الأمر الذي سيفضي بالضرورة إلى اتخاذ عقوبات رادعة أقلها السجن المؤبد، بحسب قانونيين.

اهتمام ملكي ورسمي

وإلى جانب الغضب الشعبي المتنامي، حظي الاعتداء البشع باهتمام وغضب ملكي لافت، حيث أمر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بنقل الضحية إلى مستشفى الخدمات الطبية الملكية لعلاجه، وتابع مباشرةً عملية القبض على الجناة. وقال رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة، إن "جريمة الزرقاء هزت وجدان كل أردني لبشاعتها"، مؤكداً أن "التعامل معها سيكون حازماً تحت مظلة سيادة القانون على الجميع".

ووصفت الملكة رانيا العبدالله، ما حدث بـ"الجريمة القبيحة بكل تفاصيلها". وتساءلت عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، "كيف نعيد لك ما انتزعه المجرمون؟ وكيف نلملم أشلاء قلب أمك وذويك؟ كيف نحمي أبناءنا من عنف وقسوة من استضعف الخلق دون رادع ولا وازع؟"، مطالبةً بإنزال أشد العقوبات بمرتكبي الجريمة.

منع التداول والنشر

وقالت مديرية الأمن العام الأردنية إن "الفتى وصل إلى مستشفى الزرقاء الحكومي في حالة سيئة". وأضافت "تبين بعد الاستماع إلى أقواله أن مجموعة من الأشخاص اعترضوا طريقه واصطحبوه إلى منطقة نائية واعتدوا عليه بأدوات حادة، على إثر جريمة قتل سابقة قام بها أحد أقاربه".

ولاحقاً حذر الأمن الأردني المواطنين من تداول المقاطع المروعة، فيما أصدر المدعي العام قراراً بمنع النشر في هذه القضية التي تحولت إلى قضية رأي عام حفاظاً على سير التحقيقات، فيما دشن ناشطون على تويتر وسم "#جريمة_الزرقاء"، الذي بات الأكثر تداولاً في البلاد خلال ساعات قليلة.

غاب الألم وحضرت الصدمة

وروى ضحية الجريمة، الشاب الصغير صالح، ما حدث معه بدموع ومرارة. وقال في لقاء تلفزيوني إنه كان في طريقه لشراء الخبز، ورأى أحد الأشخاص من العصابة وهرب منه، ولاحقاً لجأ إلى حافلة نقل صغيرة تبين أن سائقها فرد من العصابة التي خطفته. وأضاف "تم تهديدي بالطعن إذا قاومت، واعتدى عدة أشخاص علي بأدوات ثقيلة وحادة، قبل نقلي إلى أحد المنازل في منطقة نائية، وهناك تم بتر يدي وفقء كلتا عيني وأنا أصيح، الله أكبر. لم أشعر بألم في البداية من هول الصدمة".

ورغم حالته الصحية ورقوده على سرير الشفاء أصر صالح على الحديث عن تفاصيل القصة بالقول إن "والده تصدى لمجرم من فارضي الإتاوات اعتاد سرقة رزقه، فثأر المجرمون منه". وتابع "المجرم هو من حرمني عيني الخضراوين، كنت خائفاً ومرتعباً، والآن حرمت من دراستي وانقلبت حياتي رأساً على عقب".

أما والدته فقالت وهي تجهش بالبكاء "لو كنت أعلم أن ثمن شراء الخبز سيكون فقدان ابني أعز ما يملك لما طلبت ذلك". وأضافت "ابني طفل بريء لا ذنب له، فقد ذراعيه وإحدى عينيه بشكل نهائي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تغليظ العقوبات

وسجل الأردن العام الماضي وفق مديرية الأمن العام ارتفاعاً بمعدل الجرائم بنسبة 7.6 في المئة وبواقع 26 ألفاً و521 جريمة، وبزيادة قدرها 1867 جريمة عن عام 2018. وهو ما دفع قانونيين ومختصين إلى المطالبة بتغليظ العقوبات بخاصة في جرائم الاعتداء على الآخرين. وقال مستشار الطب الشرعي، الدكتور هاني جهشان إن "المطالبة بتشديد عقوبة الإعدام لمرتكب جريمة الزرقاء أمر متوقع وهو رد انفعالي غير مستغرب، على الرغم من النصوص القانونية التي لا تسمح بالإعدام إلا في جرائم محددة ولا تنفذ أحكامها في الغالب". وأضاف جهشان أن "جريمة الزرقاء ليست الأولى وليست الأبشع في مجتمعنا، والبلطجية وفارضو الإتاوات الذين يعتدون على المجتمع يتكاثرون، وأصبح بعضهم نموذجاً وقدوةً لبعض الشباب وهذا نذير خطر كبير".

وتنص المادة 157 من قانون العقوبات أنه "إذا أقدم شخصان أو أكثر على تأليف جمعية أو عقدا اتفاقاً بقصد ارتكاب الجنايات على الناس أو الأموال يعاقبون بالأشغال المؤقتة ولا تنقص هذه العقوبة عن 7 سنوات إذا كانت غاية المجرمين الاعتداء على حياة الغير"، فيما نص قانون منع الإرهاب، على اعتبار "تشكيل عصابة بقصد سلب المارة والتعدي على الأشخاص أو الأموال أو ارتكاب أي عمل آخر من أعمال اللصوصية في حكم الأعمال الإرهابية المحظورة".

حكم الإعدام وارد

ويرى أستاذ علم الاجتماع، الدكتور حسين الخزاعي إن "الجريمة وحشية وصادمة ولا عقلانية، وتكتمل فيها كل عناصر الجريمة من خطف وتمثيل وبشاعة"، موضحاً أن "الجنايات التي تقع على الإنسان تشكل 4.4 في المئة من مجمل الجرائم في الأردن".

وكشف الخزاعي أن 39 في المئة هي نسبة العودة إلى الجريمة، وأن مكرري الفعل الجرمي تصل نسبتهم إلى 10 في المئة من مجمل المجرمين.

ولا تنفي المحامية لين الخياط فرضية اللجوء إلى حكم الإعدام "إذا توافرت لمحكمة التمييز شروط تشكيل عصابة وتخطيطها للقيام بذات الفعل مع وجود نية أن يكون الفعل أدى لتعذيب شخص أو أفعال بربرية". لكنها في المقابل تقول إنه "لا يوجد نص قانوني يقضي بالمعاملة بالمثل، وهو ما طالب به أردنيون على وسائل التواصل الاجتماعي"، موضحةً أن "الحد الأقصى المتوقع للعقوبة هو الأشغال الشاقة المؤبدة".

زعران وإتاوات

وسلطت "جريمة الزرقاء" الضوء على ظاهرة "الزعران" وممارسي البلطجة وفارضي الإتاوات، وهي ظاهرة تعاني منها مدينة الزرقاء بشكل لافت، وتسببت بانفلات أمني وخروج مناطق بكاملها عن سيطرة السلطات ورجال الأمن.

وتتعدى ظاهرة الإتاوات ممارسة السلب بالإكراه، إلى أشكال أخرى مختلفة من بينها تحصيل الحقوق والأموال وتأمين الحماية خاصة للنوادي الليلية، وسط اتهامات للأجهزة الأمنية بالتراخي.

وفي مشهد يشبه قصة روبن هود من الفلكلور الإنجليزي، الذي كان يسرق من الأغنياء ليطعم الفقراء، تبرز بعض الأسماء في المدينة الفقيرة لفارضي الإتاوات والبلطجية، كفاعلي خير كما يتداول بعض الأردنيون.

في المقابل، لا يتورع كثيرون عن اتهام جهات نافذة في الدولة بأنهم رعاة لهذه الفئة، إذ يرى الصحافي محمود الشرعان وهو من سكان مدينة الزرقاء أن أغلب أصحاب القيود الجرمية في المدينة تربطهم علاقات وطيدة بنواب ورؤساء بلديات.

ويشارك الصحافي غيث عضايلة الرأي ذاته فيقول "علينا أن نعترف أن "الزعرنة" ظاهرة تحظى برعاية متنفذين وسياسيين وتستخدم عند اللزوم لأغراض تعرفها الحكومات جيداً".

وتحولت هذه القضية قبل سنوات إلى حديث الأردنيين، بعد ما قررت الأجهزة الأمنية القضاء على أحد أشهر المتهمين بممارسة البلطجة في الأردن. وزجت السلطات حينها بقوات أمنية كبيرة في مشهد بوليسي سينمائي، داخل أحد أحياء العاصمة عمان لمواجهة حالة الانفلات والخروج على القانون والاستقواء على الدولة التي مثلها المتهم ومن خلفه مئات من مناصريه.

المزيد من العالم العربي