Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

محطات وآفاق الحوار الإستراتيجي بين السعودية والولايات المتحدة

العلاقات بين البلدين ظلت دائما تكتيكية ومرنة قائمة على تبادل المصالح

العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية قائمة على تفهم عميق لحاجة كل طرف إلى الآخر (غيتي)

انطلاق الحوار الإستراتيجي بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في واشنطن يحمل معاني كثيرة، فهو ليس فقط التزاماً مشتركاً بتعزيز الأمن الإقليمي والازدهار والتنمية الاقتصادية، بحسب وصف وزارة الخارجية الأميركية، وإنما يعني أيضاً إرساء دعائم تعاون راسخ بين شريكين إستراتيجيين تأسست علاقتهما قبل أكثر من 75 سنة على أساس المنفعة المشتركة وتبادل المصالح على كل المستويات، بصرف النظر عن طبيعة اللحظة السياسية في العاصمة الأميركية وشكل الإدارة التي ستحكم الولايات المتحدة في السنوات الأربع المقبلة.

وبينما يشير مراقبون إلى أن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو سيبحث مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود عدداً من القضايا الحيوية خلال الحوار الإستراتيجي الأميركي- السعودي مثل قضايا أمن الخليج، والتعاون الإقليمي، ومواجهة الدور الإيراني في المنطقة، والسلام في الشرق الأوسط، والتطورات في الملف اليمني والعلاقات الدولية الأخرى، فمن المؤكد أن هناك حاجة إلى مناقشات مفتوحة وصريحة بين الشريكين لضمان مصالحهما طويلة الأمد، ولتوضيح طبيعة السياسات الإقليمية الجارية بما يحقق مصالح الطرفين.

علاقة تكتيكية مرنة

وتصف كارين يونغ الباحثة في معهد "أميركان إنتربرايز"، العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية بأنها قائمة على الاحتياجات والمصالح المتبادلة وعلى تفهم عميق لحاجة كل طرف إلى الآخر، واتسمت العلاقة بأنها إستراتيجية وتكتيكية ومرنة أيضاً بشكل متواصل.

وبينما رجحت وسائل إعلام أميركية أن يطرح بومبيو مجدداً علاقة السعودية مع إسرائيل، بعد ما قال الرئيس دونالد ترمب إنه "يتوقع أن تحذو الرياض حذو الإمارات والبحرين"، إلا أنها ذكرت أيضاً بما أعلنه وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان قبل أيام بأن الموقف السعودي ثابت، وأن أي خطوة في هذا الاتجاه يجب أن تسبقها تسوية سياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

ويشير باحثون أميركيون إلى أن الموقف السعودي تطور مع تغير الواقع ومرور الوقت، حيث قدمت المملكة مبادرة في عام 2002  وعدت بالسلام مع إسرائيل إذا انسحبت إلى حدود عام 1967، بينما لا تزال الولايات المتحدة ترغب في تحرك أكبر بشأن هذه المسألة.

ولا يتعارض ذلك مع الإشارات الإيجابية التي قدمتها الحكومة السعودية حين أعلنت في سبتمبر (أيلول) الماضي، أنها ستسمح للرحلات الجوية من كل البلدان باستخدام مجالها الجوي عند السفر من وإلى الإمارات بعد أن منعت السعودية منذ فترة طويلة الرحلات الجوية الإسرائيلية من عبور مجالها الجوي.

ملف اليمن

وفيما نقلت صحف أميركية عن مسؤولين قولهم، إن الملف اليمني سيناقش بشكل أساسي في الحوار الإستراتيجي بين البلدين، وبخاصة بعد جهود بذلت لخفض التصعيد منذ أسبوعين، أوضح السفير الأميركي السابق في اليمن جيرالد فييرشتين التعاون الوثيق ولفترات زمنية طويلة بين البلدين في الملف اليمني، مشيراً إلى أن واشنطن كانت تميل إلى رؤية مصالحها في اليمن إلى حد كبير من خلال التصورات السعودية، معتبراً ذلك أمراً إيجابياً، مذكراً بما حدث في الثمانينيات حينما عملت أميركا والسعودية معاً لدعم حكومة شمال اليمن أي الجمهورية العربية اليمنية في ذلك الوقت، وأنشأت برنامجاً ثلاثياً للمساعدة العسكرية، قدمت من خلاله واشنطن الدعم العسكري لجيش اليمن الشمالي بمساعدات مالية وتنسيق من الحكومة السعودية، وذلك بسبب المخاوف من تهديد الاستقرار والأمن السعودي من قبل جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في جنوب اليمن آنذاك.

ومن جوانب العمل الوثيق بين الدبلوماسية السعودية والأميركية بشأن التطورات في اليمن، يوضح الدبلوماسي الأميركي السابق أن البلدين عملا كجزء من تحالف دولي أكبر شمل جميع الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ودول مجلس التعاون الخليجي وعدد من الحكومات الأوروبية، للتوصل إلى وثيقة انتقال سياسي في اليمن، حملت في النهاية اسم اتفاقية دول مجلس التعاون الخليجي، والتي شاركت الولايات المتحدة فيها المملكة العربية السعودية العمل على تنفيذها، من وقت توقيعها في عام 2011 إلى حين تعطيلها من قبل الحوثيين في عام 2014.

تعاون وثيق

وظل الأميركيون على اتصال وثيق مع السعوديين لتبادل الآراء والأهداف، ولاحظوا بعض القضايا المثيرة للقلق داخل اليمن، بدءاً من الاختلال الوظيفي في الحكومة الانتقالية، وجهود علي عبد الله صالح لتقويض المرحلة الانتقالية، وعدد من الاضطرابات التي كان يظهرها الحوثيون في الشمال. وحافظت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية طوال هذه الفترة على حوار وثيق وإيجابي للغاية.

وحين وصل الأمر إلى ذروته في أواخر عام 2014 وأوائل عام 2015 مع استمرار تدهور الوضع في اليمن، كانت الخطوات السعودية في اليمن، حسبما يقول المسؤول الأميركي السابق فييرشتين انعكاساً لتغيير أكبر في طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية وطبيعة علاقة الولايات المتحدة على نطاق أوسع مع حلفائها في الخليج وتطور التصور بأن الاهتمام الأميركي بالمنطقة كان يتلاشى بسبب المفاوضات حول الاتفاق النووي الإيراني، وهكذا أدركت السعودية أنها بحاجة إلى حماية مصالحها لتأمين الوضع واستقرار حكومة هادي، وربما نقلها إلى عدن بسبب احتلال الحوثيين صنعاء.

مواجهة إيران

وبسبب الدعم الإيراني المتواصل للحوثيين في اليمن وإصرار طهران على الاستمرار في إثارة عدم الاستقرار الإقليمي في العراق وسوريا ولبنان والخليج، شددت الإدارة الأميركية من عقوباتها ضد طهران، وهو ما سيكون أحد أركان الحوار الإستراتيجي مع وزير الخارجية السعودي والوفد المرافق له استناداً إلى أهمية الدور المحوري الذي تلعبه السعودية في هذا الشأن.

ويشير لوك كوفي مدير "مركز دوغلاس وسارة أليسون للسياسة الخارجية" في العاصمة الأميركية واشنطن إلى أن إدارة الرئيس ترمب بذلت جهوداً ناجحة لتحسين العلاقات الأميركية مع السعودية ودول الخليج بعد ما تضررت العلاقات الثنائية الأميركية في المنطقة نتيجة الاتفاق المشؤوم مع إيران. وكشفت إدارة ترمب أنها ستضع حلفاءها وشركاءها في المرتبة الأولى بدلاً من محاولة استرضاء الخصوم مثل إيران، وهو نهج مختلف تماماً عن النهج الذي اتبعته إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، ولهذا كانت أول رحلة خارجية للرئيس دونالد ترمب إلى السعودية.

وأوضح كوفي في ورقة بحثية نشرتها "مؤسسة هيرتاج" تحت عنوان "إدارة نظام التحالف الأميركي" أن إدارة الرئيس ترمب أصلحت العلاقات الثنائية المتضررة مع حلفاء الشرق الأوسط الرئيسيين مثل السعودية ومصر وإسرائيل وعملت على زيادة الدعم للتحالف الذي تقوده الرياض لمساندة الحكومة اليمنية ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، كما أعادت المساعدات العسكرية الأميركية ومبيعات الأسلحة لمصر.

إدارة ترمب

وفي حين زار جميع رؤساء الولايات المتحدة منذ السبعينيات المملكة العربية السعودية خلال فترة ولايتهم، اتخذت العلاقة بين البلدين تعاوناً أعمق وأوسع مع إدارة الرئيس ترمب، الذي يحرص على التواصل الدائم والتنسيق المستمر مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتحقيق المصالح المتبادلة بين البلدين في ظل التوترات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات القليلة الماضية، بخاصة ما يتعلق بالملف الإيراني وتدخلات طهران في العراق وسوريا واليمن.

وفي الوقت ذاته عزز وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو دور وزارته في توجيه دفة العلاقة بين البلدين عبر زيارات متكررة إلى الرياض منذ توليه منصبه في أبريل (نيسان) 2018.

علاقات تاريخية

ومثلما تمر العلاقات الأميركية - السعودية في أقوى مراحلها الآن، كانت البدايات أيضاً قوية، حيث دشنت العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين واشنطن والرياض في عام 1940، بما في ذلك تبادل أوراق الاعتماد وتعيين أول سفير أميركي في جدة، وفي فبراير (شباط) الماضي، احتفلت الدولتان بمرور 75 سنةً على بدء علاقاتهما الثنائية بشكل جدي بعد اجتماع الرئيس فرانكلين دي. روزفلت والملك عبد العزيز آل سعود.

وأدى الاجتماع الأول للرئيس روزفلت مع الملك عبد العزيز في 14 فبراير 1945، على متن السفينة العسكرية الأميركية "يو إس إس كوينسي" قرب مدينة السويس قبل أسابيع قليلة من وفاة روزفلت، إلى بدء أطول علاقة رسمية بين الولايات المتحدة ودولة عربية.

شراكة ممتدة

وبعد خمسة وسبعين سنةً، تواصل واشنطن والرياض التعاون في القضايا الإقليمية والاقتصادية والدفاعية والأمنية وسط موجات عالمية متغيرة من الصراعات الدولية والإقليمية والتحولات العالمية الأوسع التي تشمل روسيا والصين.

وعلى الرغم من أن العلاقة بين البلدين بدأت عملياً في المجال الاقتصادي قبل تسع سنوات من هذا اللقاء، حين أقامت شركة تكساس أويل (تكساكو) شراكة في السعودية لتأسيس شركة أرامكو، فإن الاجتماع رسم في حقيقة الأمر مساراً لعلاقة ممتدة من التعاون بين المملكة والغرب بقيادة الولايات المتحدة، التي خرجت منتصرة من الحرب العالمية الثانية وأسست نظاماً عالمياً جديداً استهدف إرساء السلام وتحقيق التنمية بعد ويلات حرب مدمرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


روابط دفاعية وتجارية وثقافية

على الصعيد الدفاعي، نمت العلاقة بشكل وثيق بين الجانبين، وعززت السعودية قوتها العسكرية باستمرار من خلال التعاون مع الولايات المتحدة كشريك إستراتيجي، اشترت منها أحدث الأسلحة المتطورة التي بلغ إجمالي قيمتها 90 مليار دولار على مدى 75 سنة، بحسب وزارة الدفاع الأميركية.

في المقابل، زادت الولايات المتحدة من وجودها العسكري في منطقة الخليج خلال العامين الماضيين، عقب الهجمات الإيرانية على ناقلات النفط والهجوم بصواريخ كروز على منشآت أرامكو. وأصدر الرئيس ترمب أوامره بنشر 3000 جندي أميركي في المملكة العربية السعودية، ليتمركزوا في قاعدة الأمير سلطان الجوية التي أعيد افتتاحها بعد أكثر من عقد ونصف من مغادرة القوات الأميركية لها.

ويشترك البلدان الآن بروابط عسكرية وثقافية وثيقة، حيث يدرس نحو 55000 طالب سعودي في الكليات والجامعات الأميركية منذ قبل بدء جائحة كورونا حول العالم، كما أن الولايات المتحدة هي ثاني أكبر شريك تجاري للسعودية، التي حققت فائضاً تجارياً مع واشنطن بلغ 3 مليارات دولار، حيث صدرت الرياض نفطاً ومنتجات أخرى بقيمة 25.6 مليار دولار في عام 2018 إلى الولايات المتحدة، بينما بلغ إجمالي الصادرات الأميركية إلى إسرائيل 22.7 مليار دولار عام 2018.

اختبارات إستراتيجية

وشهد التعاون اختبارات إستراتيجية كبرى، في محطات مختلفة خلال الحرب الباردة والغزو العراقي للكويت، حيث تضافرت جهود السعودية والولايات المتحدة لتحقيق مكاسب إستراتيجية أفادت الطرفين وساعدت على تحقيق الاستقرار في المنطقة على امتداد العقود الماضية. لكن العلاقات شهدت أيضاً بعض المنعطفات مثل أي علاقة بين حليفين، وظهر ذلك قبل وخلال الغزو الأميركي للعراق، كما تجسد أيضاً بسبب علاقات السعودية الوثيقة مع الصين.

ويقول جيرالد فييرشتين، نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق، إن العلاقات الأميركية - السعودية شهدت صعوداً وهبوطاً على مر السنين، شأنها في ذلك شأن أي علاقة تربط الولايات المتحدة مع أي بلد آخر في العالم، إلا أنه كانت هناك أسباب قوية للعمل بشكل وثيق للغاية مع السعوديين، حيث كانت الرياض شريكاً مهماً في المساعدة على تنفيذ هدف السياسة الأميركية في طرد الاتحاد السوفياتي السابق من أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي. كما ساعد السعوديون من خلال وكالات استخباراتهم، برئاسة الأمير تركي الفيصل، في العمل عن كثب مع الاستخبارات الأميركية لتحقيق هدف مهم للأمن القومي للولايات المتحدة.

ويضيف فييرشتين، وهو أيضاً مدير برنامج شؤون الخليج في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، أن "التعاون الأميركي مع السعودية حول إيران بدأ واستمر منذ عام 1979، حيث نتشارك معهم  إلى حد كبير ذات الأهداف من حيث السلوك الإيراني في المنطقة، والتهديدات الإيرانية للأمن والاستقرار الإقليميين على الرغم من بعض التباين في وجهات النظر آنذاك بشأن اتفاقية كامب ديفيد والصراع الإسرائيلي- الفلسطيني".

المزيد من تقارير