Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل أخطأ العالم في مواجهة كورونا عن طريق "الإغلاق"؟

استمر الفيروس في تسجيل أرقام قياسية على الرغم من الإجراءات الاحترازية التي تم تطبيقها

أحد شوارع نيويورك الرئيسية في فترة الإغلاق الذي فرضته المدينة بداية العام الجاري (غيتي)

في الأيام الأولى لتفشي فيروس كورونا حول العالم، قال تيدروس غيبريسوس المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، "لا ينبغي الاستهانة بالمرض، ليس ثمة دولة واحدة بعيدة عنه، فهذا الفيروس لا يحترم الحدود ولا يفرق بين الأجناس والأعراق، ولا يهمه حجم الناتج المحلي الإجمالي في الدولة ولا مستوى التنمية".

لكن على ما يبدو أنه لم يخطر في بال غيبريسوس أن الوباء الذي لا يحترم الحدود، لا يبدو أنه على استعداد لاحترام الأبواب المغلقة، إذ يستمر في تسجيل أرقامه القياسية في أعداد الوفيات والإصابات حول العالم، حتى في ظل إجراءات الإغلاق، ما يطرح سؤالاً مهماً حول جدوى الاستمرار في تطبيق سياسات الإغلاق العام، ومدى تحقيقها للأهداف المرجوة منها في محاصرة الجائحة والحد من انتشارها.

معركة الأولويات 

يقوم الخلاف حول استمرار سياسات الإغلاق على نقطة الموازنة بين الصحة العامة والاقتصاد، إذ تتكبد الدول والقطاع الخاص فاتورة ضخمة بسبب الإجراءات الاحترازية، ما يجعل الاستمرار فيها أمراً لا يحتمل التجارب ويتطلب دراسة جدوى أعمق.

فقد ظهرت النتائج السلبية لهذه السياسة في حجم الركود الذي ضرب اقتصادات العالم، وحزم التحفيز التي اضطرت الحكومات لضخها بعد إفلاس كثير من القطاعات الاقتصادية، واضطرارها لتسريح ملايين الموظفين في حجم خسارة عدد غير مسبوق للوظائف.

وكان أبرز تجليات هذه الأزمة، المعركة التي خاضها رجل الأعمال الأميركي إيلون ماسك، ضد حكومة ولاية كاليفورنيا بالنيابة عن القطاع الخاص الأميركي، عندما أعلن عزمه إعادة فتح منشآته الخاصة بصناعة السيارات "تسلا"، على الرغم من أوامر الإغلاق التي أصدرتها الولاية، التي اختارت الطريقة السائدة في العالم للمواجهة، وهدد المستثمر غريب الأطوار بنقل مقر شركته إلى ولاية أخرى، في حال لم يسمح له استئناف نشاطه من جديد، في تجسيد لموقف رأس المال من فكرة الإغلاق، وإن لم يعبر آخرون غير ماسك عن موقفهم بالصراحة ذاتها، التي لا يمكن لغيره التعبير بها كما جرت العادة.

ليعيدنا هذا إلى محور الأولويات الصعب بين قتل الأرواح أو قتل الاقتصاد، وهو ما يجيبنا عنه المحلل الاقتصادي، خالد الدوسري، "لا شك أن الحفاظ على الأرواح هو أمر ذو أولوية على أي أمر آخر، ولا يمكن لأحد أن يطالب بحماية الوظائف والمبيعات والقطاعات الاقتصادية على حساب حماية أرواح الناس، وهذا موقف أخلاقي ثابت ومن غير المقبول أن يزايد أحد علينا في هذا"، لكنه يستدرك قائلاً "لكن تحفظ رجال الأعمال، ليس على حظر التجول وإغلاق الحياة العامة، التحفظ هو أن هذا أثبت عدم جدواه بعد نهاية الموجة الأولى للتفشي، وعودة الدول كما يحصل في عمان والأردن عربياً، ودول أخرى كباكستان وفرنسا، لفرض قيود على القطاع الخاص لمواجهة الموجة الثانية غير مفهوم".

وحول مقاربة حماية الأرواح أو حماية الاقتصاد يقول الدوسري، "الخيار المطروح الآن ليس بين إصابة الناس أو إصابة الاقتصاد، الخيار المطروح هو بين إصابة الناس أو إصابة الناس والاقتصاد معاً"، إذ يبدو أن الإغلاق من عدمه لا يؤثر إلا على الاقتصاد، بحسب الدوسري.

الإغلاق هو "الفيروس الصيني"؟

على الرغم من أن الإغلاق لمواجهة انتشار الأوبئة هي ممارسة قديمة ولو كانت أقل حدةً مما هي عليه الآن، إلا أن العالم وكما يبدو انجرف وراء التجربة الصينية التي سبقت نظرائها بشهرين كاملين، من الإصابة إلى التفشي ثم إلى "السيطرة على الوباء"، بحسب زعم السلطات الصينية.

وعلى الرغم من التشكيك الدولي في دقة الأرقام الآتية من بكين ووهان، وبقية مناطق الصين التي ضربها الوباء، ومدى صحة سيطرتها عليه، إلا أن العالم استنسخ التجربة الصينية في التعامل مع التفشي من طريق فرض قيود وتعطيل الحياة العامة، على الرغم من خصوصية الصين عن كثير من دول العالم، إذ تملك بكين سجلاً سيئاً في احترام الحريات، وهو ما يجعل القدرة على استنساخ طرق المراقبة والتتبع وفرض الحظر المطبقة في الدولة الآسيوية أمراً صعباً في دول أكثر ليبرالية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن النتيجة حول جدوى التجربة أتت من مسؤولين رسميين في دول خاضت العملية، وإن كانت متأخرة، فقد صرح كبير المستشارين الاقتصاديين للبيت الأبيض لاري كودلو، بأن إعادة فرض قيود الإغلاق والعزل في الولايات المتحدة ستكون خطأ فادحاً، في معرض حديثه عن توقعات المتخصصين عودة موجة ثانية من الوباء إلى أميركا.

وأضاف في حديثه لقناة "سي إن بي سي" أن خطوة كهذه "ستؤدي إلى تداعيات سلبية على الاقتصاد، مشيراً إلى أن ولايات أميركية تفرض مزيداً من إجراءات مكافحة فيروس كورونا، لكن لا توجد أدلة على انعكاس إيجابي لذلك".

النتيجة سيئة لكن البديل أسوأ

وإن كان البعض يرى أن الإجراءات التي حدّت من تنقل الناس وحاصرت الحياة العامة لم تنجح في السيطرة على انتشار الفيروس بشكل كاف، إلا أن هناك رأياً آخر مثّله معهد السياسة العالمية في جامعة كاليفورنيا ببيركلي، الذي لم يقاوم فكرة أن الإغلاق لم يوقف التفشي، لكنه أوقف تفش أكبر كان من الممكن أن يصيب مئات الملايين من البشر لولا الإجراءات الوقائية التي اتخذت.

إذ وبعد فحص قرابة 1700 إجراء وقائي من فيروس كورونا، طبقت في أميركا والصين وكوريا الجنوبية وإيطاليا وفرنسا وإيران، شملت قيود السفر وإغلاق المرافق العامة والمؤسسات الدينية والاقتصادية، توصلوا لنتيجة مفادها أن الإصابات في الولايات المتحدة كان من الممكن أن تناهز 70 مليون قبل يونيو (حزيران)، في حين لم تتجاوز الإصابات 7 ملايين حتى أكتوبر (تشرين الأول).

في وقت أنقذت الإجراءات الصارمة في الصين التي سجلت حتى الآن 91 ألف إصابة بحسب الأرقام الرسمية، قرابة 285 مليون شخص من الانضمام إلى قائمة المصابين.

وبحسب الدراسة فقد أنقذت الإجراءات نحو 54 مليون شخص في إيران، و49 مليون في إيطاليا، و45 مليون حالة في فرنسا، و38 مليون في كوريا الجنوبية من الوقوع في فخ الإصابة أيضاً.

الأمر الذي يؤكده همام عقيل الباحث والمختص في المناعة والعدوى، الذي يرى أن النتيجة كانت لتكون أسوأ لولا الإغلاق، "الأرقام بعد الإغلاق ظلت في تزايد، صحيح، لكن الإغلاق والتباعد الاجتماعي هو ما جعل أرقام الوفيات منخفضة مقارنة بدول أخرى لم تطبقه"، ويضيف "انظر إلى الدول التي لم تطبق الإجراءات هي التي تسجل أعلى الأرقام مقارنة مع دول طبقتها"، ويشدد مدافعاً عن سياسة الإغلاق "والدول التي فشلت في السيطرة على التفشي رغم سياسة الإغلاق هي دول رفضت فكرة الإغلاق في البداية، ثم قبلت به متأخرة، الفشل بسبب التأخر لا بسبب تطبيقه".

ويرى عقيل أن القول بنجاح العالم في التعايش مع الأزمة بعد رفع الحظر هي خدعة، "لم يتغير شيء بين فترة الحظر والآن، لا من ناحية الشفاء ولا الوفاة، كل ما اختلف هو قلة عدد الذين تجرى لهم الفحوصات، التي تجعل الكشف عن العينات الإيجابية أعلى، فصارت الحالات التي لا تظهر عليها أعراض تذكر غير موثقة، ولا تحظى بمتابعة عكس بداية التفشي"، مطالباً بالاستمرار بالطريقة السابقة نفسها في التعامل لحين إيجاد لقاح.

ويستمر الصراع واختلاف الأولويات بين رجال الأعمال والممارسين الصحيين في تقييم جدوى الإجراءات، ومدى فائدتها للمصلحة العامة، لكن الأمر المتفق عليه بين الطرفين بأن لا نهاية لهذه الأزمة إلا بإيجاد اللقاح الذي تعد بظهوره مراكز الأبحاث والحكومات خلال العام المقبل.

المزيد من تحلیل