Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رحلة مع صياد فلسطيني... الاحتلال منعنا من الوصول إلى الأسماك

بحسب اتفاقية أوسلو فإنّ على البحرية الإسرائيلية السماح بالإبحار حتى 20 ميلاً

عقارب الساعة تُشير إلى الرابعة مساءً، إنّه الوقت المحدّد ليجهّز خالد نفسه مستعداً للنزول إلى ميناء قطاع غزّة، حيث ترسو القوارب الصغيرة، وتنطلق إلى عرض البحر، في رحلة صيد، أشبه ما تكون بالصراع بين الصياد الفلسطيني والبحرية الإسرائيلية.

خالد بحّار فلسطيني يعمل في المهنة منذ 20 عاماً، انقطع عنها 5 سنوات، بسبب اعتقاله من قبل قوات البحرية الإسرائيلية، أثناء إبحاره في عرض الأبيض المتوسط، يعيل من صيد السمك أسرته المكوّنه من 8 أفراد، منهم 3 طلاب جامعيين.

يلتقي خالد و"حنين" يوميّاً، في الموعد نفسه، يغازلها... يسامرها، حبّه لها يفوق حدود العشق، فهي مصدر رزقه الوحيد.

"حنين" هو ذاك الاسم الذي أطلقه خالد على سفينته الصغيرة، التي رافقته منذ 15 عاماً، ومذاك يتعامل معها باعتبارها جزءاً من حياته "الاهتمام بالمركب يجعلك تنسى همومك، وتصبر على بحرية الاحتلال التي تطاردك في عرض المياه"، يقول وهو يتفقد كمية السولار في خزان السفينة.

أزمة سولار

همّ خالد لشراء لتر أو أكثر من السولار، لكنّه تذكر حديث مذيع نشرة الأخبار "الاحتلال يمنع دخول الوقود الخاص بمراكب الصيادين". نظر إلى كمية السولار التي احتفظ بها، وسكبها في خزان وقود بمركبه لعلّها تكفي لرحلته هذه الليلة.

مسرعاً بدأ يتنقل، بين ظهر مركبه، وغرفته الصغيرة في ميناء غزّة، التي شيّدها لحفظ معداته فيها، وحمايتها من العوامل الجويّة، جلب شباك الصيد "الغزِل الموجود في غزّة سيىء، لا يصلح لصيد السمك".

والغزِل هو الاسم الذي يطلقه صيادو غزّة على شباك صيد الأسماك، وسبب تلك التسميته هو أنّ الصياد يتغزل بالسمك فيه، ولأنّ البحّار الفلسطيني يغزل الأشعار عندما يقوم باستخدامه. وهو غير متوفر في القطاع، يتمّ استيراده من إسرائيل أو مصر، ويبلغ سعر المتر الواحد نحو 3 دولارات، في حين يحتاج الصياد إلى نحو 15 متراً في رحلة الصيد.

نزلت الشمس أكثر في كبد البحر، وبدأ وقت الشروق، الذي يتخذه خالد موعداً للإبحار في مياه المتوسط، حيث يعتقد أنّ السمك في الفترة المسائية يكون قريباً من سطح المياه.

جندي إسرائيلي

شرعت المراكب في الإبحار، فسارت 4 أميال، وبدأ خالد إعداد شباك الصيد استعداداً للمعركة مع السمك، على حدّ وصفه.

وما إن رمى الشباك في المياه، حتى سمع صوتاً يناديه بمكبر الصوت "ممنوع توصل هان، ممنوع تصيد، ارجع". إنّه جندي البحرية الإسرائيلية الذي يعتلي زورقاً حربياً ويتجول فيه على طول ساحل غزّة.

عند مسافة 6 أميال في عرض المتوسط، يجد الصياد ترسانة الاحتلال العسكرية تنتظره. عدد من الزوارق الحربية، يعتليها جنود مدجّجون بالسلاح، وأحدث المعدات لمواجهة الصياد الفلسطيني، الذي يدير مركبه الصغير الذي لا يتجاوز سعره الـ 10 آلاف دولار.

من المفترض، وفق ما أعلنت البحرية الإسرائيلية قبل أيّام، أن يتمّ توسيع مساحة الصيد حتى 6 أميال، وذلك بناءً على التفاهمات الأخيرة بين الاحتلال وحركة حماس برعاية مصرية، لكن في الواقع لن يسمح للصياد بتجاوز 4 أميال.

ووفق اتفاقية أوسلو، يسمح للصياد الفلسطيني الوصول إلى 20 ميلاً، ولكن بحرية الاحتلال لم تلتزم ذلك، وفي أحسن الأحوال لم تسمح للصياد بالإبحار حتى 9 أميال، مع التضييق عليه.

هذه المساحة 4 أميال لا يمكن الصيد فيها، وفق خالد، ولا توجد فيها إلا أنواع محدّدة صغيرة من الأسماك، "كيف سأعوض سعر السولار الذي أحرقته الليلة؟ وكيف سأقوم بصيانة مركبي؟ ومن أين سأشتري مستلزمات أطفالي؟" يسأل خالد، الذي دوّر محرك مركبه بناءً على تعليمات الجندي.

مطاردة ومصادرة

يقول خالد عن المواجهة مع زورق الاحتلال: "يلحق بنا الجنود لمسافات طويلة، ومراكبنا غير سريعة لتتمكن من الفرار. وعادةً نمضي ساعات طويلة بين عملية كرّ وفرّ مع الجنود، حتى تنتهي الليلة ونعود بخفّي حنين إلى الشواطىء".

لا تقتصر مواجهة الصياد على ذلك، بل تتعداه إلى إطلاق النار على المراكب التي تحتاج إلى عملية اصلاح، مادة الفيبر جلاس، التي يمنع الاحتلال دخولها تحت ذريعة الاستخدام المزدوج.

رصدّت نقابة الصيادين عام 2018 نحو 90 عملية إطلاق نار تجاه الصيادين في عرض البحر المتوسط، وهو ما يعد مخالفاً القانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف الرابعة التي تنصّ على حماية الإنسان في البحر، وقع عليها الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي.

وبعد عودة خالد للمساحة التي حدّدها له الجنود، بدأ يسمع صوت إطلاق نار في اتجاهه. يواصل الحديث "معنى هذا الرصاص أنّه عملية تفتيش عارٍ داخل المياه، وعليّنا الآن خلع ملابسنا والنزول إلى البحر، حتى يتوقف إطلاق النار"، سجّلت نقابة الصيادين نحو 150 حالة تفتيش عارٍ في المياه تعرض لها الصيادون عام 2018.

يستذكر خالد 5 سنوات في السجن قضاها في زنازين الاحتلال: "ذات ليلة وأنا في عرض البحر على متن قارب، غير الذي نبحر فيه الآن، حاصرتني قوّة بحرية، وأطلقت النار على قاربي، اقتادني الجنود إلى ميناء أسدود الإسرائيلي، وهناك تمّ تعذيبي نفسياً، قبل نقلي إلى السجن".

ووفق متابعة مركز الميزان لحقوق الإنسان، فإن بحرية الاحتلال أطلقت النار في اتجاه الصيادين نحو 322 مرّة، قتلت خلالها صياداً، وأصابت 15، ووثّق المركز 41 عملية اعتقال، ومصادرة 13 مركباً.

ترك المهنة

انتهت ليلة صراع الأبيض المتوسط، بحسب تعبير خالد، وعاد مع ضوء النهار إلى شواطىء غزّة، لكن القصة لم تنتهِ، لتبدأ قصة معاناة أخرى عندما تفقّد صندوقه الذي يضع فيه الأسماك، فلم يجد سوى 12 كيلوغراماً فقط، تمكن من صيدها خلال 12 ساعة إبحار.

افتراضاً أنّ سعر كيلو السمك في أحسن الأحوال 6 دولارات، فإنّ ليلته المجنونة تلك تقدر بنحو 72 دولاراً. "الحمد لله إننا رجعنا بسلام"، يخاطب خالد مركبه مودعاً، وكأنه اللقاء الأخير، عازماً على ترك مهنة الصيد.

ليس خالد وحده يفكّر في ترك مهنته، في العام 2006 كان عدد الصيادين يفوق الـ4 آلاف، ولم يتجاوز الألف في العام 2017.

المزيد من تحقيقات ومطولات