يفقد المصرفيون المحليون في هونغ كونغ مكانتهم بسرعة، كصانعي الصفقات في المدينة، ليحل بدلاً منهم المنافسون الصينيون الذين يشغلون الآن غالبية الوظائف العليا في أكبر مركز مالي في آسيا. التحول بدا منذ فترة طويلة أمراً لا مفر منه، نظراً إلى توسع مجموعة المواهب في البر الرئيس والدور المهيمن لمصدري الإصدارات الصينيين في هونغ كونغ، ما هزَّ الصناعة المالية، بحسب بعض المحللين في هذه الصناعة، والذين يقولون إن السبب يعود جزئياً إلى إحجام شركات الأوراق المالية الصينية عن توظيف سكان هونغ كونغ بعد الاحتجاجات المناهضة للحكومة الصينية التي شهدتها المستعمرة البريطانية القديمة في عام 2019.
وبحسب شركة التوظيف "روبرت والترز"، تراجعت حصة السكان المحليين من وظائف الخدمات المصرفية الاستثمارية في المدينة إلى نحو 30 في المئة من 40 في المئة قبل عامين؛ إذ يشغل الآن سكان البر الرئيس نحو 60 في المئة من الوظائف، و10 في المائة من قبل الرعايا الأجانب، في حين أن الاتجاه كان مشابهاً في الوظائف العليا في الصناعة المالية؛ إذ يمثل سكان البر الرئيس أكثر من نصف المناصب العليا، وفقاً لتقديرات شركة البحث التنفيذي "ويليسلي".
مستقبل اقتصادي غامض
وتشير الأرقام، بحسب "ساوث تشاينا مورننغ بوست"، إلى المستقبل الاقتصادي الغامض الذي يواجهه حتى الميسورون في هونغ كونغ، الذين ازدهر كثيرون منهم لعقود من خلال العمل كوسطاء ماليين بين الصين الصاعدة وبقية أجزاء العالم. وعلى الرغم من تمتع البعض في هذه الصناعة باستقرار نسبي، في قطاعات مثل التجارة التي تعتمد بشكل أقل على علاقات العملاء، فإن هذه الوظائف قد تتعرض للتهديد، إذ تسهل الصين على الشركات العالمية تجاوز هونغ كونغ والوصول إلى الأسواق الداخلية مباشرةً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال جون مولالي، المدير الإقليمي في "روبرت والترز" في هونغ كونغ إنه "مع هذه النسبة الهائلة من الصفقات الصادرة من البر الرئيس للصين، بات مفهوماً أن العديد من هذه العلاقات مملوكة لمصرفيين صينيين"، مشيراً إلى أن سكان البر الرئيس كانوا يشكلون 15 في المئة فقط من الصناعة منذ 20 عاماً، قبل أن يساعد الوصول الواسع النطاق إلى برامج الدراسة في الخارج وغيرها من الخبرات الدولية، الصين على تضييق فجوة المهارات مع هونغ كونغ.
من جانبه، قال تسي، العضو المنتدب السابق لبنوك الاستثمار الأميركية والأوروبية الكبيرة الذي يعمل في شركة سمسرة متوسطة الحجم في البر الرئيس الصيني، إنه واجه صعوبة في كسر "الدائرة الداخلية" في شركته الجديدة، وراتبه الآن هو نفسه تقريباً كما كان منذ أكثر من عقد من الزمان، في حين أن عدد الموظفين في البر الرئيس يفوق عددهم من سكان هونغ كونغ بنسبة أربعة إلى واحد في قسمه. وأضاف تسي، الذي طلب عدم ذكر اسمه الكامل، إذ أنه غير مصرح له بالتحدث إلى وسائل الإعلام ، أن "معظم المصرفيين في هونغ كونغ، بمَن فيهم أنا، يتعلمون كيفية التعامل مع الخط الصيني. والصدمات الثقافية والاختلافات لا تزال هائلة".
تضاؤل حزم الرواتب
ومع زيادة المعروض من المصرفيين من البر الرئيس، تضاءلت حزم الرواتب في أنحاء المدينة. وقال كريستيان برون، الرئيس التنفيذي في "ويليسلي"، إن تعويضات المناصب العليا انخفضت بنسبة 15 في المئة إلى 20 في المئة على مدى السنوات الخمس الماضية.
وعادةً ما يصل راتب كبار المديرين الإداريين، إلى ما بين 850 ألف دولار أميركي و1.75 مليون دولار أميركي، مقابل مليون دولار أميركي إلى مليوني دولار أميركي في عام 2015، وذلك وفقاً لمصدر على دراية بالموضوع، ويتولى العديد من مهمات التوظيف مع الشركات في المنطقة.
ولا يقتصر التوظيف من البر الصيني على الشركات الصينية، إذ قامت "مورغان ستانلي" بترقية نحو 15 مديراً إدارياً من البر الرئيس للصين منذ عام 2016، مقارنة بـ11 في هونغ كونغ وفقاً لإعلانات الشركة التي حللتها بلومبيرغ، فيما عيّنت "غولدمان ساكس" ثلاثة مواطنين صينيين في عام 2018، وهو أكبر عدد على الإطلاق لموظفين من الصين. وضمت مجموعة "وي كاي" صينياً ليشغل منصب رئيس الخدمات المصرفية الاستثمارية للمجموعة. وجاءت العروض الترويجية الكبرى التي قدمتها الشركة لهونغ كونغ في السنوات الماضية في الغالب في المجالات التي لا تتعامل مع العملاء، مثل وظائف التداول والبحث والدعم، في حين رفض كل من "غولدمان ساكس" و"مورغان ستانلي" التعليق على هذه المعلومات.
الأفضلية للصينيين وفرص أقل للغربيين
وقالت الصحيفة إن أكثر من 90 في المئة من عمليات البحث التي تجرى في هونغ كونغ تتطلب إتقان لغة الماندرين (الصينية) على الأقل، مشيرةً إلى أن الأفضلية في التوظيف عادة ما تكون للمرشحين من الصين". وأضافت أن ذلك ترك فرصاً أقل للمغتربين لشغل الوظائف من أماكن مثل بريطانيا والولايات المتحدة، والذين مثلوا 7 في المئة فحسب من كبار الموظفين في آسيا في أكبر ثمانية مصارف استثمارية في المنطقة.
اسماء صامدة في الصناعة المالية في هونغ كونغ
ولا يزال سكان هونغ كونغ يشغلون بعضاً من أبرز الأدوار في الصناعة المالية. مارك ليونغ هو الرئيس التنفيذي الصيني في "جي بي مورغان تشيس"، وبيير تشو هو الرئيس المشارك لعمليات الاندماج والاستحواذ الصينية في "غولدمان ساكس"، كما أن العديد من رؤساء المصارف الاستثمارية الصينية هم أيضاً من هونغ كونغ، بينما ترك العديد من أقرانهم البارزين الصناعة في السنوات الماضية، وبقيت أقدام هؤلاء ثابتة على الأرض. إدوارد لاو، المدير السابق في "دويتشه بنك"، ويشغل الآن منصب نائب المراقب المالي في شركة "نيو وورلد ديفالوبمنت"، وهي إحدى أكبر شركات العقارات في هونغ كونغ. وميرفين تشاو، الذي أدار شركة الصين الكبرى لمصلحة بنك كريدي سويس، غادر في عام 2018 إلى شركة الاستثمار العملاقة "هيل هاوس كابيتال".
تلاشي دور المدينة كمركز مالي
من جهة أخرى، تتمثل إحدى الميزات المحتملة للمصرفيين المحليين في أنهم يواجهون نظاماً ضريبياً أكثر ملاءمةً في هونغ كونغ من نظرائهم في البر الرئيس. وبدأت حكومة الصين أخيراً بفرض ضريبة على الدخل الخارجي لمواطنيها، وهو قرار قد يترك المصرفيين في البر الرئيس في هونغ كونغ يدفعون ثلاثة أضعاف السعر المحلي، بالإضافة إلى دفع فاتورة تكاليف المعيشة الباهظة في المدينة. ويفكر البعض في العودة إلى الصين إذا لم يقُم أصحاب العمل بزيادة الرواتب لتعويض الضريبة الجديدة.
ويتمثل الخطر طويل الأمد للمصرفيين المحليين في هونغ كونغ في أن دور المدينة كمركز مالي بدأ يتلاشى. وكان فرض الصين قانوناً شاملاً للأمن القومي على هونغ كونغ أدى إلى عدم وضوح الخطوط الفاصلة بين السلطتين القضائيتين، ولا يزال التهديد بفرض عقوبات اقتصادية معطلة على المدينة من قبل إدارة الرئيس الأكيركي دونالد ترمب قائماً.
وفي الوقت ذاته، حصلت الشركات الدولية أخيراً على الضوء الأخضر من بكين لبناء عملياتها في البر الرئيس. ونقلت شركة "مورغان ستانلي" 15 مصرفياً ومسؤولاً تنفيذياً إلى مشروعها في الصين من مواقع تشمل هونغ كونغ. ونقل بنك "يو بي أس" نحو خمسة موظفين من هونغ كونغ إلى بكين، بينما نقل "كريديت سويس" اثنين من المديرين التنفيذيين إلى العاصمة الصينية لرئاسة مشروع الأوراق المالية الخاص به.
وستجد المصارف الأجنبية أنه من الأرخص بكثير تعيين موظفين في البر الرئيس، وفقاً لإريك تشو، رئيس الشؤون المالية في شركة التوظيف "مورغان ماكينلي"، الذي قال إن توظيف محلل في السنة الأولى في شركة كبيرة في الصين يكلف نحو 51 ألف دولار أميركي، مقارنةً بما يصل إلى 100 ألف دولار في هونغ كونغ.