Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جزائريون في مواجهة السلطة: المتظاهرون يتحدّون قوّات سلطة الظلّ

حتّى الساعة يشكّل الشعب اللاعب الأكثر نفوذاً، لكن يحاول الجنرالات الإمساك بالسيطرة

تظاهرات الجزائر (رويترز)

في أواخر فبراير (شباط)، فيما كانت الاحتجاجات ضدّ ترشّح الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لولايةٍ خامسة تستجمع زخمها، حذّر رئيس وزراء البلاد بمزيدٍ من التشاؤم من تكرار "السيناريو السوري". وكان يعني بذلك حركة احتجاجية سلميّة تتحوّل مع الوقت إلى حرب أهلية تدمّر دولة مستقرّة وهادئة.

"قدّم المتظاهرون وروداً لرجال الشرطة"، أفاد رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى مشرّعين، متحدثاً عن المحتجّين الجزائريين الذين احتشدوا في الطرقات أسبوعاً تلو آخر. "ولكن علينا أن نتذكّر أنّ الحالة السورية بدأت أيضاً بالورود"، وفق كلماته.

فشل التهديد، حتّى أنّه دفع بالجزائريين إلى الخروج بأعدادٍ كبيرة لإثبات أمر واحد: إنّها الجزائر يا سادة... إنّها ليست سوريا أو ليبيا أو العراق.

بعد مرور أقلّ من شهر على خطابه المشؤوم، غادر أويحيى الحكم. فقد أُجبر على الاستقالة كجزءٍ من تعديل وزاري أعلنه بوتفليقة، أو كائن من كان يتولّى شؤون الرئيس البالغ 82 عاماً من العمر والمقيّد على كرسيّ متحرّك، لتهدئة المتظاهرين العنيدين المناهضين للحكومة. يوم الجمعة 29 مارس (آذار)، اجتاح 42 مليون محتجّ طرقات البلاد.

وأفاد حسين هارون النقيب السابق في المخابرات الجزائرية الذي يعيش حالياً في المملكة المتحدة: "إنّه أمر لا يمكن مغالبته. لا أعتقد أنّ أحداً توقّع حصول انتفاضة بهذه الضخامة. تنظرون إلى الطرقات، تجدون أنّ الاحتجاجات تجمع الفقير والغني والشاب والكهل والرجال والنساء والمعوّقين سويّة".

وانتهى بوتفليقة أيضاً بعد أن دعاه قائد الجيش الجزائري أحمد قايد صالح إلى التنحّي. واستعان رئيس الأركان بمادة من الدستور تنصّ على اثبات عجز رئيس البلاد عن أداء واجباته وإجباره على تسليم السلطة إلى المجلس الشعبي الوطني (مجلس النواب) قبيل الانتخابات المزمع إجراؤها في غضون شهور قليلة.

واستقال علي حدّاد، أحد أقوى حلفاء بوتفليقة في الأوليغارشيّة الممسكة بالسلطة، من رئاسة مجموعة الضغط المؤثّرة لرجال الأعمال، يوم الجمعة نفسه، مع استمرار الثورة التي لم يتوقّعها أحد بالاتّساع.

"يتناحو قاع!" هتف المحتجّون باللهجة الجزائرية الدارجة بتلك الجملة التي  تعني "يتنحّون كلّهم".

غير أنّ الجزائر كانت على مرّ عقود محكومة من عشرات شبكات الظلّ الخفيّة المُكوّنة من مسؤولي الجيش والاستخبارات وقادة "جبهة التحرير الوطني الجزائريّة" الحاكمة، فضلاً عن رجال أعمال وقادة إقليميين. ويُطلق الجزائريون والمختصون بالشأن الجزائري، على هؤلاء تسمية "لو بوفوار" le pouvoir التي تعني "السلطة" بالفرنسية.

ويفيد طارق شرقاوي خبير شؤون شمال أفريقيا في "مركز "تي آر تي ورلد" للأبحاث" المرتبط بهيئة التلفزة الرسميّة في تركيا، أن "هنالك الجيش والحرس القديم والحرس الجديد. ومن ثمّ تأتي جبهة التحرير الوطني القديمة والمنظمات الخارجية والكثير من رجال الأعمال. يتزوّج هؤلاء من بعضهم البعض ويقيمون علاقات اجتماعية. يقصدون النوادي ذاتها ويعيشون في المجمّعات السكنيّة نفسها."

وتعتبر المحللة للشؤون الشمال افريقية في وحدة الاستخبارات الافتصادية في مجموعة ايكونوميست كارن أوزييل أنّ "السلطة لا تريد شخصية مستقلّة بالكامل. بل يريدون شخصاً يمكنهم التأثير فيه".

وصل بوتفليقة إلى السلطة فيما كانت البلاد تلملم جراحها في أعقاب حربها الأهلية في تسعينيات القرن العشرين التي شنّها جنرالات رفضوا السماح للإسلاميين بالفوز في الانتخابات.

تركّزت مهارته على تحقيق التوازن الذكي بين مراكز القوى المتنافسة داخل السلطة ولعب دور "حارس البوّابة" الذي يوزّع ثروة البلاد المتأتية من الموراد الهيدروكربونيّة. عندما كانت أسعار النفط مرتفعة، ومع توفّر الكثير من الأموال النقدية، كان ذلك النظام يعمل بنجاح. كانت مراكز السلطة متخمة وكان يمكن شراء  ذمم عامة الشعب أو إسكاتهم بواسطة خراطيم المياه.

لكن، أصابت سكتة دماغية منهكة بوتفليقة في عام 2013 كما تزامنت مع انخفاض أسعار النفط، فشرع هذا التوازن الدقيق في التزعزع. ولسنوات، وزّع بوتفليقة وقته بين الجزائر العاصمة وعدد من المستشفيات والعيادات في سويسرا وفرنسا، سعياً للرعاية الطبية فيها.

في أورقة السلطة، أجرت فصائل جزائرية مختلفة مناقشاتٍ عميقة بشأن الخطوات التي يتوجب اتّخاذها للحفاظ على السلام داخل النظام وتلبية مطالب المحتجّين بالتغيير.

ويفيد فرانسيس غيلز الباحث المساعد في "مركز برشلونة للشؤون الدوليّة" المتخصص في الشؤون الجزائرية الذي يتواصل دائماً مع مصادر في البلاد، أن "الفكرة تكمن في كيفية المضيّ قدماً. كيف تستطيعون إنشاء رئاسة مؤقتة تدوم ستّة شهور وتتمكّن من إجراء انتخابات عادلة ونظيفة"؟

ضمن "السلطة"، تتركّز النقاشات على إيجاد شخصية انتقالية تتمثّل في رئيس سابق للبلاد أو وزير في الحكومة، يكون بمثابة طرف خارجي في مجال تهدئة المتظاهرين، ويصير طرفاً داخلياً بما يكفي ليكون موثوقاً من قبل مؤسّسة الحكم.

وتعتبر كارن أوزييل محلّلة شؤون الشمال الأفريقي قسم الاستخبارات في مجلة الـ"إيكونومست"، أنّ "الشبكات التي توصف بـ"السلطة" لا تريد شخصية مستقلّة بالكامل. إنها ترغب في شخص يمكنهم التأثير فيه".

خلافاً للدول الاستبداديّة العربيّة الأخرى، تزخر الجزائر بوفرة من الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام المعارضة. ويمكن أن يسفر عام من الحملات الانتخابيّة عن إجراء انتخابات مفتوحة وبرلمان منتخب بحرية بوسعه تشكيل حكومة.

ولكن، فضلاً عن الحكم والمصالح الراسخة في "السلطة"، تشرح الصدمة التاريخيّة سبب عدم رضوخ السلطات للمطالب الشعبيّة وفتح المساحة السياسيّة أمام إجراء انتخابات حقيقيّة.

فقد فتحت الجزائر مثل هذه المساحة عقب انتفاضة أواخر الثمانينيات من القرن العشرين، لكنها شهدت اقتراب متشددين إسلاميين من الإمساك بالحكم. وتلقي تلك التجربة بثقلها على عقول ومشاعر السياسيين الذين هم في السبعينات والثمانينات من العمر، ويديرون البلاد. ولكن، لا ينطبق الوصف بالقدر نفسه على المتظاهرين الشباب وغالبية الجزائريين الذين ولدوا خلال التسعينيات من القرن العشرين أو بعدها.

"الأشخاص الذين ينزلون إلى الطرقات هم أصغر سناً من تذكّر ذلك"، وفق هارون، "إنّهم لا يعرفون الخوف".

لقد ألّف المتظاهرون أناشيد للجيش والشرطة تدعو إلى التضامن. وركّزت الوكالات الإخبارية الجزائرية الرسمية يوم الجمعة 29 مارس على أنّ المتظاهرين كانوا يرددون شعاراتٍ مؤيدة للقوات المسلحة وتشيد برئيس الأركان صالح.

في المقابل، يستفيد جزائريون كثيرون ممّا حدث في مصر التي سُحِقَتْ فيها انتفاضة شعبية في انقلابٍ عسكري. وأدرك عدد كبير من المتظاهرين بشكلٍ بديهي أنّ الشعب و"السلطة" يتواجهان وجهاً إلى وجه، حتى مع واقع أن رئيس الأركان الجنرال صالح هو من دعا بوتفليقة إلى التنحي خلال هذا الأسبوع. وأظهرت الصور المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي متظاهرين يحملون لافتاتٍ ضدّ صالح.

"بوتفليقة سترحل، خذ قايد صالح معك!"، وفق كلمات أحد الشعارات.

أخبر صحافي جزائري صحيفة الاندبندنت أنّ "الشعب عازم على مواصلة الاحتشاد في الطرقات، إلى حين التوصّل إلى نتائج حقيقية ملموسة... البعض سعداء، لكن غالبية الشعب يعتريه الشكّ وليس واثقاً بالكامل بشأن تطبيق القانون وما الذي سيحدث بعد ذلك."

ما يحدث الآن هو نظام جزائري قيد التبدّل، وكل شيء معه في حالة تغيّر مستمرة. حتّى الساعة يشكّل الشعب اللاعب الأكثر نفوذاً، لكن يحاول الجنرالات الإمساك بالسيطرة.

وقيل أنّ قوّات الأمن عمدت يوم الجمعة نفسه إلى إطلاق الرصاص المطاطي وخراطيم المياه باتجاه المحتجّين في محاولةٍ لفرض حظر استمرّ سنوات على التجمّعات الكبيرة. ولكن ذلك لم يجد نفعاً. واندفع المحتجّون نحو الساحات الرئيسية.

ويفيد محمد عفّان، خبير السياسية في المنطقة العربية وشمال افريقيا، أنّ "الشعب يملك اليد الطولى، ويحاول الآخرون كلّهم التأقلم والتفهّم. ولكن، يبرز تغيّر انتقالي جديد. خلال هذه المرحلة، سيخسر الشعب جزءاً من تأثيره أمام القوى الأكثر تنظيماً أي قوّات الدولة والأحزاب المعارضة."

ويضيف عفان أنّ المخاطر على الجزائر لا تزال مرتفعة. إذ توجد في الجزائر كلّ العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى ردّ عسكريّ قويّ، بما في ذلك تاريخ سابق من التدخّل في السياسة، ومشهد سياسي مدني هشّ ومنقسم، وعدد كبير من الضبّاط المنخرطين في السياسة، ومسؤولين عسكريين يملكون مصالح اقتصادية ضخمة.

في الجانب الآخر، خيّبت الاخفاقات والفساد المؤسّساتي على مدى عشرين عاماً الماضية، أمل الجزائريين بشكلٍ كبير بمن فيهم الضباط العسكريين والجنود العاديين لدرجة أنّه ما من ضمانة مطلقاً بأن هؤلاء سيوافقون على الانصياع للأوامر بإطلاق النار على المتظاهرين كما فعلوا في مصر عام 2013.

وأضاف هارون أن "المتظاهرين يحتجون على نظام بوتفليقة وعلى القلّة الأوليغارشيّة الحاكمة التي صنعها بوتفليقة. بلغت الإيرادات منذ توليه الحكم أكثر من تريليون دولار، ولكنه لم يقم ببناء حتى مستشفى واحد يكون قادراً  علاجه".

© The Independent

المزيد من تحقيقات ومطولات