Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تعهُّد تيريزا ماي بالاستقالة يؤكد أنّ اتفاق البريكست لا يخدم سوى مصالح المحافظين وبقائهم في السلطة

عند كلّ منعطف في مفاوضات بريكست التي تتولّى رئيسة الوزراء قيادتها، يقوم أحد جناحَي حزبها بالتعليق على أدائها، واصفاً إياه بغير المرضي

رئيسة الوزراء البريطانية تيريرزا ماي (رويترز)

لم يكن للأمر يوماً علاقة بإرادة الشعب. ليس فعلاً. فلعنة البريكست حلّت علينا جراء انقسام أعضاء حزب المحافظين حول العلاقة بأوروبا وخوفهم من خسارة الأصوات لمصلحة حزب "استقلال المملكة المتحدة". ومن أجل تفادي احتمال كارثة انتخابية، وافق ديفيد كاميرون – مخالفاً حسن تقديره أو على الأقل حسن تقدير مَن هم أعلى منه شأناً – على إجراء استفتاء شعبي حول بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، في حال عودته إلى منصبه في العام 2015. وهكذا أُقرّ الاستفتاء.

ومعه القرار المصيري بالخروج من أوروبا، حيث انجرّ ملايين البريطانيين وراء أفكار غير واعدة ومتهوّرة لأمثال بوريس جونسون ومايكل غوف وأندريا ليدسوم وسواهم من المحافظين الطاعنين في تعاظم قوة أوروبا ممّن وقفوا لكاميرون وغيره بالمرصاد. وإثر القرار، ومن أجل وضع حدٍّ للنزاع الحاد والمرير على الفوز بمنصبَي زعامة حزب المحافظين ورئاسة الوزراء، كان بروز تيريزا ماي الخيار المثالي بين البدائل المطروحة.

وقالت ماي آنذاك إنّها ستحقق رغبات الشعب في ما يخص الخروج من الاتحاد الأوروبي وستهتم بمعالجة قضايا مهمة أخرى يواجهها البلد. وفي غضون الأشهر القليلة التالية، سادت البلاد أجواءٌ من الوئام والتناغم. وعندما انتخب الشعب الأميركي دونالد ترمب رئيساً في تشرين الثاني (نوفمبر) العام 2016، بدا الأمر وكأننا في حال أفضل.

لكن بعد ذلك، تذكّرت رئيسة الحكومة أنّها، أولاً وأخيراً، عضو في حزب المحافظين وفكّرت بأنّها قد تُفيد حزبها في شكلٍ أوسع لو حصدت غالبية أكبر في البرلمان، إذ بفضل هذه الغالبية سيتسنّى لها ولرفاقها القيام بما يحلو لهم – في شأن البريكست وقضايا أخرى.

وسارت ماي على خطى كاميرون، وانساقت وراء شعارات مثل "الحزب أولاً" فلقيت عاقبة هذه المواقف. تلقت صفعةً كبيرةً في انتخابات العام 2017 (التي لم تخضها فعلياً دفاعاً عن اتفاق بريكست)، وكادت أن تفقد موقعها في مجلس العموم، وبان للعلن ضعف دالّتها على زملائها الذين بدوا منذهلين من تعثرها في الحملة الانتخابية.

على الأثر، عادت الانقسامات داخل حزب المحافظين، التي خبت مدة وجيزة، إلى الواجهة من جديد وتفاقمت. وعند كل منعطف وتحوّل في مفاوضات بريكست التي تقودها رئيسة الوزراء مع الاتحاد الأوروبي، يقوم أحد جناحَي حزبها بالتعليق على أدائها، واصفاً إياه بغير المرضيّ. فبصرف النظر عمّا يُريده الشعب، لم يكن اتفاق الخروج ما تريده "المجموعة الأوروبية للأبحاث" أو ما تريده الحكومة أو ما يريده نسبياً محبّو أوروبا.

أما معارضة حزب العمال، فكانت ضعيفة معظم الوقت غير وازنة في ظل تصاعد الانتقادات اللاذعة من صفوف الجالسين مباشرةً خلف رئيسة الوزراء. وها نحن اليوم في موقعٍ لا نُحسد عليه فبعد مرور ثلاث سنوات على الاستفتاء الذي طالب به رجلٌ لم يكن يرغب في إجرائه أساساً، ما من اتفاق يحظى بتأييد غالبية البرلمان!

فالاتفاق التي وافقت عليه رئيسة الوزراء (وحريّ بنا ألا ننسى أنها نظّمت، على مضض، حملةً واسعة ضد الخروج من أوروبا في العام 2016) سيئ إلى حد أنه رُفض مرّتين. وبما أنه لا يزال على حاله ولن يُعدّل، لا مفرّ من أن يرفض للمرة الثالثة لو طُلب من أعضاء البرلمان التصويت عليه من جديد. ففي النهاية، هم لم يُوافقوا عليه من قبل لأنهم كانون يعلمون في قرارة أنفسهم أنه ليس خياراً مناسباً.

لكن، مهلاً! ماذا لو أنّ عدداً من المحافظين الطموحين يبغون مصلحةً من وراء البريكست؟ ماذا لو تعهّدت تيريزا ماي بالتنحي عن منصبها فور المضي قدماً بالاتفاق، نزولاً على إرادة كلّ من بوريس ومايكل وأندريا وجايكوب ريز موغ، وليس على إرادة الشعب (الذي لم يكن ليُوافق على هذه الصفقة الفاشلة لو أُتيح له التصويت عليها)؟ فجأةً، يصبح اتفاق بريكست أكثر جاذبية في نظر مرشحين مرتقبين لرئاسة الحكومة.

وماذا لو تمكّنت ماي من إتمام صفقة الخروج وتنحّت عن منصبها فعلاً؟ حسناً، عندئذ ستكون البلاد تحت رحمة أعضاء حزب المحافظين البالغ عددهم حوالي 120 ألفاً، إذ سيكون لهم قرار تحديد خَلَفها - وبالتالي الشخص الذي سيُفاوض على مستقبل العلاقة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.

لم تكن عملية البريكست الشائكة يوماً قضية الشعب، لطالما كانت قضية حزبٍ سياسي شغله موضوع أوروبا لعقود، وكثيراً ما انقسم بين مؤيدين ومعارضين له. ففي محاولاتهم اليائسة للحفاظ على وحدة الحزب، انقاد الزعماء المتعاقبون على رئاسته مراراً وتكراراً خلف وجهات النظر التي تُمثّل أقلية أعضاء المجلس، وأقلية الرأي العام.

وكان اعتبار البريكست قضية "ديمقراطية" أو قضية "إرادة شعب" على الدوام زعماً لا سند له. ولو أمطنا اللثام عن الخبايا لوجدنا أن بريكست لم يكن أكثر من رغبة حزب المحافظين في البقاء في السلطة وتعطّشه لها. أما الآخرون فلا يُعتدّ بمصيرهم القاتم!

© The Independent

المزيد من آراء