Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الجيش الجزائري يحسم الصراع بين الحراك الشعبي والدولة العميقة

بيان للرئاسة الجزائرية أعلن أن الرئيس بوتفليقة سيستقيل قبل نهاية ولايته الرئاسية في 28 أبريل (نيسان) المقبل

تتوالى فصول معركة ليّ الأذرع في أعلى هرم النظام الحاكم في الجزائر، بين قيادة الجيش التي حسمت موقفها بالاصطفاف إلى جانب الحراك الشعبي، من منطلق أن الإرادة الشعبية هي المصدر الوحيد للشرعية الدستورية، وبين الائتلاف الرئاسي الذي لم يعد يضم سوى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وأشقائه ومجموعة من رجال المال والأعمال النافذين، بعدما تخلت عنه أحزاب الموالاة، وفي مقدمها حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم. 

الائتلاف الرئاسي سعى إلى الاستعاضة عن خسارته تأييد أحزاب الموالاة بإقامة حلف سرّي مع قوى الدولة العميقة الممثلة في بقايا جهاز الاستخبارات والأمن الذي حُلَّ رسمياً، العام 2015، إثر تنحية قائده الجنرال توفيق مدين. لكن البيان المدوي الذي أصدرته قيادة أركان الجيش، مساء السبت، أحبط "الاجتماعات المشبوهة" التي سعى من خلالها حلف الرئاسة وقوى الدولة العميقة الالتفاف على الشرعية الدستورية. ما سّرع بحسم صراع الكواليس الذي تفجّر بين الطرفين، منذ مطلع الأسبوع الماضي، إذ تجمع المصادر المقربة من معسكرَي الصراع في أعلى هرم السلطة بأنه تمّ التوصل، مساء الأحد أول أبريل (نيسان)، إلى "تسوية سياسية شاملة"، بموجبها أعلن بيان لرئاسة الجمهورية، الاثنين 2 أبريل، أن الرئيس بوتفليقة سيستقيل قبل تاريخ نهاية ولايته الرئاسية الحالية، في 28 أبريل.

حلف القوى غير الدستورية 

الأحداث تسارعت، على نحو مفاجئ، مساء السبت 30 مارس (آذار)، بعدما بيّنت التظاهرات الحاشدة التي شهدتها الجمعة الاحتجاجية السادسة بأن الأزمة التي تهزّ البلاد منذ فبراير (شباط) الماضي مرشحة لمزيد من التجاذب والاحتقان. ظهر السبت، بدأت تنتشر أخبار وتسريبات تشير إلى أن الرئيس الجزائري السابق، ليمين زروال، قدِم على جناح السرعة إلى العاصمة، آتياً من مسقط رأسه في باتنة، شرق البلاد، للمشاركة في اجتماع طارئ يضمّ شخصيات سياسية وأمنية كبيرة التأم في بيت أحد القادة التاريخيين للثورة الجزائرية، وهو الرائد لخضر بورقعة. 

لكن الأخبار تضاربت في شأن أهداف الاجتماع وهويات الشخصيات المشاركة فيه، إذ تمّ تداول أسماء عدة نفى أصحابها لاحقاً مشاركتهم في الاجتماع، ومنهم رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور. ولم تتضح معالم "الطبخة السياسية"، التي كان الاجتماع يسعى إلى إعدادها سراً، سوى بعد إصدار بيان قيادة أركان الجيش الذي حذّر من "اجتماعات مشبوهة" يعقدها مَن سماهم البيان بـ"أصحاب النوايا السيئة" بهدف بلورة "مقترحات لا تتماشى مع الشرعية الدستورية". 

خطة الفراغ الدستوري 

وفقاً لما روت مصادر عدة في العاصمة الجزائرية لـ"اندبندنت عربية"، فإن الاجتماع الذي عُقد ظهر السبت، في بيت الرائد بورقعة، سبقه اجتماع سرّي عُقد الأربعاء بالإقامة الرئاسية في زرالدة، غرب العاصمة، بين شقيق الرئيس، سعيد بوتفليقة، وقائد جهاز الاستخبارات السابق، الجنرال توفيق مدين، إذ سعى شقيق الرئيس إلى ترضية غريمه السابق واستمالته، الذي كان قد أطاحه في العام 2015، بسبب اعتراضه على ترشيح الرئيس بوتفليقة لولاية رابعة.  

مهّد "الصلح المفاجئ" بين الرجلين، وفقاً للمصادر ذاتها، لـ"صفقة سرية" سعى من خلالها أشقاء الرئيس وأقطاب "الأوليغارشية المالية" المقربة منه إلى التحالف مع قوى "الدولة العميقة"، التي يُعد الجنرال توفيق مدين أحد أبرز عرّابيها، بهدف الالتفاف على مطالب الحراك الشعبي المعارض لخريطة الطريق الرئاسية التي أعلن عنها في 11 مارس الماضي، والتي تتضمّن بقاء الرئيس بوتفليقة في الحكم بعد نهاية ولايته الحالية لفترة انتقالية مدتها عام واحد. 

حيال وقوف قائد الجيش في صفّ الحراك الشعبي، وانسحاب أحزاب الموالاة، واحداً تلو الآخر، من الائتلاف الرئيسي، خطّط "الحلف السريّ"، الذي أُبرم بين شقيق الرئيس وقوى "الدولة العميقة"، لـ"إحداث فراغ دستوري شامل، من خلال حلّ غرفتَي البرلمان، وإعفاء رئيس الحكومة المكلّف نور الدين بدوي، وإقالة رئيس هيئة الأركان الجنرال أحمد قايد صالح، ثم إعلان استقالة الرئيس بوتفليقة لأسباب صحية". 

مجلس حكم جماعي 

هذا المخطط يشبه إلى حد كبير "الطبخة" الشهيرة التي كان الجنرال مدين أحد عقولها المدبرة، في يناير (كانون الثاني) العام 1992، حين أُعلن إلغاء الانتخابات التشريعية التي كان الإسلاميون قد فازوا بجولتها الأولى، وتم استباق ذلك بإحداث فراغ دستوري شامل، عبر حلّ البرلمان، وإقالة رئيس المجلس الدستوري، ودفع الرئيس الشاذلي بن جديد إلـى الاستقالة. وتضيف مصادرنا أن "حلف القوى غير الدستورية"، الذي أُبرم بين سعيد بوتفليقة والجنرال مدين، كان يسعى من خلال تكرار سيناريو الفراغ الدستوري إلى "وضع الحراك الشعبي وقيادة الجيش أمام الأمر الواقع، من خلال تشكيل "مجلس حكم جماعيّ" يضمّ شخصيات تاريخية، كالرائد بورقعة، وأخرى مقربة من المؤسسة العسكرية، كالرئيس السابق زروال، بالإضافة إلى شخصيات مقربة من الرئيس وأشقائه، كالمبعوث الأممي السابق لخضر الإبراهيمي، وأخرى وثيقة الصلة ببقايا جهاز الاستخبارات، ومنها الجنرال مدين نفسه الذي كان مزمعاً أن يُعين مستشاراً أمنياً أو أميناً عاماً لمجلس الحكم الجماعي".  

كان هدف هذه الخطة السهر على أن تُدار الفترة الانتقالية من قبل هيئة حكم جماعية مهمتها "تأمين مصالح حلف القوى غير الدستورية"، أي أشقاء الرئيس بوتفليقة، والأليغارشية المالية التي يتزعمها رجل الأعمال علي حداد، وفلول الدولة العميقة بقيادة الجنرال مدين. وتضيف مصادرنا أن "الاجتماع الذي عُقد، ظهر السبت، في بيت الرائد بورقعة، في ضاحية بوشاوي، غرب العاصمة، اندرج ضمن هذا المخطط الذي كان مزمعاً أن يبقى طيّ الكتمان، لتدار اللعبة السياسية عبر واجهة مجلس الحكم الجماعي، على غرار ما حدث، في العام 1992، إثر اغتيال الرئيس بوضياف وتشكيل المجلس الأعلى للدولة برئاسة علي كافي".

خروج آمن للرئيس وعائلته 

يجهل كيف تسرّبت أخبار هذه الخطة السرية إلى قائد أركان الجيش، وخصوصاً أن الفراغ الدستوري الذي خُطّط له كان أحد بنوده الأبرز إقالته من منصبه كرئيس لهيئة الأركان. وقد سمح هذا التسريب لقيادة الجيش بأن تحبط "خطة القوى غير الدستورية"، عبر استباقها ببيان هيئة الأركان الذي وصف الاجتماعات المذكورة بـ"المشبوهة"، مهدداً بأن "كل ما ينبثق من هذه الاجتماعات المشبوهة من اقتراحات لا تتماشى مع الشرعية الدستورية أو تمسّ بالجيش الوطني الشعبي، الذي يعد خطاً أحمر، هي غير مقبولة بتاتاً، وسيتصدى لها الجيش الوطني الشعبي بكل الطرق القانونية". 

وحرص بيان هيئة الأركان على إبراز اصطفاف قيادة الجيش إلى جانب الحراك الشعبي، من خلال الاستناد إلى شرعية المادتين 7 و8 من الدستور، اللتين تنصان على أن الشعب هو الذي يمتلك الشرعية الدستورية والسلطة التأسيسية، في تلميح واضح إلى استجابة قيادة الجيش مطالب الحراك الشعبي في ما يتعلق بتشكيل مجلس تأسيسي لسنّ دستور جديد وقوانين انتخابية تضمن شفافية اللعبة الديمقراطية ونزاهتها. ما جعل شباب الحراك يخرجون، على الفور، في تظاهرات ليلية حاشدة لتأييد بيان هيئة الأركان، رافعين شعارات "الجيش والشعب: خاوة، خاوة". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لتضييق الخناق على الرئيس وأشقائه، أتبعت قيادة الأركان بيانها الذي أحبط "خطة القوى غير الدستورية" بحزمة من القرارات الهادفة إلى "قصقصة آخر أجنحة نفوذ الائتلاف الرئاسي"، وذلك عبر ضرب الأوليغارشية المالية الموالية له، إذ اعتُقل ممول الحملات الانتخابية للرئيس بوتفليقة، الرئيس السابق لمنتدى رجال الأعمال الجزائريين علي حداد، بينما كان يحاول الفرار من البلاد عبر منفذ بري على الحدود الجزائرية- التونسية. بينما أُعيدت شخصيات أخرى مقربة من الرئيس وأشقائه من المطار، ومُنعت من مغادرة البلاد، كرجل الأعمال محي الدين طحكوت، وزوجة رئيس الحكومة الأسبق ومدير الحملات الانتخابية للرئيس بوتفليقة، عبد المالك سلال. وأُعلنت قرارات أمنية مشدّدة بحجز الطائرات واليخوت التابعة لعدد من رجال الأعمال الضالعين في الفساد، لمنعهم من الهرب. 

وفقاً لمصادر مقربة من مراكز القرار، فإن هذه الضغوط نجحت في إرغام أشقاء الرئيس على التسليم بالأمر الواقع. ما مهّد لتسوية سياسية تقضي بـ"ضمان مخرج مشرف وآمن للرئيس بوتفليقة وعائلته، في مقابل التجاوب مع خطة هيئة الأركان في ما يتعلق بإقرار شغور منصب الرئيس". وأضافت المصادر أن التسوية التي تمّ التوصل إليها تتضمن "إعلان استقالة الرئيس بوتفليقة طوعاً في غضون 24 ساعة، على أن تسبقها مجموعة من القرارات الهادفة إلى ضمان إدارة الفترة الانتقالية بما يتوافق مع مطالب الحراك الشعبي وتعهدات قيادة الجيش". وهو ما تأكد بالفعل، حين أعلن بيان رئاسة الجمهورية أن الرئيس بوتفليقة سيتخذ قبل إعلان استقالته "قرارات هامة تهدف لضمان استمرارية عمل مؤسسات الدولة خلال الفترة الانتقالية". وأضاف البيان بأن أولى تلك القرارات تمثّلت في تشكيل حكومة تصريف الأعمال، برئاسة نور الدين بدوي. ويُرتقب، وفقاً لمصادر مقربة من مراكز القرار، أن تتضمن القرارات المرتقبة تنحية رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح، تجاوباً مع مطالب الحراك الشعبي الرافض توليته منصب الرئاسة بالإنابة، خلال الفترة الانتقالية.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي