Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سوريون يقودهم الفقر إلى الموت في بلاد لا يعرفون أين تقع

تقارير عن مشاركة مئات "المرتزقة السوريين" في القتال بين أرمينيا وأذربيجان بدافع الحاجة إلى المال

بعد أسبوعين فقط من مغادرة محمد الشحنة سوريا لأول مرة، أعيدت جثته الشاحبة إلى بلاده، ملفوفةً بأكياس من البلاستيك وبملاءات بيض. هذا الشاب هو أحد "المرتزقة" السوريين الذين يقال إنه قضى في أذربيجان بعد تجنيده للمشاركة في القتال الدائر هناك.

وتظهر في اللقطات غير الواضحة المأخوذة بكاميرا هاتف أرسلها أصدقاء محمد البالغ من العمر 22 عاماً إلى صحيفة "اندبندنت"، مجموعة من الناس وهي تقوم بإزالة الأغطية عن الجثة المسجاة على سرير معدني للتحقق من هوية صاحبها.

واستناداً إلى أسرة الشاب وزملائه، فإن المقاتل والمعارض السابق للنظام السوري من بلدة معرة النعمان في محافظة إدلب شمال غربي البلاد، كان من بين نحو 55 سورياً سقطوا قتلى، وأعيدوا خلال عطلة نهاية الأسبوع الفائت إلى بلادهم، عبر معبر حوار كلس الحدودي بين سوريا وتركيا.

وزعم في هذا الإطار أن شركة أمنية تركية خاصة كانت قد جندتهم جميعهم للقتال إلى جانب القوات الأذربيجانية ضد المواطنين من الإثنية الأرمينية في إقليم ناغورنو قره باغ.

وفيما نفت السلطات في تركيا وأذربيجان بشدة هذه المزاعم، إلا أن الأشخاص الذين يعرفون محمد من قرب، أكدوا أنه كان من بين مئات السوريين من شمال غربي سوريا، وهي منطقة خاضعة لسيطرة المعارضة، الذين غادروا للمشاركة في الصراع الدائر جنوب القوقاز، وإنه لقي حتفه خلال قصف عنيف إثر اشتداد وتيرة القتال هناك الأسبوع الماضي.

وأعرب أصدقاء الشاب ومقاتلون في إدلب عن قلقهم الشديد من ارتفاع عدد الضحايا السوريين في أذربيجان، وقالوا لصحيفة "اندبندنت" إنهم بدأوا حملة توعية لثني الشباب عن التقدم إلى المشاركة في تلك الحرب. 

ويتصدر عمر أحد أصدقاء محمد، حملةً مناهضة تجنيد الشباب الآخرين بهدف الحؤول من دون سيرهم على خطى صديقه. ويقول إن المغدور "كان قد قبل التوجه إلى أذربيجان في أسبوع خلت فيه ثلاجة عائلته من الطعام". ويضيف أن "والد الضحية متقدم في السن، في حين أن الأسرة كانت قد بدأت تقترض المال لتتمكن من مواصلة العيش".

ويمضي عمر في شرح معاناة صديقه قائلاً "لقد مر في السابق بأوقات سيئة للغاية. حاول الانتقال إلى تركيا لكن ألقي القبض عليه على الحدود وأعيد إلى سوريا، حيث لم يتمكن من العثور على عمل لائق". ويضيف "لذلك عندما عرضت عليه الوظيفة في أذربيجان، لم يتردد وقبلها على الفور".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويوضح عمر أن قصة محمد هي نموذج عن حالات أخرى. فهو قبل أن ينقل إلى هناك، لم يكن يعرف أذربيجان أو ما إذا كان الصراع قائماً فيها. وفي المقابل، بما أنه الابن الوحيد في أسرة مؤلفة من 10 أفراد، فقد اضطر إلى مغادرة المدرسة عند اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، وهو في سن الثالثة عشرة، لتأمين  سبل العيش لعائلته.

وهذه الخطوة لم تحقق المبتغى، فبعد فشل محمد في جني ما يكفي من المال من خلال الانضمام إلى "الجيش السوري الحر" و"لواء أحرار الشام" الإسلامي الذي تدعمه تركيا، كان يتوق إلى السفر إلى أذربيجان، حيث تلقى وعداً بالحصول على دخل شهري يتفاوت ما بين ألف دولار أميركي وألف و200 دولار، وهذا يعد بمثابة ثروة لأسرته التي تعاني من العوز.

وكانت صحيفة "اندبندنت" قد علمت لأول مرة بوجود خطط مبدئية لتجنيد مقاتلين سوريين وإرسالهم إلى منطقة القوقاز في شهر يوليو (تموز) الفائت، في وقت قريب من وقوع أول جولة من الحرب الخطيرة بين أذربيجان وأرمينيا هذه السنة. ونقل عن مقاتلين وأصدقاء وأقارب لأفراد سوريين أرسلوا إلى أذربيجان، أن يكون قد انضم إلى القتال في أذربيجان نحو ألف سوري من جميع أنحاء شمال البلاد التي تسيطر عليها المعارضة السورية. إلا أن "اندبندنت" لم تتمكن من التحقق من صحة هذا الرقم من مصادر مستقلة.

وفي المقابل، تلقت صحيفتنا أسماء ثلاثة وسطاء، كان قد ساعد أحدهم في تجنيد سوريين للقتال في ليبيا، إلا أنها لم تستطع الحصول على تفاصيل إضافية عن هؤلاء الأشخاص أو التأكد من هويتهم.

ويصر المسؤولون في أذربيجان وتركيا المتحالفون في هذا النزاع بشكل وثيق، على الإنكار الشديد لوجود أي مرتزقة سوريين ضمن صفوف المقاتلين في أذربيجان. فهذه الدولة المحاذية لإيران ذات أغلبية شيعية، مما يعني احتمال حدوث احتكاك مع المقاتلين السوريين الذين هم من السنة المدعومين من تركيا.

وفي هذا الإطار قال حكمت حاجييف، مستشار الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، للصحافيين هذا الأسبوع، إن باكو "ترفض تماماً" مثل هذه المزاعم التي وصفها بأنها غير منطقية نظراً إلى أن أذربيجان تمتلك جيشاً كبيراً. وأضاف متوجهاً إلى المراسلين "لدينا عدد كاف من الجنود وقوات الاحتياط، وإذا كانت لديكم أي وقائع في هذا الصدد فنحن مستعدون للنظر فيها". 

وحول المسؤولون الأذربيجانيون الاتهام إلى عدوهم في النزاع الراهن، قائلين إن يريفان هي التي تقوم باستغلال أرمن الشتات، وتعمل على جر أفراد من العرقية الأرمينية في كل من لبنان وسوريا إلى ساحة المعركة.

السفير الأميركي السابق لدى أذربيجان ماثيو برايزا، أكد استناداً إلى محللين سابقين في أجهزة الاستخبارات، أنه "على يقين أكثر فأكثر أن الاتهامات غير صحيحة".

وقال برايزا لصحيفة "اندبندنت" "من جهة، إنها مسؤولية سياسية ضخمة، فهم لا يحتاجون إلى مرتزقة. أما السبب الذي يقف وراء فوز أذربيجان، فيكمن في استخدام تكتيكات متفوقة لطائرات مسيرة. وبالتالي فلا توجد حاجة إلى أعداد كبيرة من طاقم العاملين والمقاتلين في الميدان".

في المقابل، نفى قادة في وحدات "الجيش الوطني السوري" التي تدعمها تركيا والتي تضم عدداً من الفصائل التي يزعم أنها دبرت مسألة تجنيد مقاتلين لإرسالهم إلى أذربيجان، حدوث أي شيء من هذا القبيل، وذلك في رسائل بعث بها هؤلاء إلى صحيفة "اندبندنت".

وقد أمكن الوصول إلى أحد المقاتلين السوريين الذي قال إنه ذهب إلى أذربيجان. فأكد أنه شديد القلق والخوف من قادة كتيبته إلى حد لا يستطيع الإفصاح تفاصيل تجنيده وأنشطته، لكنه أكد أنه كان تواقاً إلى المغادرة والعودة إلى بلاده.

وتلقت صحيفة "اندبندنت" في المقابل، رسائل صوتية عبر "واتساب" من مواطنين سوريين كانوا يزورون رفيقاً لهم مصاباً هناك، وقد أجرينا مقابلةً مع أفراد أسرته.

وفي إطار آخر، نشر مقطع فيديو لم يتحقق منه على وسائل التواصل الاجتماعي، يظهر مقاتلين سوريين يتحدثون عن وجودهم في أرمينيا. وقد حدد محللون المكان جغرافياً بأنه في إحدى القواعد الأذربيجانية في منطقة هوراديز التي تبعد بضعة كيلومترات عن خط المواجهة مع الأرمن.

وأظهر فيديو آخر شاباً سورياً على خطوط المواجهة، تعرفت عليه الخبيرة في الشؤون السورية إليزابيث تسوركوف، وقالت إنه مصطفى قنتي، ابن الـ23 عاماً، ويتبع لـ"فرقة الحمزة" التي تدعمها تركيا. وحدد في المقابل خبير معروف في مجال المعلومات الاستخبارية المشرعة الموقع الجغرافي للقطات، فقال إنها مأخوذة في أحد مستودعات الذخيرة في أذربيجان جنوب هوراديز في منطقة القتال.

وكان الصراع في إقليم ناغورنو قره باغ المتنازع عليه قد اندلع الشهر الماضي. هذا الإقليم معترف به دولياً على أنه جزء من أذربيجان، لكنه مرتبط تاريخياً بأرمينيا، وظل على مدى نحو ربع قرن من الزمن يدار من جانب سكانه الذين هم في معظمهم من الإثنية الأرمينية.

وجرى حتى الآن تأكيد مقتل نحو 360 شخصاً على الأقل في النزاع الدائر، وهو الأسوأ الذي يلقي بثقله على المنطقة منذ توقيع هدنة في عام 1994 وضعت حداً لحرب مديدة بين الجانبين. ويرى البعض أن عدد القتلى أعلى بكثير.

ويتحدث سوريون عن أن عشرات إن لم يكن مئات من "المرتزقة" السوريين قد لقوا حتفهم. ويؤكد مقاتلون في سوريا ممن يروون أن أصدقاء لهم وأقارب موجودون في أذربيجان، أن نحو 60 شخصاً بمن فيهم محمد، قد قضوا بوابل من القصف خلال يومي الأول والثاني من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي. ولم تتمكن "اندبندنت" من التحقق من ذلك.

وأبدت قوى دولية عدة قلقاً وأعربت عن انزعاج متزايد مما يرد عن توريط مقاتلين سوريين في النزاع الدائر القوقاز. وأشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ومسؤولون في روسيا إلى هذه الادعاءات، على الرغم من عدم تقديمهم معلومات استخبارية تؤكد صحتها. وكان ماكرون قد قال الأسبوع الماضي "إنها حقيقة جديدة شديدة الخطورة، وهي تغير الوضع القائم".

أما إيران الدولة المجاورة، فقد أبدت قلقها هي الأخرى. ونقل عن رئيسها حسن روحاني قوله إن "الجماعات الإرهابية" السورية نفسها التي قضت طهران أعواماً في مقاتلتها، في إطار الدعم الإيراني لنظام بشار الأسد الديكتاتوري في دمشق، "ها هي تظهر من جديد على حدود إيران".

وكانت مجموعة من الخبراء التابعين للأمم المتحدة قد أكدت هذه السنة أن أنقرة جندت نحو 5 آلاف مقاتل سوري من الألوية التي تدعمها تركيا، لإرسالهم إلى القتال إلى جانب "حكومة الوفاق الوطني" المعترف بها دولياً في ليبيا، في حين قام متعهدون أمنيون روس بتجنيد نحو ألف و200 سوري من الذين يدعمون نظام بشار الأسد، للقتال إلى جانب وحدات "الجيش الوطني الليبي" بقيادة اللواء خليفة حفتر المناوئ لحكومة الوفاق.

وتعاني أسر سورية عدة في مناطق المعارضة بعد نحو عقد من الحرب الأهلية المدمرة، من الجوع والعوز، ما لم ينضم أفرادها من الذكور إلى الألوية المعارضة داخل البلاد، والآن تسجل هذه الوتيرة تزايداً في ما يتعلق بالتجنيد في الخارج.

أبو محمد، السوري الذي يبلغ من العمر 37 عاماً، وكان مقاتلاً سابقاً في منطقة الغوطة الشرقية، يزعم أن ابن عمه موجود الآن في أحد مستشفيات أذربيجان بعد تعرضه للإصابة على خطوط المواجهة. ويقول إنه حاول بلا جدوى التجند لكن طلبه رفض بسبب إصابة قديمة لحقت به. ويكشف عن أن كثيراً من المواطنين السوريين الذين يكابدون الجوع، كانوا يتوسلون عناصر القواعد العسكرية التركية في شمال سوريا، من أجل الحصول على الطعام.

ويوضح أن "الفصائل المسلحة لا تحتاج حتى إلى أن تحاول استقطاب الناس، فالفقر المدقع هنا يتولى التجنيد نيابة عنها". ويقول بمرارة "إنني في حال من اليأس الشديد إلى درجة أنني أفضل الذهاب إلى الجبهة في أذربيجان على البقاء في إدلب". وإذا ما قضيت نحبي هناك، فيمكن لأسرتي على الأقل، أن تحصل على تعويض مادي.

لكن مع توالي وصول أكياس الجثث إلى سوريا، سعى عدد من العائلات إلى الحؤول دون تسجيل رجالها الفقراء أسماءهم للتجند. وارتفعت حدة الغضب والاستياء عالياً عندما لم تتلق أسر عدة الراتب المخصص أو التعويض بعد ما قتل أحد أفرادها في أذربيجان.

إحدى الحالات تتعلق بكنان فرزات وهو نقيب سابق في الجيش السوري كان قد انشق عنه وانتقل للقتال إلى جانب المتمردين على النظام، ثم انضم إلى "فرقة السلطان مراد" للمرتزقة، وانتقل إلى القتال في أذربيجان. وبعد يومين فقط من وجوده هناك تعرض للتفجير هو وخمسة أعضاء من فريقه، الأسبوع الماضي. لكن زوجته وأولاده الأربعة لم يتلقوا بعد أياً من رواتبه أو التعويض المالي عن وفاته، كما ذكر أشخاص من مسقط رأسه في مدينة الرستن.

أما طارق، وهو سوري آخر من إدلب (كان قد سجل اسمه في بداية الأمر من خلال اللواء الذي ينضوي إليه)، فقال لصحيفة "اندبندنت" إن فريقه تراجع في اللحظة الأخيرة، عندما أدرك أعضاؤه أنهم سيقاتلون إلى جانب الشيعة.

ويكشف نيل هاور الزميل غير المقيم في "معهد الشرق الأوسط" الموجود في الوقت الراهن في أرمينيا، أن السوريين الذين انتقلوا إلى القوقاز لم يتلقوا تدريباً جيدا، وكانوا "يتعرضون للقتل بسرعة". وأوضح أن شكوكاً قد ساورته في البداية حيال الموضوع، لأن أذربيجان لا تحتاج إلى مزيد من القوى البشرية لنشرها، لكن برزت في ما بعد "أدلة قوية" كثيرة لا يمكن تجاهلها، تؤكد وجود سوريين على أراضيها.

وفي حديث مع صحيفة "اندبندنت" رأى هاور أن "القوات التركية تكرر في أذربيجان ما فعلته تماماً في ليبيا، إلا أن الصراع في القوقاز مختلف للغاية، بحيث يشارك فيه جيشا دولة محترفان". وأشار إلى أن "وجود السوريين هنا هو غير ذي معنى على الإطلاق. كما أن القيمة القتالية الميدانية لهؤلاء الرجال في ساحة المعركة هي محدودة جداً".

ولعل هذا هو السبب الذي حدا بعمر إلى القول إنه بدأ "حملة توعية" في منطقته، لا بل ذهب إلى نشر مقاطع فيديو دعائية أرمينية، تظهر شراسة القتال وعمقه، على صفحات بعض المجموعات السورية على وسائل التواصل الاجتماعي.

وتساءل عمر في حديثه مع "اندبندنت" قائلاً "لماذا نقاتل هناك؟ فنحن لا نعرف حتى أين تقع أذربيجان". واعترف بأن قلةً قليلة من الناس يمكنها حتى تهجئة اسم البلد. وخلص إلى القول إن "شبابنا أصبحوا سلعةً رخيصة تستخدم أداةً في الأعمال الحربية. وهم يفقدون حياتهم من أجل مصالح دول أخرى".

أسهم بورزو درغاهي المراسل المختص في الشؤون الدولية في إعداد هذا التقرير

© The Independent

المزيد من تحقيقات ومطولات